السياسة الدولية في عام 2025 هيمنت عليها عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكن الرئيس الأمريكي أطلق عاصفة من الأخبار؛ بحيث يصعب تذكر كل شيء حدث أو تحديد مدى أهميته؛ لذلك إذا ألقينا نظرة على هذا العام الراحل فما الأحداث التي سنجدها مهمة حقا؟
الخطاب الذي ألقاه نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس في مؤتمر ميونخ للأمن في 14 فبراير أحدث شرخًا عميقًا في التحالف الغربي. جدال فانس بأن نزعاتٍ مزعومة تعادي الديمقراطية في بلدان مثل بريطانيا وألمانيا مهدد أكبر للحرية في أوروبا من روسيا أغضبت الحضور.
وفي يوم 28 فبراير لعب نائب الرئيس الأمريكي دورًا مركزيًا في مواجهة متلفزة مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي. وبَّخ فانس الزعيم الأوكراني على «نكران جميل» مزعوم، كما اتهمه دونالد ترامب «بالمقامرة بحرب عالمية ثالثة». أثارت المحادثة على الفور المخاوف من أن الولايات المتحدة تستعد للتخلي عن أوكرانيا والوقوف إلى جانب روسيا.
وعلى الرغم من أن القادة الأوروبيين استطاعوا المساعدة في إصلاح العلاقة بين الولايات المتحدة وزيلينسكي، إلا أن إدارة ترامب أنهت فعليا الدعم المالي والعسكري المباشر لأوكرانيا.
أية إيحاءات بأن خطاب فانس أو حادثة المكتب البيضاوي ربما كانت انحرافًا غريبًا عن المألوف دحضها في نهاية العام إصدارُ استراتيجية الأمن القومي الجديدة للولايات المتحدة التي أشارت إلى أن الهجرة الجماعية عرَّضت أوروبا لمخاطر «المحو الحضاري»، ودعت أمريكا لدعم الأحزاب التي ترفع راية الوطن (أحزاب أقصى اليمين) في أوروبا.
«يوم الحرية» في 2 أبريل كان اليوم الذي كشف فيه ترامب عن فرض رسوم جمركية ضخمة على العالم كله تقريبا بما في ذلك بعض الجزر غير المأهولة.
وعلى الرغم من أن الرسوم عُدِّلت لاحقا بعد ردود الفعل السلبية من أسواق السندات، إلا أنها أوضحت بجلاء نيَّة إدارة ترامب القضاء على النظام التجاري العالمي الذي ورثته. وأي إيحاء بأن السياسة التجارية للولايات المتحدة تستهدف قبل كل شيء عزل الصين تم استبعاده مع فرض أمريكا رسومها الجمركية على الأصدقاء والأعداء على السواء.
لم تكن حرب الأيام الأربعة بين الهند وباكستان في مايو مناوشاتٍ حدودية؛ فكلا البلدين نفذا ضربات ضد بعضهما البعض في عمق أراضيهما ما أثار المخاوف مما يمكن أن يحدث في المرة القادمة إذا اصطدمت هاتان الجارتان المسلحتان نوويا.
ما أعقب النزاع ساهم في توتر العلاقات بين إدارة ترامب ونيودلهي، ويعود ذلك أساسا إلى رفض حكومة الهند بعكس حكومة باكستان تأييد دعوى ترامب بأنه أنهى الحرب (وبالتالي استحق جائزة نوبل للسلام.)
بقصفها إيران في يونيو نفذت إسرائيل أخيرا تهديداتها التي ظلت تطلقها لعدة سنوات بمهاجمة البرنامج النووي لإيران. في البداية وقفت الولايات المتحدة جانبا ولم تحرك ساكنا، لكن النجاح المبكر لإسرائيل، وانعدام رد إيراني فعال شجعا ترامب على توجيه قاذفات القنابل الأمريكية بضرب ثلاثة مواقع نووية.
وزعم الرئيس الأمريكي لاحقا القضاء التام على برنامج إيران النووي، لكن خبراء عديدين يشكّون في ذلك.
كان تنفيذ المرحلة الأولى لخطة سلام غزة في 10 أكتوبر محاولة لإغلاق ملف الحرب التي بدأت بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. تسببت الحرب فيما يقدر بحوالي 70 ألف وفاة في غزة، وأثارت رد فعل عالمي غاضبا ضد إسرائيل. وبنهاية العام تزايدت الشكوك حول تطبيق الاتفاق مع عدم وجود مؤشر يذكر على أن حماس كانت مستعدة لحل نفسها، أو أن قوة حفظ السلام العالمية ستُنشر حقا في غزة حسب تصوّر الخطة.
شكل الاجتماع الذي انعقد بين ترامب وشي جينبينج في كوريا الجنوبية يوم 30 أكتوبر تهدئة للتصعيد في الحرب التجارية الأمريكية الصينية. لكن الأهمية الحقيقية للاتفاق كانت إجبار الولايات المتحدة على خفض رسومها الجمركية؛ بفضل هيمنة الصين على الإمداد العالمي للعناصر النادرة والمعادن الحيوية والتي تشكل مدخلات حاسمة في أهميتها للصناعة الغربية. اتضاح أهمية ورقة العناصر النادرة وأنها يمكن اللعب بها مرة أخرى وفي أي وقت منح الصين ميزة مؤثرة في التنافس الصيني الأمريكي.
ليست كل الأشياء المهمة التي حدثت في عام 2025 لها صلة بترامب. على الأقل ليس بشكل مباشر؛ فاعتقال رودريجو دوتيرتي الرئيس السابق للفلبين في مارس وسجن جايير بولسونارو الرئيس السابق للبرازيل في أواخر نوفمبر بَيَّنا عمليا أن الساسة الأقوياء الذين تولوا الحكم يمكن محاسبتهم على أعمالهم.
لقد كان النظام القانوني للبرازيل قويًا بما يكفي لسجن رئيس سابق لتشجيعه محاولة انقلابية. وتسليم دوتيرتي إلى لاهاي لمحاكمته على جرائم ضد الإنسانية ارتكبت أثناء «الحرب على المخدرات» أثبت أن المحكمة الجنائية الدولية ما تزال لديها أسنان.
الإفراج الجزئي عن ملفات وكالة التحقيقات الفيدرالية الأمريكية في قضية جيفري إبستين في ديسمبر أنهى العام بشكل سيئ لترامب. لقد صارع رئيس الولايات المتحدة بشدة لمنع الإفراج عن الملفات قبل أن يفرض الكونجرس نشرها، وقاد ورود اسمه في الوثائق إلى جانب كثرة تنقيحاتها إلى شيوع اتهاماتٍ بالتستر ما سيضمن استمرار الضجة حول هذه الفضيحة في عام 2026؛ فهل ستكون «ووترجيت» ترامب؟
جدعون راكمان كبير معلقي الشئون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز