روشير شارما- نيويورك تايمز  - ترجمة قاسم مكي - منذ فترة طويلة كان يُنظر إلى المتعصبين للاستثمار في الذهب كفئة هامشية مصابة بالبارانويا في عالم الاستثمار، فهم يحتفظون بهذا الأصل المالي الذي يشع بريقا كتحوُّطٍ من كارثة يعتقدون دائما أنها قريبة، لكن مؤخرا يبدو أنهم اكتشفوا شيئا حقا. فالذهب هذا العام أفضل الأصول التقليدية أداء في العالم. لقد بلغ سعره 2000 دولار للأونصة (31.103 جرام) لأول مرة. وصار كل مستثمر جاد أو متداول جديد للذهب يمتدح فضائله. مؤخرا، وجد استطلاع آراء 1000 شخص أن واحدا من بين كل ستة أمريكيين اشترى ذهبا أو معدنا ثمينا آخر في الأشهر الثلاثة الماضية، وأن واحدا من بين كل أربعة منهم يفكر جديا في ذلك. وفي منصة «روبنهود» للتداول الرقمي والتي تحظى بشعبية كبيرة ارتفع عدد المستخدمين الذين يستثمرون في اثنين من أكبر صناديقها الخاصة بالذهب إلى ثلاثة أضعاف منذ يناير. وهكذا يبدو أننا كلنا صرنا من المغرمين بالاستثمار في الذهب الآن. من المغري أن نعزو صَرعَة شراء الذهب إلى الرغبة في ملاذ آمن (لأموالنا) أثناء فترة الجائحة، وهذا نوع من رد الفعل اللاإرادي في أوقات الذعر المالي والذي يختفي عندما تَخِفُّ الأزمة، لكن ما يحرك جنونَ الاستثمار في الذهب أيضا الحدسُ بأن الأموال الرخيصة التي تضخها برامج التحفيز الحكومية والبنوك المركزية قد تطلق التضخم من عقاله. وهذا ما يجعلها نذيرا اقتصاديا أكثر إثارة للقلق. في الماضي قلل المستثمرون الجادون من قيمة الذهب واعتبروه أصلا استثماريا جامدا لا يحقق أي عائد، فالذهب من نواحي عديدة مثله مثل النفط أو الحديد أو أية سلعة أخرى يستخرجها الناس من باطن الأرض، وأسعار معظم السلع ترتفع وتنخفض في دورات ولا تكتسب أية قيمة إضافية بمرور الوقت. لقد صمد الذهب بأفضل مما فعلت السلع الأخرى نظرا إلى صورته كمخزن مستقر للقيمة عندما تكون (الأصول) الأخرى غير مستقرة، لكنه رغما عن ذلك يظل استثمارا مفتقرا إلى الدينامية. فخلال القرن الماضي ارتفع سعر الذهب، بعد حساب التضخم، بحوالي 1.1% فقط في المتوسط مقارنة بـ 6.5% للأسهم الأمريكية. وحتى سندات الخزانة لمدة عشرة أعوام في الولايات المتحدة والتي تعتبر الأصل المالي الأكثر تحررا من المخاطر في العالم حققت عائدات سنوية أعلى (من الذهب). كان الذهب يلمع أساسا في لحظات الحظ السيئ. فقد ارتفع سعره إبان التضخم الجامح في سنوات السبعينات من القرن الماضي حيث تضاعف سعره أكثر من سبع مرات خلال فترة عشرة أعوام وبلغ الذروة عند 850 دولارا للأونصة في بدايات عام 1980. ثم ارتفع مرة أخرى بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008 ووصل سعره إلى 1900 دولار للأونصة في عام 2011. لكنه بعد ذلك تراجع خلال معظم سنوات العقد التالي. في عام 2019 وبعد أن أشار بنك الاحتياط الفدرالي إلى أنه يعلَّق خططا لرفع أسعار الفائدة شهد الذهب ارتفاعا آخر. تاريخيا، كان أفضل أداء للذهب عندما تهبط أسعار الفائدة إلى أدنى من معدل التضخم. فعندما يصبح العائد على السندات بعد حساب التضخم سلبيا يفضل المستثمرون حيازة الذهب كمخزن للقيمة حتى إذا لم يحقق أي عائد. وهذا ما ظل يحدث طوال الشهور القليلة الماضية، فمع اقتراب عائدات السندات من الصفر في الولايات المتحدة وتحولها إلى السلب (أقل من الصفر) في أوروبا واليابان دفع المستثمرون بسعر الذهب إلى أعلى بأكثر من 30% هذا العام وذلك بعد ارتفاعه بنسبة 20% في العام الماضي. وفي الأسابيع الأخيرة تعزز ذلك الصعود في سعر الذهب لتنامي التوقعات بأن الأموال التي تضخها الحكومات في اقتصاداتها ستشعل التضخم مجددا.إضافة إلى ذلك ومع تقييم الأسهم بأعلى كثيرا من متوسط سعرها في الأجل الطويل يبدو الذهب رخيصا نسبيا. ومع طباعة البنوك المركزية للنقود بسرعة فائقة ينظر البعض إلى الذهب كبديل مستقر للدولار والعملات الأخرى. (كما يرفع الذهب أيضا من قيمة الفضة قريبته الأقل بريقا والتي يرتفع سعرها من مستوى غير معهود في انخفاضه لأن الناس يعتبرونها رهانا أرخص في الاتجاه ذاته). لكي يحافظ الذهب على ارتفاع سعره يجب أن يستمر تزايد التوقعات بالتضخم. لقد كان توقع ارتفاع التضخم رهانا خاسرا خلال جزء كبير من فترة العقود الأربعة الأخيرة. لكن يبدو الاحتمال أفضل الآن. فمعظم البلدان توزع كميات قياسية من أموال التحفيز المالي على الاقتصاد في وقت يشهد ضعفا متزايدا لقوى أوقفت التضخم مثل العولمة. في العادة عندما تظهر بوادر التضخم يمكن للبنوك المركزية الاعتماد على رفع أسعار الفائدة. لكن مسؤولي بنك الاحتياط الفيدرالي أشاروا إلى أنهم لا يفكرون «حتى في التفكير» في رفع معدلات الفائدة ولا يتوقعون تحركا من جانبهم في هذا الاتجاه قبل عام 2022. هذا ليس تطورا صحيا. فعندما تكون أسعار الفائدة منخفضة يكون المال (الاقتراض) مجانا تقريبا مما يشجع على المضاربة في الأصول التي لا قيمة لها للمجتمع. ويشكل الذهب المثال الرئيسي لهذه الأصول في الوقت الحاضر. أما الخطر الأكبر فهو أن يقوض هذا النوع من المضاربة المالية البحتة الاقتصادَ بسحبِ رأس المال بعيدا عن الصناعات التي ستوظفه في استخدامات أكثر إنتاجا. ليست للذهب بوصفه استثمارا أيٌّ من الفضائل التي أعجَبُ بها مثل الابتكار والدينامية. ولديه العديد من الرذائل التي أكرهها بما في ذلك عقلية «البحث عن الريع» المعهودة في الصناعات الاستخراجية. لكن هذه الأوقات ليست عادية. وما لم يظهر لقاح بسرعة وتكفّ البنوك المركزية عن الطباعة المسعورة للنقود وتبدأ أسعار الفائدة في الارتفاع مرة أخرى من الصعب ألا يكون المرء متعصبا للاستثمار في الذهب الآن.