الحاكــــم العــادل -
د. ناصر بن علي الندابي -
ما أجمل الحياة حين تسير على منهج الله سبحانه وتعالى، وتزداد جمالا وتألقا حين يكون حكامها ومحكوميها يبتغون رضى الله، كل دابة على هذه البسيطة وفي هذا الكون الواسع لها قائد يقودها وحاكم يحكمها، ورئيس يرأسها، هكذا اقتضت سنة الله في خلقه، بدءا من خلية النحل الصغيرة التي لها ملكة تحكمها إلى هذا الإنسان المكرم الذي لا يمكن أن يعيش دون حاكم يحكمه وسائس يسوسه.
الحاكم اسم من أسماء الله الحسنى والعدل كذلك، هذه الأسماء التي اتصف بها المولى سبحانه وتعالى فيها دعوة من رب الخلق إلى خلقه بصورة عامة وإلى من ولاّهم أمر عباده بصورة خاصة أن يجعلوا العدل نصب أعينهم، لينتفعوا من اسم الله العظيم (العدل)، وليسبحوا في ملكوت السموات والأرض ويتفكروا في عدله سبحانه وتعالى ويتدبروا في هذا الاسم الجليل من أسمائه سبحانه جلت قدرته القائل في كتاب الكريم: «إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»، وضرب الله مثلا لعباده ليعلموا مكانة العدل فقال جلّ شأنه:«وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».
الناس على دين ملوكهم، هكذا قيل منذ أبعد الأزمان، عبارة تدل بكل معانيها على أهمية الحاكم وتأثيره على محكوميه، وكما جاء في الأثر أيضا أن الخليفة ظل الله في أرضه، كل هذه المقولات تدل دلالة لا يخالجها شك على أهمية مكانة الحكام في نفوس الرعية، ومدى قوة تأثيره على سير الحياة في نواحي مملكته وسائر بلاده التي يحكمها، كيف لا وهو حارس الدين وسائس المسلمين في أمور دينهم ودنياهم وكل ما يصلحهم، وهكذا عرّف ابن خلدون في مقدمته الخليفة أو الحاكم.
وإن كان من شيء ينبغي أن نتعرض له ونحن نتحدث عن الحاكم فهو الصفات التي يبغي أن يكون عليها الحاكم والطريق الذي يجب عليه أن يسلكه، فهو قدوة لمحكوميه وأسوة لهم في هذه الحياة الدنيا ليتمكن - بعون الله وتوفيقه - أن يوصل اتباعه ومن كتب الله لهم التوفيق إلى الجنة وإلى بر الأمان.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة فهو يمثل نموذجا رائعا ووحدويا للبشرية قاطبة في المنهج الذي ينبغي أن يكون عليه الحاكم في قومه وفي اتباعه، ففي كل خطوة وكل لحظة عاشها المصطفى عليه الصلاة والسلام في هذه الحياة نموذجا صالحا لكل من ولّى أي شيء من أمر الناس، فسبحانه وتعالى جعله سراجا منيرا لنا وهاديا، فقال عز من قائل عظيما: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا».
وحين ننتقل من سيرة الهادي المهتدي إلى سيرة صحابته الكرام يبرز لنا نموذجا فذا في الحاكم العادل المخلص المثابر متمثلا في شخص خليفته الثاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي ملأ الأرض عدلا وسلاما ، وملكها بإخلاصه وورعه وتقاه، فنعم التلميذ هو، ونعم الأسوة لكل المسلمين، وما نهجه لهذا المنهاج إلا تطبيقا لما تعلمه في المدرسة المحمدية،وسيرا على خطى أستاذه وأستاذ البشرية قاطبة نبينا وهدينا عليه أفضل الصلاة والتسليم، وقد بلغ عدله وورعه رضي الله عنه قوله: « لو أن بغلة في العراق تعثرت لخشيت أن يسألني الله لما لم تمهد لها الطريق يا عمر».
وحري بنا هنا أن نتذاكر الصفات التي ينبغي أن يتحلّى بها الحاكم ليسير على منهاج رسولنا الأكرم عليه صلوات ربي وسلامه عليه، ونهج سلفه الصالح من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم، فأول الخصال التي ينبغي أن يتصف بها الحاكم هي الإخلاص ومراقبة الله في السر والعلن، وتأنيب النفس وزجرها عن التكبر والتعالي على الرعية بشتى أطيافها غنيها وفقيرها صغيرها وكبيرها، عظمائها وعامتها، ثم الإحساس بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ويتذكر دائما وأبدا أن ما هو فيه من منصب ومكانته هو في الحقيقة تكليف لا تشريف.
وبعد شعور الحاكم بعظم مسؤوليته عليه أن يعدل في رعيته فلا يفرق في تعامله بين رعيته ولا يحابي رئيسا على حساب مرؤوس، فإن إحساس المحكومين بعدالة حاكمهم يرفع من معنوياتهم ويزرع فيهم الثقة ويعينهم على العدل فيمن تحت مسؤوليتهم، فعدالة الحاكم تفرض نفسها على كل الرعية لينهجوا نفس المنهج ويسيروا على خطى حاكمهم.
وبما أن الحاكم هو حارس الدين فعليه أن يجعل دين الله سبحانه وتعالى ينتشر في ربوع مملكته ويجعله هو المرجع الذي يتحاكم الناس إليه والمصدر الذي يتبعونه ، والمنبع الذي ينهلوا منه، والمعين الذي لا ينضب لكل وارد، فعلى الحاكم أن يطبق دين الله في أرضه ويعز أهله، ويعاقب من يخالف نهج الله ويحيد عن الجادة.
إن أساس نجاح أي حاكم هو مشاورته للناس واختياره لفئة مخلصة وناصحة تعينه على حكمه، فما خاب من استشار وما ظل من استخار، ويقول سبحانه وتعالى ناصحا نبيه وموجها له ليشاور أصحابه فقال عزوجل:« وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»، ومن أجمل ما قاله شاعر العلماء وعالم الشعراء أبو مسلم ناصر بن سالم بن عديم الرواحي البهلاني قوله:
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
ومن الصفات التي يبغي أن تكون حاضرة دائما في شخص الحاكم الرحمة، فينبغي أن يكون الحاكم رحيما برعيته قريبا منهم، فينزل إلى بيئتهم ويخالطهم ويعيش معهم وبينهم، يشعر بما يشعرون به، فيفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله :« اللهم من ولّى من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولّى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به».
والحاكم عفيف النفس يعفها عن جميع الشهوات وعن جميع الملذات، ويعفها عن الاعتداء على أموال الرعية وحقوقها، فلا يستخدم مكانته وقوته ليستولي على أرزاق أمته ورعيته، بل يكون نزيها متعففا، يجود بما يملك لا يسعى لأخذ ما لا يحق له أخذه، فحين يكون الحاكم كذلك يأمن الناس على أموالهم وأرزاقهم ويشعرون بالأمن والآمان على أملاكهم وخيراتهم فتزداد الديار خيرا وبركة.
من المعلوم أن أي أمة لن تقوم لها قائمة ولن تكون لها مكانة بين أمم الأرض ولن تبلغ ذرى المجد والعزة إلا بسلوك طريق العلم، فعلى الحاكم أن يوجه رعيته نحو طلب العلم وتشجيع طلابه ومنحهم كل ما يريدون لينهضوا بالأمة ويرفعوها إلى المكانة التي ينبغي أن تكون عليها، فبالعلم ترقى الأمم وبالعلم تُخشى الأمم، وبالعلم تزداد قوة ومنعة، وبالعلم تتقدم الدولة وتتطور، وبالعلم ترقى وتعمر، وبالعلم تنتصر وتعلو، وبالعلم تنال الدرجات العلى في الدنيا والعقبى.
هذه نبذة بسيطة جدا أو قل مدخل لهذا الموضوع وإلا فإن موضوع الحاكم وصفاته وواجباته وما ينبغي أن يكون عليه موضوع كبير جدا يحتاج إلى مجلدات وأسفار.
العفة في منظومة الأخلاق -
فوزي بن يونس بن حديد -
العفة خلق إسلامي رفيع ترفع قيمة المؤمن وتجعله أقرب إلى الله، إذا حمى نفسه في الدنيا يحميه الله في الدنيا والآخرة، ولعل السبب الذي جعل الشباب اليوم يندرجون وراء هذه الشهوات يتمثل في أمرين أساسيين هما تبرّج النساء وإطلاق النظر والبصر، فالمرأة والرجل مشتركان في المعصية ما داما قد أطلقا العنان للشهوة أن ترتقي إلى هذه الحالة، لأننا سمحنا للمرأة أن تلبس ما تشاء وتعرّي ما تشاء وتختلط بالرجال وتختلي بهم دون رقيب ولا متابع،
أودع الله سبحانه وتعالى في الإنسان جملة من الغرائز والشهوات والمشاعر والأحاسيس، حتى تستمرّ حياته في العطاء ويتقلّب بين هذه الميولات وفق طبيعته البشرية التي تدفعه نحو إشباع هذه الغرائز وفق الرغبات، ولكن في الوقت نفسه لم يُطلق لها العنان وهذا طبعها إذا تُركت تسرح وتمرح وتفعل ما تشاء، غير أنه سبحانه وهو العالم بسرائر الإنسان قيّدها وضبطها وفق مبادئ شرعية كانت مقاصد نحو احترام إنسانية الإنسان في المقام الأول، واكتساب صفة التعفف ثانيا التي تبقيه في دائرة الأمان وعلى مسافة من الآخرين.
أما إذا شوّه الإنسان نفسه باتباع هواه ورغباته وملذاته فإنه يغوص في بحر عميق من الهوى لا يدري أين يُرديه قاعه، أو حوّل مسار الفطرة البشرية نحو اتخاذ طريق مخالف له كما فعل قوم لوط حينما تركوا الحلال واتجهوا نحو الحرام وآثروا أن يأتوا الرجال بدل النساء وظنوا أن ذلك متاح لهم وأحرار فيما يفعلون ومالت بهم الشهوات نحو السقوط في فخ الإذلال للغريزة والشهوة التي إذا استعر نارها ولم تجد ضابطا يضبطها فإنها تُحدث فوضى في البلاد وتنتشر العدوى وتُغرق المنطقة كلّها في فتن الليل والنهار.
فالحقيقة التي لا نستطيع أن ننكرها أن الله عز وجل سمح للإنسان أن يلبّي غريزة الفرج في إطار من الشرع والقانون الرّبّاني، وفي الوقت نفسه حذّر من الوقوع في براثن الشهوة والغوص في فتنها التي لا تلقي بالمرء إلا في جحيمها، والإنسان المؤمن هو الذي يستطيع أن يعيش في هذه الحياة الدنيا ويلبّي رغباته التي تستدعي طرفا آخر لا محالة في إطار من التناغم والتجانس، ولذلك كثيرا ما جاءت الآيات الكريمة تحثّ المؤمنين على الالتزام بما جاء في القرآن حتى لا تكون نهاية الأمّة مثل الأمم السابقة التي كفرت بأنعم الله فأذاقها لباس الجوع والخوف، مثل قوله تعالى : « وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» فالعلاقة الشرعية التي يحبّها الله ورسوله هي العلاقة التي يكون طرفاها رجلا وامرأة حتى تنشأ بينهما مودة وتناغم وتجانس وتناكح وتناسل، وحتى في هذه الحال لا يكون الأمر على إطلاقه بل أوجد ضوابط أخرى تحمي النسب من الاختلاط فشرع الزواج وحدّد الأركان ونظّم العلاقة.
فمن كان هذا طريقه فاز ونجح في تحقيق المراد، منها إشباع رغبته الجنسية وتكوين أسرة مثالية وحماية نفسه وأهله من الأمراض العدوانية، ومن سلك الطريق الآخر، حيث يقترن بمن يحبّ من النساء وكذلك الأمر للمرأة أن تقترن بأكثر من رجل وتفتخر بذلك بدعوى نشاط الهرمونات الجنسية أمر يدعو للاستغراب والدهشة بل أحيانا تفعل ذلك بدعوى الحرية الجنسية وتقارن نفسها بالرجل الذي أباح له الشرع أن يعدّد الزوجات، كل هذه الأطروحات الجنسية الفارغة المضمون أدت إلى انهيار المجتمعات الإسلامية التي سادت فيها الأمراض الجنسيّة والعضويّة والنفسيّة وانهارت مع القيم الإنسانية وأصبح همّ الإنسان إشباع رغبته الجنسية فيمكن أن يفعل ذلك مع أمه أو أخته أو أحد محارمه ولا يأبه بذلك لأنه لا وازع لديه ولا قانون يضبطه بل يسرح ويمرح حتى يلقى حتفه. لأجل كل ذلك كانت التربية الإسلامية هي الحل الوحيد لما تشهده الإنسانية اليوم من مآسٍ، ولنا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم الأمثلة الواقعية التي حدثت في عهده تبين كيف كان يوجه الناس نحو التربية الصالحة بالإقناع والحجة والدليل لا بالإكراه والقسر والتقتيل، فقد جاءه شاب يحمل كل ملامح القوة والفتوة ولديه شهوة طافحة يريد أن يسمح له بالزنا حتى يفرغ هذه الطاقة التي تشغل باله، فقد ورد (أن فتى شابا أتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهّر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء).
فالعفة خلق إسلامي رفيع ترفع قيمة المؤمن وتجعله أقرب إلى الله، إذا حمى نفسه في الدنيا يحميه الله في الدنيا والآخرة، ولعل السبب الذي جعل الشباب اليوم يندرجون وراء هذه الشهوات يتمثل في أمرين أساسيين هما تبرّج النساء وإطلاق النظر والبصر، فالمرأة والرجل مشتركان في المعصية ما داما قد أطلقا العنان للشهوة أن ترتقي إلى هذه الحالة، لأننا سمحنا للمرأة أن تلبس ما تشاء وتعرّي ما تشاء وتختلط بالرجال وتختلي بهم دون رقيب ولا متابع، وسمح الرجال لعيونهم أن تنظر إلى هنا وهناك من غير تعفف ولا اتقاء، كل ذلك جعل العلاقات تسير في خط من الحرام دون مبالاة ولا حياء، وحدث ما حدث لمجتمعات كانت تدّعي أن الإسلام دينها ومنهجها وطريقها، ومن هنا يتجلى الحديث النبوي الشريف الذي ذكر من بين السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ذكر «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقل إني أخاف الله» وفي رواية أخرى «ذات حسن وجمال ».
فهل مجرد النظرة تقع الفتنة أم هناك حيثيات أخرى تسبب المشكلة، فسيدنا يوسف عليه السلام ضرب أروع الأمثلة في العفة والطهر حينما تزينت له امرأة العزيز بكل أناقتها وحسنها وجمالها وقوامها الفارع وخطواتها المثيرة وحركاتها المحيّرة، وهو الرجل الذي يرى بنور الله لا يمكن أن يقع في هذه المصيدة مهما كلفه الأمر، بينما آخر يذوب في حضنها متعلّلا بأنه قد أخطأ وجلّ من لا يخطئ، فهل العزيمة تحضر وتغيب أم أن الإيمان هو الدافع نحو تحقيق التاريخ، فظل التاريخ والقرآن الكريم يذكر سيدنا يوسف عليه السلام مثالا يذكره الأجيال جيلا بعد جيل بينما قوم لوط الذين انحرفوا عن الفطرة ومجّدوا الشهوة تلعنهم الأجيال جيلا بعد جيل لأنهم أفسدوا ما بناه الله وقدّره.
وفي هذا الإطار ينبغي على أولياء الأمور أن يحافظوا على أبنائهم وبناتهم من اللهو والعبث بهذه الغريزة التي تدمّر الأسر والمجتمعات والبلدان، ويحرصوا على توفير المناخ المناسب وتهيئتهم وإفهامهم وإقناعهم أن التربية الجنسية مهمة للغاية وهي حقيقة معرفية، ومن يدعو إلى حريتها على الإطلاق إنما يدعو إلى تدمير المجتمع كله، فلا نصغي إلا لصوت الشرع والعقل والمنطق التي تدعو جميعها إلى احترام الإنسان وعدم الاعتداء عليه بأي نوع من الأنواع وعدم استغلاله جنسيا وخاصة الأطفال الذين لا يفقهون في بداية حياتهم معنى الجنس والثورة الجنسية، نلقّنهم معنى الزواج الشرعي وتحصين النّفس من الآفات والدّعوات المسمومة المغلّفة بالحبّ العذري وغيره من الألفاظ الموجعة.