أحمد بن سالم الفلاحي - shialoom@gmail.com -
أكثر من مرة تطرح؛ عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ قضية أسرة فقدت معيلها لسبب أو لآخر، وتراكمت عليها الديون، حتى اقتربت من عجزها أن تسدد فواتير الكهرباء والماء، أو تقطع عنها الخدمة، والذي يحدث أن ترسل فواتيرها عبر هذه الوسائل، وما هي إلا يوم أو يومين، إلا وقد دفعت هذه المستحقات عبر تطبيقات الـ "كهرباء والمياه" وقد تابعت بنفسي حالة عبر هذه الإجراءات، وما أرى إلا الأرقام تتناقص، وكأنني أمام شاشة تلفاز، حتى أصبح الرصيد المتبقي من المبلغ مجموعة أصفار. فهل هناك أكثر سخاء من هذا الشعب الطيب، الذي يتنافس فيه أفراده على فعل الخير، بهذه الطريقة الرائعة، المشمولة بالستر، والرضى، والأمانة، والصدق؟ هذا بخلاف ما تعلن عنه الجمعيات الخيرية؛ المرخصة رسميا؛ في كل عام، عن المبالغ المتحصلة من التبرعات الخيرية التي يقدم عليها الأفراد، وهي المسخرة للحالات الكثيرة المستحقة على امتداد الوطن العزيز. هؤلاء الباذلون؛ كلهم؛ لا يتمثلون في مظهر من مظاهر الرفاه، ولا أحد يعرف عن قصورهم، وسياراتهم الفارهة، وأرصدتهم المليونية، ولا يتصدرون نشرات الأخبار عبر أجهزة التلفاز، هؤلاء هم الذين إذا أنفقوا لم تعرف شمالهم ما أنفقت يمينهم، هؤلاء هم المتسترون خلف نواياهم الأمينة، وأنفسهم الصادقة، ومحتبهم الواهبة نفسها لحياة آخرين؛ ظنوا أنهم قد أحيط بهم؛ فإذا الأيادي تنتشلهم من الضياع، ومن الفقر، ومن المهانة، ومن المذلة، وتعيدهم إلى دروبهم السوية، وكأن شيئا من "ذلة الحاجة" لم يقرع أبوابهم (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم، لا يسألون الناس إلحافا) – جزء من الآية (73) من سورة البقرة -. هذا العطاء اللا محدود الذي يبذله كثير من أبناء المجتمع، لا شك؛ أنه يؤرخ مرحلة مهمة من حياة هذا الشعب الكرم، ومن يقف على بعض هذه الصور الرائعة من قبل القائمين على هذه المشروعات الخيرية، تظهر الصورة غير مغلفة بمظهر غنى أو ترف، وإنما هم أناس تظهر البساطة عليهم أكثر ما تظهر، ويظهر التواضع عليهم أكثر ما يظهر، ويظهر العفاف عليهم أكثر ما يظهر، ويظهر الرضا عليهم أكثر ما يظهر، لا يطمحون إلى مكانة، ولا إلى سمعة، ولا إلى شهرة، هم يندسون شوقا إلى لقاء ربهم، ولذا تسري عطاياهم، وسخاؤهم كسريان النور بين أشجار الغابات، وبما أن هكذا شعب ديدنه، وسمو خلقه، فلا خوف عليه في حاضره، ولا من بعده. وانعكاسا لهذا المظلة الخيرية الرائعة، بدأنا نقرأ اليوم عن مشروعات خيرية كبيرة كالمحلات التجارية التي تسوق أنواعا مختلفة من البضائع، بأسعار تنافسية، يعود ريعها إلى الصناديق الخيرية في مختلف الولايات، فبالأمس القريب قرأنا عن افتتاح مثل هذا المشروع في ولاية القابل بمحافظة شمال الشرقية، واليوم نقرأ عن آخر مماثل في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، وهكذا تتناسل مثل هذه المشروعات في مختلف الولايات؛ بإذن الله؛ فهمم الشباب الطامحين إلى مرضاة الله عالية سامية، والخير آت بفضل الله. وأختم هنا بقصة المثل الذي حمله جزء العنوان: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" فكما هي الرواية – حسب (https://www.almrsal.com) – أن المعيدي هو أحد كرماء العرب، اشتهر بسخائه وحكمته، ذاع صيته وتناقلت الألسن أخباره، فأراد أحد الحكام في زمانه لقاءه، فأرسل إليه، فما أن حضر المعيدي، تفاجأ الحاكم من شكله، فهو بسيط الثياب، دميم الوجه، فضحك الحاكم وقال: "تسمع عن المعيدي خيرا من أن تراه" يعني أن سيرته بين الناس أفضل من شكله وهيئته، فحزن المعيدي لكلام الخليفة، فرد عليه: "يا مولاي إن الرجال ليسوا بقرا ولا غنما كي تنظر إلى وجوههم وأجسامهم، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه" فأعجب الحاكم لفصاحته، وعينه في حاشيته" – بتصرف -.