كان عام 2025 بمثابة اختبار للإصلاحات والسياسات المالية والاقتصادية التي انتهجتها سلطنة عُمان خلال الأعوام الخمسة الماضية، من حيث كفاءتها في تحقيق الاستقرار وقدرتها على التكيف مع بيئة اقتصادية عالمية تتسم بارتفاع مستويات عدم اليقين وتقلبات الأسواق. وأظهرت النتائج المتحققة أن هذه الإصلاحات نجحت في نقل عُمان إلى مرحلة ترسيخ الاستدامة الاقتصادية والاستقرار المالي.
فبالرغم من الضغوط التي واجهها الاقتصاد العالمي العام الفائت، تمكنت سلطنة عُمان من الحفاظ على زخم التنمية المستدامة، مستندة إلى إطار تخطيطي تمثّل في الخطة الخمسية العاشرة - المرحلة الأولى من «رؤية عُمان 2040». وتؤكد المؤشرات المسجلة خلال العام الأخير من الخطة أن جهود التنويع بدأت تؤتي ثمارها؛ حيث أصبح النمو مدفوعا بالقطاعات غير النفطية، ما انعكس إيجابا على استقرار الاقتصاد وتعزيز مرونته.
ويُعد استمرار تحسن التصنيف الائتماني أحد أهم المؤشرات على نجاح السياسات الاقتصادية والمالية، إذ يعكس ارتفاع ثقة المؤسسات الدولية في متانة المركز المالي للدولة، وكفاءة إدارتها للمالية العامة، وقدرتها على التعامل مع دورات أسعار النفط. كما أن مواصلة الاقتصاد مساره التصاعدي رغم خفض إنتاج النفط تؤكد أن مصادر النمو أكثر تنوعا، وأن الإصلاحات الهيكلية أسهمت في تقليص تأثر الاقتصاد بالتقلبات.
على صعيد السياسات المالية، اتجهت الحكومة إلى تعزيز الإنفاق العام مسجلا 8.9 مليار ريال عماني بنهاية الربع الثالث مقارنة مع 8.7 مليار ريال في الفترة نفسها من عام 2024، ما يجسد التوازن بين دعم النمو الاقتصادي والحفاظ على الانضباط المالي. فالزيادة في الإنفاق الاستثماري 31 بالمائة إلى 1.1 مليار ريال من شأنها أن تعطي دفعة جديدة لتسريع المشروعات الإنمائية وتطوير مختلف الخدمات، وترفع القدرة التنافسية للاقتصاد، وفي المقابل يسهم ضبط أوجه الإنفاق في الحد من انعكاسات تراجع أسعار النفط، ويؤكد فعالية إدارة المخاطر المالية.
ورغم تراجع الإيرادات العامة بنسبة 8% حتى نهاية الربع الثالث من 2025 إلى 8.5 مليار ريال، إلا إن ثمة جانبا مضيئا هو ارتفاع الإيرادات غير النفطية 2 بالمائة إلى 2.4 مليار ريال، ويترجم ذلك التقدم في مسار تنويع مصادر الدخل، ليتماشى مع مستهدف سلطنة عمان رفع هذه الإيرادات إلى ما يتجاوز 3.5 مليار ريال بنهاية العام في زيادة ملموسة عن مستوياتها في عام 2020. كما شكل إصدار قانون الضريبة على دخل الأفراد بموجب المرسوم السلطاني رقم (56 / 2025) خطوة هيكلية ضمن حزمة أدوات مالية طويلة الأجل تهدف إلى توسيع القاعدة الضريبية وتحقيق العدالة في توزيع العبء المالي، وسيبدأ تطبيقها عام 2028.
على نحو مماثل، يعكس الأداء الإيجابي للناتج المحلي التحسن في وتيرة النمو الحقيقي، فبنهاية الربع الثالث من العام الماضي سجل نموا بالأسعار الثابتة 2.2 بالمائة، وارتفع الناتج المحلي إلى 28.6 مليار ريال مقارنة مع 28.1 مليار ريال في الفترة نفسها من عام 2024. وجاء هذا النمو مدفوعا بالقطاعات غير النفطية، التي ارتفعت مساهمتها في الناتج المحلي 3.4% لتبلغ 21 مليار ريال، ويعد تحوّلا في هيكل الاقتصاد الوطني، أحد الأهداف الرئيسة لـ«رؤية عُمان 2040».
كما أن التطور المتواصل في بيئة الأعمال وارتفاع مستوى الجاذبية الاستثمارية للاقتصاد العُماني في ظل الاستقرار المالي وتحسن التصنيفات الائتمانية، أدى إلى زيادة تدفقات الاستثمار؛ حيث زاد الإجمالي التراكمي للاستثمار الأجنبي المباشر إلى 30.3 مليار ريال في النصف الأول من عام 2025 من 29 مليار ريال بنهاية العام الذي سبقه؛ ويعد هذا النوع من الاستثمار ذا أهمية كبيرة، لما يحمله من مكاسب لنقل المعرفة والتقنيات، وتعزيز الإنتاجية، ودعم فرص التشغيل.
في مجملها، أظهرت المؤشرات المالية الكلية استمرار التحسن في أوضاع المالية العامة، فقد تم الحفاظ على مستويات منخفضة للعجز المالي، وإبقاء الدين العام عند حدود آمنة. وبنهاية سبتمبر الماضي، سجل العجز المالي نحو 433 مليون ريال، وبلغ حجم الدين العام 14.7 مليار ريال بارتفاع محدود مقارنة مع مستوياته في الفترة نفسها من عام 2024. ويؤكد هذا الأداء التزام الحكومة بنهج الاستدامة المالية، وقدرتها على تحقيق توازن بين متطلبات النمو الاقتصادي والاستقرار المالي.
سلامة المسار الاقتصادي
خلال عام 2024 تمكنت سلطنة عمان من استعادة جودة تصنيفها الائتماني، وفي 2025 أكدت وكالات التصنيف الائتماني الدولية على تصنيف سلطنة عمان عند درجة الجدارة الاستثمارية، الأمر الذي يعكس الثقة في قوة المركز المالي للدولة وقدرتها على التعامل مع متغيرات وتقلبات النفط.
تأكيدا على سلامة المسار الاقتصادي، أشار صندوق النقد الدولي، في تقريره في ختام زيارته لسلطنة عمان خلال عام 2025 ضمن مشاورات المادة الرابعة، إلى أن زخم الإصلاحات الهيكلية الذي يحققه تنفيذ رؤية عُمان لا يزال قويا، ويدعم قدرة سلطنة عُمان على اجتياز البيئة الخارجية الصعبة والتعجيل بتنويع النشاط الاقتصادي. كما توقع الصندوق أن يواصل الاقتصاد توسعه، مدفوعا بالاستثمارات الجارية في قطاعات الخدمات اللوجستية والصناعة التحويلية والطاقة المتجددة والسياحة، وأن يشهد الاقتصاد وتيرة نمو أسرع على المدى المتوسط، بدعم من الإلغاء التدريجي لخفض إنتاج النفط بموجب التنسيق بين دول «أوبك بلس»، وقوة النمو في القطاعات غير النفطية.
مبادرات الاستدامة الاقتصادية
في سبيل ترسيخ الاستدامة الاقتصادية، تمثل المبادرات الموجهة لتمكين القطاع الخاص وزيادة دوره كمصدر رئيس لتوفير فرص العمل، نقلة في نموذج النمو الاقتصادي الناجح؛ حيث يركز دور الحكومة على توفير بيئة تنظيمية وتشريعية مواتية لأنشطة القطاع الخاص وتوسيع أدوات التمويل. ويهدف إطلاق سوق الشركات الواعدة ضمن البرنامج التحفيزي لتطوير سوق رأس المال إلى دمج الشركات العائلية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سوق رأس المال «بورصة مسقط»، بما يعزز حوكمة هذه الشركات وقدرتها على التوسع، ويفتح أمامها خيارات التمويل.
ما يستدعي الإشارة إليه هنا، الأداء الإيجابي لبورصة مسقط خلال عام 2025 الذي يعكس الثقة في السوق المالية، وفاعلية الإصلاحات الرامية إلى تعميق السوق وزيادة السيولة، إذ تخطى المؤشر الرئيسي لأول مرة في ثماني سنوات حاجز 6000 نقطة، وقفز متوسط التداول السنوي من 5 ملايين ريال خلال عام 2024 إلى 20 مليون ريال، وفي الأسبوع الأخير من ديسمبر الماضي ارتفعت القيمة السوقية للبورصة 16.5 بالمائة مقارنة مع نهاية عام 2024، مسجلة 32.2 مليار ريال، ويشير ذلك بوضوح إلى توسع قاعدة المستثمرين وتحسن جاذبية السوق، ما يدعم مستهدف تحويل بورصة مسقط إلى بورصة ناشئة تتماشى مع مستهدفات «رؤية عُمان 2040».
ومن جملة المبادرات الداعمة لأنشطة ريادة الأعمال وتعظيم مشاركتها في تحقيق التنمية الاقتصادية وتمكين الشباب والكفاءات الوطنية على كافة المستويات، شهد عام 2025 إطلاق محفظة إقراضية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من قبل صندوق عُمان المستقبل، وهو توجّه مهم لمعالجة فجوة التمويل التي تواجه هذه الشريحة من الشركات، كما تكمن أهميته في رفع القيمة المضافة، وتعزيز مرونة القطاع الخاص، ودعم الاستدامة المالية للاقتصاد الوطني. وكان صندوق عُمان المستقبل قد دشن نشاطه بالإعلان عن أول حزمة من مشروعاته الاستثمارية بقيمة تتجاوز 832 مليون ريال، تتضمن استثمارات أجنبية بقيمة 609 ملايين ريال، ومساهمة من قبل الصندوق بنحو 220 مليون ريال.
وبشكل عام، أعطت الجهود والمبادرات التي شهدتها المرحلة الأولى من «رؤية عُمان 2040» دفعة لملف التشغيل الذي يعد من أهم الأولويات الوطنية، إذ تم إصدار قانون العمل، وتنفيذ البرنامج الوطني للتشغيل، وأقر مجلس الوزراء العام الماضي مخصصات إضافية بقيمة 50 مليون ريال لدعم برامج ومسارات تشغيل الباحثين عن عمل في القطاع الخاص، بالإضافة إلى المبالغ المحصلة بنسبة 1.2% من قيمة فواتير مشتريات كل من قطاع النفط والغاز والوحدات الحكومية والشركات التابعة لجهاز الاستثمار العُماني.
وبنهاية نوفمبر الماضي ارتفع عدد العمانيين العاملين في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة بنسبة 4.2%؛ حيث سجل الإجمالي 884.7 ألف عماني.
تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمار
في سعيها لتنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات، واصلت سلطنة عمان فتح آفاق جديدة لتوسعة الشراكات التجارية والاستثمارية مع الدول الشقيقة والصديقة وزيادة روافد الاقتصاد. وعززت عُمان طموحاتها نحو الريادة في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والمساهمة في أمن الطاقة العالمي بخطوات تنفيذية واسعة، واجتذب قطاع الهيدروجين إحدى عشرة شركة متوزعة على كامل سلسلة القيمة لصناعات الهيدروجين، بدءا من الإنتاج والإسالة، وصولا إلى حلول النقل والتخزين. وكانت شركة هيدروجين عُمان (هايدروم) استهلت عام 2025 بإطلاق الجولة الثالثة من المزايدات على أراضي مشروعات الهيدروجين الأخضر، وطرح حزمة من الحوافز لتعزيز الجدوى التجارية للمشروعات؛ حيث خفضت رسوم الانتفاع، والرسوم الأساسية في السنوات الأولى من الإنتاج، وقدمت إعفاء ضريبيا لمدة تصل إلى عشر سنوات.
وأكدت سلطنة عُمان جاهزيتها لريادة القطاع عالميا بتوقيع 3 اتفاقيات أثناء الزيارة التي قام بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى مملكة هولندا الصديقة، كان أبرزها اتفاقية إنشاء أول ممر تجاري لتصدير الهيدروجين المسال في العالم يربط بين عُمان وهولندا وألمانيا، كخطوة محورية في مسيرة سلطنة عُمان في مجالات الطاقة النظيفة وبناء اقتصاد قائم على الهيدروجين الأخضر، والالتزام بتحقيق الحياد الكربوني الذي تطمح للوصول إليه بحلول عام 2050، من خلال التحول إلى الطاقة النظيفة. وأسهم افتتاح أكبر محطتين للطاقة الشمسية (منح 1 ومنح 2) في ارتفاع إنتاج الطاقة المتجددة من 6.6 بالمائة إلى 11 بالمائة، إلى جانب تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 1.4 مليون طن سنويّا.. يتكامل ذلك مع توقيع اتفاقيات جديدة لمشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، من بينها مشروع محطة طاقة شمسية مزودة بنظام بطاريات للتخزين في ولاية عبري ومحطة الكهرباء باستخدام الرياح في ولاية جعلان بني بوعلي.
وتستهدف سلطنة عمان رفع مساهمة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء إلى 30 بالمائة بحلول عام 2030، ثم ما يتراوح بين 60 و70 بالمائة عام 2040، وصولا إلى 100 بالمائة في 2050.
تعظيم دور المناطق الاقتصادية
إدراكا لأهمية المناطق الاقتصادية وتعظيم دورها كمحرك للاقتصاد وتفعيل الشراكات الإقليمية، جرى خلال عام 2025 توقيع اتفاقية الشراكة العُمانية - الإماراتية لتطوير وتشغيل المرحلة الأولى من منطقة الروضة الاقتصادية الخاصة بمحافظة البريمي، للاستفادة من الموقع الاستراتيجي للمحافظة وتحفيز الاستثمار في سلاسل الإمداد والتوريد، وتنشيط حركة إعادة التصدير للأسواق الإقليمية والدولية. تتضمن المرحلة الأولى تطوير 14 كيلومترا مربعا من المنطقة، قابلة للتوسع إلى 25 كيلومترا مربعا. وفي هذه المرحلة سيكون التركيز على الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية والمخازن والصناعات الدوائية والطبية والبلاستيكية والتعدينية والغذائية.
علاوة على ذلك، وقعت أسياد للخدمات اللوجستية وشركة حفيت للقطارات اتفاقية توفير خدمة متكاملة وسلسلة لنقل الحاويات على امتداد مسار شبكة السكك الحديدية، أحد أهم المشروعات الاستراتيجية الجاري تنفيذها، وذلك بدءا من خدمة نقل البضائع مرورا بعمليات الموانئ والتخليص الجمركي وتجميع الشحنات، وصولا إلى خدمة التوصيل.
في الوقت ذاته، توسعت الشراكة العُمانية السعودية بشكل متواصل لتعزز آفاق التنويع في البلدين من خلال زيادة التبادل التجاري وتشجيع الاستثمار، وخلال العام الماضي أُطلقت المرحلة الثانية من مبادرات التكامل الصناعي بين البلدين الشقيقين.. ويجري العمل حاليا في مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة بمحافظة الظاهرة لتأسيس مركز صناعي ولوجستي جاذب للاستثمار بين عُمان والسعودية. تقام المرحلة الأولى من المشروع على مساحة 20 كيلومترا مربعا من إجمالي مساحة الأرض المخصصة للمنطقة البالغة 388 كيلومترا مربعا، وخلال العام 2025 تم توقيع 7 اتفاقيات ومذكرات تفاهم ضمن أعمال المشروع.
شراكة اقتصادية شاملة مع الهند
وقبيل انتهاء عام 2025، شهدت الشراكات الاستراتيجية لسلطنة عمان توسعا جديدا مع توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الهند، التي تحقق مزايا واسعة للبلدين في زيادة الصادرات وتخفيض الحواجز التجارية وتشجيع جذب الاستثمارات لقطاعات عديدة مثل: التكنولوجيا والتصنيع والأمن الغذائي والخدمات اللوجستية؛ حيث تعد الاتفاقية إطارا متكاملا لتحرير التجارة في السلع من خلال إلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية، وتنظيم القيود غير التعريفية، وتسهيل إجراءات الاستيراد والتصدير.
وعلى نقيض ما أثير من مغالطات، فإن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عمان والهند تمثل خطوة استراتيجية لدعم تنافسية الاقتصاد الوطني وتنويع القاعدة الإنتاجية، وتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتوسيع فرص العمل للمواطنين، من خلال فتح آفاق أكبر أمام الصناعات الوطنية للنفاذ إلى أحد أسرع الأسواق نموا على مستوى العالم.
ومع إطلاق الخطة الخمسية الحادية عشرة (2026-2030) تواصل سلطنة عُمان طريقها نحو التقدم والازدهار، مستندة إلى رؤية واضحة لبناء اقتصاد متنوّع ومستدام، وتعزيز الحركة الاقتصادية غير المركزية في المحافظات، ورفع كفاءة التنمية الاجتماعية، إلى جانب تطوير منظومة الحوكمة وتحسين الأداء المؤسسي.
وتضع الخطة الخمسية الحادية عشرة القطاعات ذات الأولوية الاقتصادية في صدارة الاهتمام، في مقدّمتها الصناعات التحويلية، والاقتصاد الرقمي، وقطاع السياحة، بما يسهم في تحقيق نمو اقتصادي متوازن وتنافسي ومستدام، ويعزّز قدرة الاقتصاد الوطني على مواكبة التحولات الإقليمية والعالمية وتحقيق مستهدفات «رؤية عُمان 2040» في كافة محاورها.
**media[3240533]****media[3240531]****media[3240532]**