عاصم الشيدي -
لا تحاول هذه الورقة التأسيس لبدء الصحافة الثقافية في جريدة عمان ولا حتى الاقتراب من مراحلها «الذهبية» التي شهدت جدلا طويلا ساهم في التأسيس للحالة الثقافية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ولتلك المرحلة رجالها الذين عايشوا المشهد متابعة ومشاركة وتأسيسا. ولكنها تكتفي بمحاولة تسليط الضوء على آخر سبع سنوات من عمر ملحق شرفات الثقافي والصفحات الثقافية في الجريدة بدءا بأواخر عام 2009 بدايات 2010 وإلى اليوم.. وهي المرحلة التي كنت فيها على تماس مباشر مع الملحق بدءا بعملي محرر أخبار محلية بالجريدة ثم محررا ثقافيا ومشرفا على ملحق شرفات ورئيسا لقسم الثقافة والمنوعات. وهي المرحلة التي شهدت الكثير من التغيرات في الملحق الثقافي بالجريدة على مستوى الشكل والمضمون وعلى مستوى هجرة الكفاءات بالقسم الثقافي في الجريدة.
في البدء سيسعدني الحديث عن بعض الذكريات الشخصية مع «ملحق عمان الثقافي»، فهو الملحق الذي كنت أتابعه وأنتظره كل يوم خميس، وأحرص حرصا كبيرا على اقتناء عدد الجريدة في ذلك اليوم، وكان يوم إجازة أسبوعية وكان الخيار الوحيد للحصول على الملحق أن أطلب من أبي الذاهب للسوق إحضار نسخة من الجريدة.. وسيكون حظي جيدا لو تذكر أبي واحضر الجريدة، وسيكون حظي أفضل لو أحضر عمان ولم يحضر الوطن. في تلك الفترة تابعت بوعي متواضع ـ كنت حينها طالبا في الثانوية العامة ثم طالبا في كلية التربية بصحار ـ الكثير من الجدل والكثير من النقاش الساخن الذي كان يدور في تلك المرحلة، كما تابعت الصراع الذي كان يدور أيضا بين المحررين، وبينهم وبين القراء كما حدث قبيل انتقال إدارة الملحق من سعيد النعماني إلى محمد الرحبي وأذكر إنْ لم تخني الذاكرة ـ وكثيرا ما تفعل ـ أن سعيد النعماني كتب مقالا توديعيا كنت أحتفظ به لفترة قريبة قبل أن أفقده في سياق التنقلات العبثية من شقة إلى أخرى حمل عنوان «ثرثرت طويلا وآن لي أن أصمت». واذكر أول عدد صدر من ملحق شرفات الذي كان تطويرا لملحق عمان الثقافي.. وكان لي نص تفضل الصديق محمد بن سيف الرحبي، مشكورا، بنشره في ذلك العدد حمل عنوان «أين تيمم وجهك». لم يمض عقد كامل وكان وجهي ميمم ناحية الملحق نفسه ولكن في مرحلة مختلفة تماما.
كان وهج الملاحق الثقافية قد بدأ يخفت قليلا مع توهج المنتديات الإلكترونية التي خصصت هي الأخرى منتديات حوارية خاصة بالثقافة وتحت مساحات حرية أكبر كثيرا من الحرية التي تقدمها الصحافة الورقية وما تزال.
لم يكن في تصور أحد أن نقلات الإعلام الإلكتروني ستكون سريعة بالقدر الذي نتابعه اليوم، فتم تجاوز المنتديات هي الأخرى إلى إعلام «السوشل ميديا» أو منتديات التواصل الاجتماعي التي أتاحت لكل شخص كاتبا ومفكرا أو حتى طفلا في لفته منبرا خاصا يقول فيه ما يريد ويكتب ما يريد في الوقت الذي يريد دون ان يكون عليه أي رقيب من قبل ولا من بعد.. وفوق ذلك فتحت هذه الميديا الجديدة الفرصة أمام الكتاب في الحصول على رجع صدى على ما يكتبون بشكل سريع وفوري وهو ما حقق لهم انتشارا كبيرا لم تستطع الصحافة الورقية تحقيقه من قبل. هذا الأمر أثر كثيرا على الملاحق الثقافية وسحب منها كل البسط.. حتى أولئك الذين ما زالوا متمسكين بفكرة النشر الورقي يستعجلون الدقائق للحصول على روابط مقالاتهم ونصوصهم لنشرها في مواقع التواصل الاجتماعي وربما يسبقون ذلك بنشر مزدوج.
كانت شرفات ما تزال متوهجة عندما قررت إدارة الجريدة تحويلها إلى ملحق شبه يومي يصدر ثلاث مرات في الأسبوع وكل عدد يتكون من 12 صفحة من القطع الكبير. كان الأمر أشبه بصدمة كبيرة. وكان على فريق العمل المكون من أربعة محررين هم الصديق محمد الحضرمي وهدى حمد والصديق المترجم أحمد شافعي وأنا أن نشتغل صفحة منوعات في داخل العدد إضافة إلى الصفحة الأخيرة من الجريدة هذا إضافة إلى الملحق وفي الأيام الأربعة الأخرى أن نشتغل خمس صفحات بشكل يومي تبدأ من صفحة 19 وتنتهي بالصفحة 24. وكان، ولا يزال، يسند إلىّ أعمال تحريرية أخرى تتعلق في الغالب بتحرير الصفحة الأولى في غياب مدير التحرير أو سكرتير التحرير.
رغم ذلك كان الملحق يقدم ما يستطيعه من حوارات ونقاشات وترجمات وتحقيقات صحفية ورصد للفعاليات الثقافية وما يدور حولها من أسئلة.. وحوار شرفات عبر محرريه في هذه الفترة الكثير من القامات الثقافية في الوطن العربي واجرى تحقيقات واستطلاعات لا يمكن تجاوزها.
وأذكر ان الملحق في تلك المرحلة تابع «الثورة» التي أحدثها قرار إلغاء الأسر الثقافية من النادي الثقافي. ونشر بيانا موجها لصاحب السمو السيد هيثم بن طارق وزير التراث والثقافة يطالبه بالتدخل، ونُشرت صورة ضخمة في الصفحة الأولى من الملحق لواجهة النادي الثقافي وقد حل فوقه الظلام.. ولم يكن معهودا، وما زال، أن تنشر جريدة الدولة مثل تلك البيانات. وتلقيت يومها توبيخا شديدا من رئيس التحرير الذي كان حينها مسافرا إلى تركيا، وكنت قبلها، او بعدها بأيام قد تلقيت توبيخا أشد لهجة تحول إلى تحقيق حول نشر صور للفنان العالمي مايكل أنجلو اعتبرت خادشة للحياء وأثارت الكثير من الضجيج الاجتماعي ووصل صداها إلى تقديم سؤال برلماني إلى وزير الإعلام من قبل مجلس الشورى.
لكن إلى متى كان يمكن أن يصمد الملحق الذي يصدر ثلاث مرات في الأسبوع في بلد عدد كتابه وشعرائه معدودون وفعالياته الثقافية موسمية، فيما كانت الملاحق الثقافية في بلد متخم بالفعاليات الثقافية مثل لبنان لا تتعدى الثلاث أو أربع صفحات. ولذلك اتهمنا دائما بتكرار نفس الأسماء التي تشارك في التحقيقات الصحفية وفي الحوارات وفي نشر مواضيع تصنف أنها منوعات في مساحات ثقافية.
في منتصف 2011 قررت إدارة الجريدة فجأة العودة بالملحق إلى الإصدار الأسبوعي ولكن بقي الملحق بالقطع الكبير، قبل أن تقرر مرة اخرى لاحقا عودته للقطع الصغير المستمر حتى اليوم. لكن كانت الملاحق في العالم العربي قد بدأت تتوقف فعلا. فتوقف ملحق جريدة الخليج الثقافي وتوقف ملحق جريدة البيان، وتوقف ملحق جريدة المستقبل اللبنانية وتوقف ملحق جريدة الشرق الأوسط وتوقف ملحق جريدة النهار وتوقف لاحقا ملحق جريدة السفير اللبنانية قبل ان تتوقف الجريدة نفسها عن الصدور مطلع العام الجاري.
أما الزملاء محمد الحضرمي فقد انتقل إلى مكتب الجريدة في مدينة نزوى، وهدى حمد إلى مجلة نزوى وسرعان ما انتقلت بدرية العامرية، التي التحقت بالجريدة قبيل مغادرة هدى حمد، للجنة الوطنية للشباب.. لم يبق في القسم الثقافي إلا أنا والزميل ماجد الندابي وقبل عامين انضمت لنا الزميلة شذى البلوشية.
لا أقول ذلك تبريرا لتراجع الملاحق الثقافية وشرفات.. والتراجع له أسباب الكثيرة التي ليس أولها تراجع وهج الملاحق لصالح النشر الفوري في وسائل التواصل الاجتماعي ، وليس آخرها المكافأة المالية التي ما زال الجميع يعتبرها متواضعة رغم أن الجريدة راجعت جداول مكافآتها قبل ثلاث سنوات وزادتها بنسبة 100 بالمائة. وبين هذا وذاك هناك أسباب تخص وضع المحرر كما ذكرتها وأسباب تخص الكاتب.
لم يعد الكاتب يبحث عن مساحة في جريدة لنشر نصه/ مقاله كما كان سابقا، فصار كل كاتب قادر على صناعة منبره الخاص في المكان والزمان الذي يريد.. ويجد المحرر الذي يتصل بالكاتب يسأله عن جديده وعن تخصيص بعضه للنشر في الملحق ردودا مختلفة ومتباينة.. والغريب ان حتى الكتاب الذين في بدايات عهدهم بالكتابة والنشر صاروا يترفعون عن النشر، ويتضخمون عليه، أو حتى مجرد الرد «المحترم» مجترين أسبابا لم يعيشوها ولكن سمعوا بها في سياقات أحاديث كتاب آخرين من قبيل مساحات الحرية ومن قبيل المكافأة المالية وتسجيل المواقف.. ووصل الحال أن نجد مجموعات قصصية أو دواوين شعر تصدر لكتاب لم نقرأ لهم عبر الصحف، ولم يسمع بهم القراء من قبل.
رغم ذلك فالملحق ما زال مستمرا، وما زال يبحث عن مساحاته وله قراء مخلصون داخل عمان وخارجَها ويطرق عبر الحوارات وعبر المقالات وعبر التحقيقات أحيانا الكثير من القضايا الساخنة والمسكوت عنها، وله مساحة حرية قد لا تتحقق خارجه في الصحافة الورقية.
أما المستقبل فهو في أمر الغيب «وهذه مشكلة عربية» ولا نعرف إلى متى يمكن أن يصمد الملحق أو إلى متى يمكن ان تصمد الصحافة الورقية في ظل الأزمات الاقتصادية التي تمر بها المنطقة والتي تطيح كل يوم بصحيفة أو مجلة.
اما أنا فما زال ولائي للملحق من الناحية الوجدانية ولا أعرف ماذا يمكن أن أقول للناحية المنطقية والسوقية فيما لو سئلت عن رأيي في توقف الملاحق الثقافية لتصبح من أمر الماضي الجميل.
• قدمت هذه الورقة في صالون بيت الزبير الثقافي ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب.