يلزم لخطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في غزة ـ وهي أعظم أسباب طموحه إلى نيل جائزة نوبل للسلام ـ دفعة قوية عندما يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر.

فاعتبارًا من الكريسماس تبدو الخطة وكأنها تجمدت، ولكن هذا ليس صحيحًا إلا جزئيًا. ولو أن رفض حماس تسليم أسلحتها هو المشكلة الكبرى فإن الحل لا يزال في يد الرئيس ترامب على نحو لا يتصوره الكثيرون.

لقد قدت التخطيط لعراق ما بعد الحرب في وزارة الخارجية الأمريكية، وعملت في عمليات ما بعد الصراع في البوسنة وكوسوفو والعراق وتيمور الشرقية وليبيا وأفغانستان.

وبعد هجمة حماس في السابع من أكتوبر سنة 2023 بجانب هجمات كثيرة أخرى حذرت من أخطار التقاعس عن التخطيط لغزة في ما بعد الحرب، وانضممت إلى مجموعة من كبار المسئولين السابقين؛ لوضع خطة لغزة في ما بعد الحرب.

ويستحق الرئيس ترامب وفريقه ممن عملوا مع إسرائيل وحلفاء عرب الثناء على خطة ترامب للسلام المؤلفة من عشرين نقطة المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الأممي رقم 2803.

لقد اقتربت خطتنا من خطة ترامب النهائية أكثر مما عداها: حكم دولي لفترة انتقالية، وهيئة إشراف دولية، والعمل مع الفلسطينيين من أهل غزة بدعم من قوة استقرار دولية، وتفويض من قرار يصدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ورئاسة غير أمريكية للجهود المدنية، وقيادة جنرال أمريكي لقوة الاستقرار الدولية.

لقد رجع جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء وكذلك الرهائن الموتى عدا واحدا، لكن حماس لم تنزع سلاحها، ولم تسلم الحكم في غرب «الخط الأصفر» الذي يقسم غزة إلى نصفين. وباستثناء مركز التنسيق المدني العسكري في كريات جات بإسرائيل؛ لم يرسل بلد قوات للمشاركة في قوة الاستقرار الدولية لتوفر الأمن، وتشرف على نزع سلاح حماس، وتسمح للجيش الإسرائيلي بالانسحاب إلى حدود غزة. ولن يعلن مجلس السلام الذي سوف يرأسه ترامب قبل يناير. ولجنة التكنوقراط الفلسطينية المكلفة بإعادة بناء البنية الأساسية في غزة لم تتشكل بعد. واللجنة التنفيذية التي ستتولي التنسيق اليومي بين الدوليين والفلسطينيين والإسرائيليين والمصريين والدول المانحة ليس فيها إلا أربعة أسماء معلومة: الدبلوماسي البلغاري المرموق نيكولاي ملادينوف، والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، وصهر ترامب جاريد كوشنر، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.

وفي حين أن الخطط الطموحة قائمة لم يقدم أحد المال اللازم للشروع في شيء. فلن تقوم الحكومات العربية بتمويل إعادة إعمار غزة ما بقيت حماس محتفظة بسلاحها الذي سوف يؤدي استعماله إلى انتقام إسرائيلي وتدمير لأي شيء يقام. ويرى البعض أن حماس وإسرائيل تماطلان في تنفيذ خطة ترامب، فيزيدان من معاناة المليونين من أهل غزة المقيمين في ظروف بائسة، ويعرضان للخطر كلًا من الإسرائيليين والفلسطينيين في الوقت الذي تزيد فيه حماس من قوة قبضتها على نصف أرض غزة وعلى أغلب أهلها.

وبرغم هذا فإن كثيرا من الأمور يجري في الخفاء، لكن على ترامب الآن اتخاذ خيار حاسم من ثلاث رؤى متصادمة.

الأولى: وهي التي يرجح أن يدعمها رئيس الوزراء نتنياهو هي موافقة ترامب على عمل عسكري إسرائيلي ضد مقاتلي حماس. والمنطق الاستراتيجي هنا هو أن المزيد من إضعاف حماس سيجعلها عاجزة في نهاية المطاف عن التدخل في خطة ترامب للسلام. غير أن من شأن هذا أن يؤدي إلى كثير من الخسائر في أرواح الجيش الإسرائيلي وأهل غزة، ويعطل المساعدات الإنسانية.

وغير واضح أيضا المدى الزمني الذي سوف يستغرقه هذا الأمر. وأيضا يتردد أن نتنياهو يريد دعمًا أمريكيًا للهجوم على برنامج إيران الصاروخي الذي تنخرط إيران بنشاط في إعادة بنائه. وقد يطلب أيضا تفويضًا من ترامب للهجوم على حزب الله في حال رفضه تسليم أسلحته للقوات المسلحة اللبنانية. وقد يوافق ترامب على إحدى هذه الأفكار، لكنه لن يوافق عليها جميعا.

والثانية: خطة وضعها معهد توني بلير في الصيف الماضي، لكن نسخة تسربت منها في سبتمبر، ونشرتها هاآرتس، وهي تحتوي على «أمانة تنفيذية» دولية صغيرة مؤلفة من خمسة «مفوضين» يشرفون على السلطة التنفيذية الفلسطينية التي ستدير غزة فعليا.

وهذه الخطة تفرض مسؤوليات جسامًا على الفلسطينيين المحليين ممن لا يكونون تابعين لحماس.

غير أن النسخة المسربة ضعيفة فيما يتعلق بكيفية نزع سلاح حماس، وكيفية منعها من ابتزاز أهل غزة أو قهرهم ـ بمن فيهم أعضاء السلطة التنفيذية الفلسطينية ـ حتى يخضعوا لإرادتها.

وتدعو هذه الرؤية إلى نشر جزئي خلال السنتين الأوليين مع عمليات كاملة في السنة الثالثة، وهذا متأخر للغاية. ويبدو أن آليات المراقبة تعاني نقصا حادا في العمالة. والفساد سبب أساسي لانعدام ثقة أغلب الفلسطينيين في السلطة الفلسطينية في رام الله، وسوف يتلاشى دعم إعادة إعمار غزة إذا ما تكرر فيه ذلك الإخفاق.

بميزانية إجمالية غايتها تسعون مليون دولار في السنة الأولى تبدو الخطة شديدة الضعف للإشراف على حجم العمل المطلوب لبدء إعادة إعمار غزة ماديًا واجتماعيًا. ومن شبه المؤكد أن هذه الخطة تحسنت منذ سبتمبر، وسوف يود ترامب لو يعرف ما إذا كانت هذه المشكلات قد عولجت.

الثالثة: عبارة عن نظام إمداد غزة الذي وضعه أمريكيون يعملون بإشراف ويتكوف وكوشنر، ومن شأنه أن يستعمل رأسمال خاصا للانطلاق في إعادة إعمار غزة ماديًا واجتماعيًا إلى الشرق من الخط الأصفر مع توظيف وكلاء أمن خاصين في الأدوار التي تعزف قوة الاستقرار الدولية عن القيام بها.

ومن شأن هذا أن يلتف على عقبتين: أولاهما أنه لم تسهم الحكومات العربية بعد بمليارات الدولارات في إعادة إعمار غزة، والثانية أن وكلاء الأمن الخاصين مستعدون للعمل في غزة حتى مع إصرار الولايات المتحدة على عدم وجود قوات أمريكية على الأرض، وعزوف بلاد أخرى عن أن تواجه قواتها حماس.

وبحسب مقالة في صحيفة ذي جاريدان؛ فإنه سوف يعوض المستثمرون الخاصون عن دعمهم لإطلاق إعادة إعمار غزة من خلال رسوم جمركية على شاحنات المساعدات والشاحنات التجارية التي تدخل غزة. وقد اعتمدت الولايات المتحدة بالمثل على عائدات الجمارك والرسوم الجمركية في تمويل الخدمات العامة والأمن إلى حين تطبيق ضريبة الدخل.

وتاريخيا كانت حماس أيضا تفرض رسوما على شاحنات المساعدات، وتفرض ضرائب على أهل غزة الذين يحصلون على النقد من خلال وظائفهم في إسرائيل. وفرض الضرائب على دخول الشاحنات يوفر للمستثمرين الخاصين حافزا إيجابيا لزيادة عدد الشاحنات التي تدخل إلى غزة يما يتوافق مع مصالح أهل غزة، ويضمن تفتيشا أمنيا دقيقا وإن يكن غير مفرط.

سوف يتعين على ترامب أن يقرر عما قريب ما سيدعمه من هذه المقترحات المتنافسة. فانتظار حماس إلى أن تنزع سلاحها طوعا لن ينجح على الأرجح، وسيطيل أمد شقاء المليونين من أهل غزة ومن الخطر الأمني على الإسرائيليين والفلسطينيين. والحكومات العربية لم تتبنَ خطة بلير.

ولا بد من أن يرى أهل غزة وإسرائيل تقدما، ومن الخطر الانتظار الطويل حتى منتصف عام 2026 إلى حين تمويل وتوفير العمال للنسخة الموسعة من خطة حكم غزة في ما بعد الحرب. فيجب أن يقر الرئيس ترامب خطة، ويبدأ عاجلا في إعادة إعمار غزة ماديا واجتماعيا. ونموذج نظام إمداد غزة ـ بكل ما فيه من أوجه قصور ـ هو حاليًا أفضل المتاح لإطلاق درجة ما من الأمن وإعادة الإعمار في نصف غزة على الأقل. فعلينا أن نبدأ من موضع ما، وعلينا أن نبدأ الآن.

توماس واريك زميل غير مقيم في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي. عمل بين عامي 1997 و2007 في وزارة الخارجية الأمريكية في قضايا الشرق الأوسط والعدالة الدولية

الترجمة عن ذي ناشونال إنتريست