عبد الله العليان -
تعاني امتنا من العديد من المشكلات ، التي تعاني منها الكثير من دول العالم اليوم، والتي تقود بعض الشباب إلى التطرف والتكفير، وفي مقدمتها قضية التعصب الديني والفكري، الذي أصبح ظاهرة تؤرق الكثير من مجتمعاتنا العربية، وتؤسس لخطر الطائفية البغيضة، ولا شك أن التعصب له الكثير من الآثار الوخيمة التي تسهم في إيجاد الذرائع التي تفتح الباب للتوترات الدينية والفكرية،والإشكالية أن هذا التعصب المقيت، لا يرى تعدد الرؤى والأفكار المختلفة التي جاءت على يد علماء العصر الأول في القبول بسماحة الإسلام وقبوله للاختلاف والتعدد في الاجتهادات، كونها سنة كونية إلهية، بل إن هذا التعصب لا يرى إلا ما يراه هو الحق دون سواه، وهذا ما تعانيه الأمة الآن من توترات وصراعات،ومن الأزمات الراهنة الناتجة عنه ،بروز الإرهاب كظاهرة تشكل خطراً على الاستقرار والنماء، صحيح أن التطرف والعنف، ليس له سبب واحد موحد، لكن بحسب ظهوره وانتشاره له خلفيات متعددة، كما أشرنا في مقالات سابقة، فهناك أسباب عديدة لهذه الظاهرة ، ومنها الأسباب الفكرية الناتجة عن التعصب، لكن يظل التعصب ربما أحد أهم دواعي هذا التطرف، لان التعصب للرأي يجعله محتقناً وناقماً للأفكار الأخرى المختلفة عن تصوراته الفكرية كما قراها أو سمع عنها، فإن هذا الفكر يحتاج إلى مواجهة فكرية أيضاً،ربما تكون أقوى من الجانب العسكري. فالجانب العسكري لا يكفي وحده للقضاء على الفكر المتطرف الناتج عن التعصب الأعمى، فطالما هذه الأفكار تستنسخ من بيئات أخرى، فإنها تحتاج إلى مواجهة فكرية، تقاوم نزعة هذا التطرف الفكري، وهذه تحتاج إلى صبر وأناة كبيرين ،حتى تتحقق الأهداف من هذه المواجهة الصعبة والمهمة، فالتعصب الفكري من أكبر المشكلات الاجتماعية التي تواجه العديد من المجتمعات العربية، لكن التعاطي بالازدواجية في الكثير من القضايا ، أثمر الكثير من الكراهية غير المبررة في بعض الأحيان ، ومنها التعصب والتطرف والتكفير، الذي تسبب الكثير من المشكلات الإنسانية عموماً، لذلك فإن أفضل الخطوات لوقف هذا التعصب واستئصاله ، هو البحث الجاد عن أسبابه وإيجاد المخارج الفكرية والعقلانية لتجفيف منابعه بالفكر الصحيح أولاً ، ثم بالتعاطي العادل مع مسبباته بالأسلوب المناسب الذي ينهي جذوره الدينية.
والإشكالية في بروز التعصب في بعض المجتمعات الإسلامية في عصرنا الراهن، تؤرق العديد من مجتمعاتنا العربية، كما يرى الشيخ محمد الغزالي رحمه الله ، إن الخلافات الجزئية في أمور الدين « واقع لا بد منه ، وتجاوزها لما هو أهم منها واقع لا بد منه كذلك!ولم أر ناساً حبستهم الجزئيات وغلبتهم على رشدهم مثل صرعى التعصب المذهبي عندنا، وأظن السبب في ذلك أسلوب تعليم العوام . إن المدرس يقول في ثقة : حكم الله كذا في هذه القضية ، رأي الدين كذا في ذلك الموضوع ..فيظن المستمع أنّ ما سمع هو حكم الله ورسوله . وما ينبغي أن يذكر بهذا الجزم إلا ما قطع ، أما الاجتهادات المذهبية فينبغي أن يقول من يتصدر للاجتهاد أرى كذا أو الحكم عندنا كذا أو صح الدليل لدينا بكذا ، ويترك مجالاً للرأي الآخر ، فلا يحرمه من الانتماء إلى الإسلام». كما ان الحوار الفكري في كل المجتمعات ، بما يؤسس لفتح آفاق النقاش في قضايا يختلف حولها المفكرون، وهي بالأساس قضايا فرعية اجتهادية ليست في أصل الدين، وهذا الحوار الفكري ،يلعب دوراً إيجابيّاً في التغلب على العنف والتطرف والتعصب، لأنه يسهم في إلغاء الاحتقان داخل المجتمعات التي يبرز هذا التعصب والتطرف، ويعمل على انسيابية الحوار الايجابي، وهو بذلك يفتح الانسداد المغلق على الفكر الأحادي عند البعض ،تجاه الأفكار التي تقبل النقاش والحوار، ثم تنفتح آفاق التعدد والتنوع والتسامح في القضايا الفكرية. وبهذه الخطوات تأتي ثمرات هذا التوجه، ولنضرب أمثلة على ذلك ما جرى في مصر منذ عقد ونصف، عندما جرت حوارات ومراجعات ، لبعض التنظيمات السياسية والدينية حيث أعلنوا عن خطأ منهجهم الفكري في العنف والتغيير بالقوة المسلحة ونشروا هذه المراجعات في كتب، وهذا لم يتم إلا بالحوار بينهم وبين بعض العلماء، وبين بعضهم البعض ، فالحوار بشكل عام يفتح آفاق المعرفة ويكشف الآراء المغلوطة، والحوار الفكري عموماً يسهم إسهاماً إيجابياً في مراجعة المرء لفكره ومنهجه التي اعتنقها، لكن حين تقمع الآراء ، كما يقول الباحث محمد محفوظ، وتمارس القوة التعسفية لتغيير الأفكار وإقصائها، فالرد الطبيعي على ذلك أن «حالات العنف والتعصب تنمو في المجتمع، حيث يدخل الجميع في دوامة العنف والتعصب، بحيث تشمل جميع دوائر السياسة والثقافة والاجتماع.. فـ «حين يتعثر مولد الرأي لا يبقى إلا الاعتراض، والاعتراض بدوره محكوم عليه منذ البداية أن يكون صراعاً حدياً، ولا سبيل أمامه إلا أن يغتصب ذات أدوات الصراع المباشرة التي تمتلكها السلطة، وبذلك لا تكون سياسة في ظل الحراب، حراب الدولة وحراب المعترضين». وهذا يتم للأسف في غياب الفكر الإسلامي الصحيح، وقد أتاح ذلك للفكر التكفيري أن يتغلغل في أوساط هؤلاء الشباب القليلي الوعي والفهم للرأي الإسلامي الصحيح، لكن البعض يرى أن مشكلة ظهور التطرف في الغرب،ليس سببه القمع والاستبداد والمظالم، كما يحصل في بعض دول الشرق الأوسط الذي انتشر فيه التطرف على نطاق واسع، فالوقاية من وباء التعصب الذي يقود للتطرف مهمة وضرورية في مجالات عدة، لعل أهمها الإعلام والتربية،التي تجعل الفرد المسلم أكثر تمسكا بتعاليم هذا الدين القويم، وفي الوقت نفسه أكثر استجابة لروح العصر،وهو التوازن الذي يريده الإسلام في هذا العصر، فيما نأخذ وفيما ندع.