نزوى – محمد بن سليمان الحضرمي - أقيمت في مركز نزوى الثقافي محاضرة مثيرة، حول اكتشاف سفينتين غارقتين، تابعتين للقوة البحرية البرتغالية في زمن القائد البحري البرتغالي «فاسكو دي جاما»، غرقتا في عام 1503م، تدعى الأولى «أزميرلدا»، يقودها الأخوان فيسينتي وبراس سودري، والثانية تدعى «بيرو دي اتيداي»، ضمن أسطول برتغالي يتألف من خمس سفن بحرية، كان قد توقف قبالة سواحل السلطنة بمحاذاة جزيرة «الحلانية» كبرى جزر «الحلانيات»، للاحتماء من الرياح الموسمية الجنوبية الغربية، ولإصلاح إحدى السفن المتعطلة، حيث مكثوا في جزيرة «الحلانية» المأهولة بالسكان أسابيع عديدة، نشأت خلالها علاقة ودية مع السكان المحليين، تمكنوا من مقايضة الأهالي بالممتلكات من أجل الحصول على الطعام، وفي شهر مايو من نفس العام ولا يزال البرتغاليون ماكثين في البحر، قام الصيادون المحليون بتوجيه إنذار لهم عن رياح شديدة سوف تهب من الشمال، الأمر الذي يشكل خطرا وشيكا على السفن، فقد تتحطم سفنهم إذا لم ينتقلوا إلى الجانب المواجه للرياح من الجزيرة، لكن غرورهم جعلهم واثقين من قوة مراسيهم الحديدية، فقد قرر الأخوان سودري البقاء في مكانهم بسفينتهم «أزميرلدا»، مع سفينة «بيرو دي اتيداي»، بينما تحركت ثلاث من السفن الأصغر إلى الجانب الآخر من الجزيرة، وكما أخبر الصيادون المحليون، فقد اشتدت الرياح فجأة وبقوة، نجم عنها ارتفاع في موج البحر، واقتلاع سفينتي الأخوين سودري من مرساهما، ورمت بهما الرياح بقوة على الصخور، محطمة هياكلهما وكاسرة صواريهما، ولقي كل من كان على ظهر السفينة «إزميرالدا» حتفهم، وكادت هذه المأساة البحرية، أن تظل طي الكتمان لولا أن تم وضع رسوم توضيحية لكلا السفينتين، في كتاب تأريخي في البرتغال بعد ذلك. سيناريو السفينتين الغارقتين عرض قصةَ السفينتين الغارقتين للحضور في مسرح مركز نزوى الثقافي أيوب البوسعيدي أخصائي آثار بوزارة التراث والثقافة، مقدما عرضا مرئيا أمكن من خلاله عرض صور ضوئية للمكتشفات من بقايا كلا السفينتين اللتين عثر عليهما مؤخرا، وذلك في إطار فعاليات الاحتفاء باليوم العالمي للتراث. وتتواصل القصة المثيرة كما يسردها أخصائي الآثار أيوب: إن من بقي حيا من ركاب السفن البرتغالية الثلاث قاموا بدفن موتاهم، وأخذوا ما استطاعوا أخذه من حطام السفينتين، والإبحار إلى الهند بقيادة بحار يدعى «بيرو دي أتيداي» لملاقاة فرانسيسكو البوكيرك المتواجد في الهند، وتسليمه 17 قطعة من المدفعية، تم أخذها من موقع حطام السفينتين، ولاحقاً تعرض أتيدي للمرض وتوفي في عام 1504م، بعد تعرض سفينته للتحطم على سواحل جزيرة موزمبيق خلال رحلة عودته للبرتغال، وقبل موته كتب «رسالة شخصية» من خمس صفحات، وجهها إلى ملك البرتغال دوم مانويل، يسرد فيها أحداث غرق السفينتين، وتعتبر هذه الرسالة المحفوظة حالياً في الأرشيف الوطني البرتغالي «تورو دي تمبو» في لشبونة، المخطوطة الوحيدة التي تصف ما حدث لفرقة الأخوين سودري بشكل كامل، وهذه المخطوطة هي جوهر البحث التاريخي الذي استند عليه مشروع البحث عن السفينتين، حيث جرت العادة في أغلب مشاريع التنقيب عن السفن الغارقة اكتشاف السفينة أولاً، ومن ثم البحث في التاريخ عنها، ولكن في هذا المشروع فإن الوثيقة التاريخية هي ما استُند عليه للبحث عن السفينتين. الحلانية موقع الغرق والحطام تعتبر جزيرة الحلانية أكبر جزر الحلانيات (تعرف سابقاً بجزر كوريا موريا)، والمكونة من خمس جزر، تبعد مسافة 40 كيلومترا عن سواحل محافظة ظفار، وهي أيضاً الوحيدة المأهولة بالسكان، ويمكن الوصول إلى الجزيرة بواسطة القوارب والطائرات، وقريبا من هذه الجزيرة من جهة شمال الشرق، يوجد خليج «غبة الراهب» الذي يعتبر مرسى طبيعيا للسفن، حيث تم اكتشاف عدد من المراسي الحجرية، يمتد هذا الخليج مسافة تقترب من 4 كم، من رأس الحلانية إلى رأس الصير، وهو يمثل موقعا طبيعيا للاحتماء من الرياح من الجنوب والشرق والشمال الغربي، ولكنه مفتوح للرياح الشمالية التي أدت إلى غرق السفينتين. تتواصل القصة بعد ذلك بأن تم إجراء مسح بحري عالي الدقة في منطقة المراسي قريبا من الحلانيات، بمساحة كيلو مترين ونصف مربعا، بدأ المسح في عام 2013م لتوثيق التغيرات التي تدل على وجود مقتنيات أثرية، باستخدام السونار وجهاز قياس المغناطيسية، وجهاز تحديد المواقع وغيرها، ومن خلال هذا المسح الجيوفيزيائي تم تحديد موقع بقايا حطام السفن البرتغالية في المياه الضحلة لخليج «غبة الراهب»، ومن خلال قراءة الملاحظات والاكتشافات فإن السيناريو المحتمل لحادثة تحطم السفينتين، هو أنه بعد انقطاع مراسي السفينتين اندفعتا باتجاه الشاطئ، مع احتمالية تموضع إحداهما في ثغر أحد الأخاديد بالموقع، ونظراً لارتفاع الموج وانكساره على الشاطئ، فقد تعرض بدن هذه السفينة للتحطم على صخور الأخاديد، على عمق متر إلى مترين قبل اندفاعها إلى الشاطئ، وعند استقرارها كانت تحت رحمة أمواج البحر، وكان مصيرها أن تحطمت إلى أجزاء، مع أمل ضئيل بنجاة من كان على متنها. كيف تم الاكتشاف؟ يسرد أخصائي الآثار أيوب البوسعيدي للحضور تفاصيل قصة الاكتشاف، بتنظيم وزارة التراث والثقافة برنامج علمي لدراسة الآثار المغمورة بالمياه في السلطنة؛ وفي أبريل من عام 2013م تم الاتفاق بين الوزارة وشركة بلوووترز ريكفوريز البريطانية على إدارة وتنفيذ هذا المشروع، مع مراعاة القوانين والقواعد الدولية الخاصة بحماية الآثار المغمورة بالمياه. تزامن اكتشاف موقع حطام السفينتين مع الاحتفال بمرور 500 عام على وصول فاسكو دي جاما إلى الهند، استند هذا الاكتشاف على البحث والتحليل في الأرشيف التاريخي عن سفنتي سودري المفقودتين، وقامت الشركة المعنية بتنظيم بعثة ثانية في ذلك العام لوضع خارطة لموقع غرق السفينة، والغوص التجريبي لمعرفة العمق الذي توجد عنده الآثار المدفونة. وبدعم من البحرية السلطانية العمانية وعلى متن السفينة «المناصر» تم تنفيذ بعثة الاستكشاف خلال شهري نوفمبر وديسمبر من عام 2015م، للتنقيب في موقع الحطام، والتأكد من استرداد جميع القطع الأثرية، حيث تم العثور على 809 من القطع الأثرية في السفينتين. حصر 2800 قطعة أثرية وبعد تجميع ما تم العثور عليه تم حصر 2800 قطعة أثرية، سوف تخضع جميعها لدراسات مفصلة وتقييمها، من قبل مجموعة من علماء الآثار والخبراء، ومن أهم القطع المكتشفة؛ قرص من النحاس، عليه شعار النبالة الملكي البرتغالي، الذي كان شعارا شخصيا من الملك دوم مانويل الأول، وجرس برونزي مع نقش يدل على أن تاريخ بناء السفينة كان في 1498م، وعملات معدنية ذهبية تسمى «كروزايدو»، سُكّت في لشبونة بين عامي 1495 و1501م، وعملة فضية نادرة للغاية تسمى «إنديو»، سُكّت بتكليف من الملك دوم مانويل في عام 1499م خصيصاَ للتجارة مع الهند، وتأتي أهميتها بصفتها عملة دوم مانويل المفقودة.