يهل علينا غدا العام الميلادي الجديد ٢٠٢٦ واقتراب مرور ست سنوات على تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ مقاليد الحكم في بلادنا العزيزة؛ حيث يترقب الشعب العماني يوم الحادي عشر من شهر يناير من العام الجديد وسط إنجازات كبيرة على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهناك أيضا تطلعات تسعي لها القيادة الحكيمة بكل جد واجتهاد وخطط تنموية ووفق رؤية طموحة وهي «رؤية عمان 2040».
من أبرز أحداث العام الجديد في يومه الأول إصدار المرسوم السلطاني رقم ١ وهو اعتماد الميزانية العامة للدولة وسط ترقب كبير؛ حيث إن الموازنات العامة للدول تعطي مؤشرات اقتصادية واجتماعية، وأيضا تحرك الأسواق من خلال ضخ الموازنات الخاصة بالمشاريع التنموية في المحافظات.
كما أن اليوم الأول من العام الجديد سوف يشهد انطلاق الخطة الخمسية الحادية عشرة، وهي تعد جزءًا أصيلًا من «رؤية عمان 2040»؛ حيث تمثل الربع الثاني من الرؤية، وهي خطة خمسية طموحة تشكل منعطفا كبيرا على صعيد التنويع الاقتصادي من خلال القطاعات المستهدفة، خاصة السياحة، والقطاع اللوجستي، والصناعات التحويلية والأسماك، والثروة الزراعية، والتعدين وغيرها من القطاعات الحيوية، كالطاقة المتجددة التي تعد من المشاريع الحيوية في سلطنة عمان.
العام الجديد يحمل معه طموحات وتوقعات على صعيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهما جناحا التنمية لأي بلد يريد أن يصل إلى أهدافه الوطنية، وهو الأمر الذي انعكس في الفكر السامي لجلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ؛ حيث نشهد التركيز وبذل الجهود الكبيرة على الملف الاقتصادي حتى يتحقق الرفاه الاجتماعي.
وهذه معادلة ليست سهلة، ولكنها ثمرة طموح وإصرار وتخطيط بدأ مع تسلم جلالته مقاليد الحكم؛ حيث كانت تحديات المرحلة كبيرة وشاقة، ومع ذلك نجحت القيادة السياسية خلال سنوات النهضة المتجددة أن تسجل مؤشرات لافتة على صعيد خفض الدين العام للدولة إلى ما يقارب النصف علاوة على تحقيق تصنيف الجدارة الاستثمارية من قبل وكالات التصنيف الدولية، وإطلاق صندوق الحماية الاجتماعية الذي تستفيد منه أعداد كبيرة من الأسر ذات الدخل المحدود، وكبار السن، والأطفال، والأيتام، وذوي الإعاقة وغيرهم من شرائح المجتمع.
على صعيد التنمية المستدامة تتواصل المشاريع الأساسية خاصة في مجالي الصحة والتعليم والطرق. وكما تمت الإشارة فإن انطلاق الخطة الخمسية الحادية عشرة التي سوف تتواصل على مدى خمس سنوات حتى عام ٢٠٣٠ سوف يكون لها انعكاس إيجابي على محافظات سلطنة عمان التي تشهد حركة تنموية متواصلة وخططا واضحة.
ولعل من أبرز إنجازات نهضة سلطنة عمان المتجددة صدور عشرات القوانين والتشريعات والتي تشكل منظومة حيوية على صعيد إيجاد مناخ مستقر للاستثمار، وتنظيم القطاعات الأخرى بسياج قانوني وتشريعي يتماشى والمرحلة المتسارعة من النمو والتحديث.
ولعل إشادة جلالة السلطان المعظم بمجلس عمان خلال لقائه مع أعضاء مكتبي مجلس الدولة والشورى تعطي دلالة على سرعة إنجاز مشروعات القوانين؛ كون مجلس عمان جزءا أصيلا يتكامل مع منظومة بناء الدولة.
إن العام الجديد يطل علينا وسط تحديات وتطلعات داخلية بدأت ملامحها في الظهور خاصة على الصعيد الاقتصادي؛ حيث بذل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ جهودا كبيرة في الخروج بالاقتصاد العماني من عنق الزجاجة، وهذا ما حدث خلال السنوات الأولى لنهضة سلطنة عمان المتجددة، والمؤشرات الدولية والتصنيف الدولي والأرقام هي المقياس في الحكم على تلك التطورات الاقتصادية الإيجابية.
ومع انطلاق الخطة الخمسية الحادية عشرة تدخل بلادنا سلطنة عمان أجواء إيجابية ومحفزة في ظل وجود شراكات اقتصادية مهمة كان آخرها مع جمهورية الهند، وهي عملاق اقتصادي مهم.
وقد لعبت الزيارات السلطانية خلال السنوات الماضية دورا محوريا في تشكيل الفكر الاقتصادي الجديد الذي يقوم على الشراكات مع الدول الشقيقة والصديقة، وهناك ترقب للاتفاقية التجارية الشاملة بين الصين عملاق آسيا الأول والاقتصاد الثاني عالميا، وبين دول مجلس التعاون الخليجي. وهذه الاتفاقية سوف تشكل نقلة نوعية في مجال التجارة والاستثمار والتعاون في كل القطاعات الحيوية.
على صعيد أوضاع المنطقة والعالم يطل العام الجديد علينا وأوضاع المنطقة ليست على ما يرام؛ حيث تتواصل الحروب والصراعات. يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة رغم اعتماد وقف إطلاق النار.
ويعيش اليمن الشقيق أوضاعا صعبة ومعقدة فيما تواصل الدبلوماسية العمانية جهودها الكبيرة في التخفيف عن أبناء الشعب اليمني؛ حيث تم الاتفاق مؤخرا في مسقط على إطلاق اكثر من ٢٩٠٠ أسير من اليمنيين وآخرين ما شكل نجاحا دبلوماسيا تاريخيا لجهود جلالة السلطان المعظم في تحريك الملف اليمني إنسانيًا، وهي خطوة لاقت إشادات عربية وإقليمية ودولية.
وفي تصوري أن الأزمة اليمنية تحتاج إلى إرادة سياسية من الفرقاء في اليمن؛ لأن خطر التقسيم والانفصال سوف يشكل كارثة كبرى علي اليمن، ومن هنا فإن الأحداث في محافظتي حضرموت والمهرة تشكل خطرا كبيرا على وحدة الجمهورية اليمنية وسيادتها، والحفاظ على مواردها ومصالح شعبها.
وقد بذلت الدبلوماسية العمانية على مدى عقد من الزمن ومنذ اندلاع الحرب في اليمن عام ٢٠١٥ جهودا كبيرة مقدرة، واستطاعت وقف نزيف الحرب من خلال الهدنة عام ٢٠٢٢ علاوة على التسهيلات التي قدمت لأبناء الشعب اليمني؛ حيث ترتبط سلطنة عمان والجمهورية اليمنية بعلاقات تاريخية راسخة وجوار جغرافي وتداخل قبلي واجتماعي. ومن هنا يتطلع الجميع إلى حل الأزمة في اليمن والجلوس إلى طاولة الحوار من خلال خريطة السلام التي تؤدي إلى استقرار ووحدة اليمن وسلامة أراضيه.
يأتي العام الجديد والمشهد السياسي العالمي معقد؛ حيث لا تزال الحرب الروسية الأوكرانية تتواصل، ولها تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي وسوق الطاقة.
ومن هنا فإن الآمال كبيرة أن يكون عام ٢٠٢٦ عاما للسلام والاستقرار في العالم، وأيضا عاما مميزا على صعيد بلادنا سلطنة عمان لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار في ظل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه وسدد على طريق الخير خطاه -، إنه سميع مجيب الدعاء.