إدريس باحامد القراري -
وصل بنا الحديث إلى القطعة الأخيرة من موسوعة اللباب وهي القطعة الرابعة على الصحيح، وتحوي خزائن مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي ثلاث نسخ منها وكلها غير مكتملة، النسخة الأولى برقم: (701)، وهذه النسخة في الحقيقة تعتبر أكبر نسخة من حيث الحجم في موسوعة لباب الآثار، مقاسها 38 سم طولا، و26.5 عرضا، عدد الأسطر في كل صفحة 32 سطرا، مكتوبة بخط النسخ المشرقي الواضح، ولون الحبر الأسود والأحمر كما هو عادة النساخ، ورقها بني اللون ممتاز لا يشكو من آثار، على خلاف كثير من النسخ، نسخ هذه القطعة الشيخ عامر بن صالح بن سعيد العبادي، وذلك يوم 3 رجب الأصم سنة 1313هـ، وتعتبر هذه القطعة أكمل قطعة من هذا الجزء، لأنها تحوي أبواب القطعة الرابعة كلها، وقد قسم الناسخ الكتاب إلى قسمين، وضمّهما في جلد واحد، لذا نلاحظ أن عدد الصفحات كبير جدا يصل إلى 700 صفحة تقريبا، وعدم جزمي بعدد الصفحات لكون المخطوط غير مرقم، ما يميز هذه القطعة من اللباب إثبات التأليف للشيخ الصايغي، فمما جاء في مقدمة الكتاب: «...تأليف الشيخ الفقيه العالم سالم بن سعيد الصايغي المنحي نفع الله بعلومه المسلمين إنه كريم مجيب»، تحوي هذه القطعة مواضيع مهمَّة جدًّا ضمتها أبواب الموسوعة فنجد في هذه القطعة الحديث عن باب النكاح وكل ما يتعلق به من أحكام، والحديث عن الرضاع وما يتعلق به من تفاصيل لا يستغني عنها مريد المعرفة، والحديث عن باب معاشرة الأزواج والنفقة والحديث عن العدد وما يتعلق بذلك من أحكام، إضافة إلى أبواب مهمة في الحيض والنفاس وأبواب المماليك مرورا بباب أحكام الغائب والمفقود ثم باب اليتامى والقيام بأموالهم وأحكام الصم والعميان والخنثى والمجذومين وغيرهم من فاقدي العقل، ليخصص الناسخ القطعة القانية من هذه القطعة عن الحديث في أبواب الإقرارات وأقسامها وألفاظها، ثم باب الوصايا بكل متعلقاته، ليخص بابا كاملا في الدماء وأحكامها، ثم باب الحدود وتفاصيلها وبيان أحكامها، ثم باب الجبابرة وما عليهم وما يجب نحوهم، وجاءت كل هذه الأبواب غزيرة المحتوى رصينة العبارة، دقيقة المعلومة، لا يجد المتعلم أو العالم صعوبة في فهم المحتوى، إلا ما ندر من بعض المصطلحات العلمية التي تحتاج إلى تروٍّ قبل بيان معانيها، والجميل في هذه الأبواب أنها حصرت كثيرا من الأحكام التي يغفل عنها الكثير من الممارسين لبعض السلطات خاصة ما يتعلق بأبواب الوصايا، وأبواب الإقرارات، وأبواب الحقوق وغيرها، لذا جاءت هذه الموسوعة في هذه القطعة القيمة لتميط اللثام عن بعض المسائل المهمة، والأبواب التي ينبغي معرفتها من جانب العالم والمتعلم وتبسيط ما فيها من كنوز ليشع نور هذه المعلومات تطبيقا في أرض الواقع حتى لا تهضم الحقوق وتضيع الواجبات في ظل عدم المعرفة، أو الجهل بما أوجبه الله تعالى من أحكام وردت في القرآن أو السنة أو على ألسنة الفقهاء المتمكنين، ورد في هذه القطعة ذكر أسماء كثيرة لعلماء من قرون هجرية متقدمة وأخرى متأخرة، منهم: الشيخ صالح بن وضّاح، والشيخ أبو سعيد الكدمي، والشيخ خميس بن سعيد، والشيخ حبيب بن سالم، والشيخ جاعد بن خميس الخروصي، والشيخ ناصر بن جاعد، والشيخ الزاملي، والشيخ محمد بن عبد الله بن مداد، والشيخ مسعود بن رمضان وغيرهم من المشايخ الذين أثروا الساحة الفقهية العمانية فكان لهم بصمة حاضرة في المنظومة الفقهية، تأكيدا وتجديدا وتحقيقا، فحق لهذا الكتاب الموسوم بلباب الآثار أن يكون موسوعة فقهية عمانية بكل جدارة، على الباحثين الغوص في بحور أبوابها واستجلاء درر المعارف منها، وتبسيط ما يحتاج إلى تبسيط، وشرح ما يحتاج إلى شرح ليعم نفعها، ويشيع نورها، وينتشر نورها مزيحا غطاء الجهل والأمية فيما يتعلق بكثير من مسائل الخلاف، وعلى ذكر مسائل الخلاف فإن هذه الموسوعة الفقهية جاءت لتعلم الفقيه و المتعلم على السواء فنّ التعامل مع المخالف في الرأي، وذلك بعرض الحجة والدليل وقبول الاختلاف فيما تسنت فيه الفرصة وعذر من التزم رأيا ولو في إطار المذهب الواحد، ناهيك عن مختلف المذاهب الإسلامية، وهذه ميزة تميّزت بها مصنفات المدرسة الإباضية السابق ذكرها واللاحق بحول الله تعالى، الأمر الذي يجعل الغاية من الاختلاف تنوع المعلومة لا تضادها، وما أجمل أن تجد بعض المشايخ يقولون بعد سرد الخلاف، وعندي أن هذه المسألة حكمها كذا وكذا، أو وأنا أقول بهذا احتياطا في دلالة واضحة على احترام رأي المخالف، وما أحوج الأمة الإسلامية إلى مراعاة الخلاف وفهم أساسياته وقواعده وتجسيدها واقعا معيشا، وهذا لا يتأتى إلا إذا ارتوت أمثال هذه الموسوعات والمؤلفات الفقهية بماء الوعي والتسامح والمعرفة والتعارف والاعتراف، وهو ما نجده حاضرا وبكل قوة في هذه الموسوعة الفقهية العمانية المهمة.
النسخة الثانية من القطعة الرابعة برقم: (545)؛ جاءت هذه القطعة في الحقيقة جزءا من القطعة الرابعة السالف ذكرها، ذلك أن الأبواب غير مكتملة إلا أن كثيرا من الأبواب المذكورة في النسخة ماضية ذكرت في هذه النسخة، مع خرم واضح في الأول والأخير، والجدير بالذكر أن الوصف المادي لهذه النسخة يختلف عن النسخة السابقة لكون هذه النسخة أصغر حجما من سابقتها، فقد جاء مقاس صفحاتها 32 سم طولا و22 سك عرضا، تحمل كل صفحة 26 سطرا، كتبت بخط نسخ مشرقي ممتاز أروع من النسخة السابقة، واستعمل الناسخ اللون الأسود والبنفسجي على خلاف عادة النساخ في استعمال اللون الأسود والأحمر، كما أن ورق هذه النسخة أبيض ثخين تظهر عليه علامة مائية في الصفحة الأولى منه. لا أثر للتقييدات في هذه النسخة.
النسخة الثالثة من القطعة الرابعة: برقم: (542)؛ تختلف هذه النسخة من حيث الوصف المادي عن النسخة السابقة في لون الورق وعدد الأسطر فقد جاء لون الورق في هذه النسخة من هذه القطعة بني اللون، وتحمل كل صفحة ما يقارب 24 سطرًا، إلا أن ما يميز هذه النسخة عن السابقة وجود اسم الناسخ وتاريخ النسخ إلا أن الأمر يحتاج إلى إمعان نظر فقد جاء قبل الصفحات الأخيرة ما نصُّه: «من محبّك حبيب بن سالم بن سعيد أمبوسعيدي النزوي ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم تمت المسائل بعون الله وحسن توفيقه والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، وذلك يوم الأربعاء 17 من شهر رمضان وكتبه الفقير لله تعالى...نقلته كما وجدته من مسائل وجوابات وتأريخ والله تعالى أولى بالعذر مما نسيته أو حرّفته أو أخطأت فيه أوزدته أونقصته عمدا إنه ولي بعباده، بقلم حمد بن خلفان بن سالم الهاشمي بيده. لنقرأ بعد ذلك وفي الصفحة الأخيرة ما يلي: «تمّ هذا نهار 18 رمضان من سنة 1318، كتبه حمد بن خلفان بن سالم الهاشمي بيده». والجدير بالذكر أن الصفحات الأخيرة من هذه النسخة متهالكة جدا تحتاج إلى ترميم عاجل.