نيويورك بورت سودان "العُمانية" "أ ف ب": نزح أكثر من 10 آلاف شخص في غضون 3 أيام في ولايات شمال دارفور وجنوب كردفان بالسودان، وسط استمرار الحرب، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة. وأحصت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، فرار أكثر من 7 آلاف شخص من مدن أم برو وكرنوي في شمال دارفور اللتين سيطرت عليهما قوات الدعم السريع قبل أيام.
ونزح أكثر من 3 آلاف شخص في جنوب كردفان فروا من مدينة كادوقلي التي تحاصرها قوات الدعم السريع ويسيطر عليها الجيش بينما يعاني السكان من المجاعة. والتهمت النيران 45 مأوى للنازحين بعد اشتعالها في منطقة أبو جبيهة في جنوب كردفان. وذكرت المنظمة، في بيانات منفصلة، أن أعداد النازحين تتزايد بشكل سريع في ولايتي شمال وجنوب كردفان جراء "تفاقم انعدام الأمن".
ورصدت فرق النزوح الميدانية التابعة للمنظمة نزوح 780 شخصًا من مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان، خلال الفترة بين الأربعاء والجمعة الماضيين، جراء تفاقم انعدام الأمن. وقدرت المنظمة نزوح 510 أشخاص من قرية السنجوقي، بمحافظة أم دام حاج أحمد، في ولاية شمال كردفان، بسبب الأوضاع الأمنية. وأضافت أن الوضع في المنطقة لا يزال متوترًا ومتقلبًا للغاية.
وأعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينتي أبو قمرة وأم برو في شمال دارفور، فيما تتقدم القوات باتجاه مناطق قبيلة الزغاوة على الحدود الشمالية الغربية للسودان وتصاعد الاشتباكات بالمنطقة. وتتفاقم المعاناة الإنسانية في السودان جراء الصراع الذي اندلع منذ أبريل 2023 بين الجيش و "الدعم السريع"، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص.
عبر جبال وعرة
على مدار ثمانية أيام، سار المزارع السوداني إبراهيم حسين وعائلته عبر طرق جبلية وعرة هربا من المعارك في منطقة جنوب كردفان التي تحولت مؤخرا إلى ساحة جديدة للحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ويقول حسين الذي وصل مع عائلته إلى كوستي في ولاية النيل الأبيض الواقعة تحت سيطرة الجيش لوكالة فرانس برس "تركنا كل ما نملك؛ حياتنا ومحاصيلنا التي لم نحصدها".
فرّ حسين وعائلته المكوّنة من سبعة أفراد من مدينة كيكلك بجنوب كردفان، و"تحرّكنا أغلب المسافة مشيا على الأقدام، وتحمّل أصغر أبنائي البالغ سبع سنوات ووالدي 75 عاما تعب المشي حتى وصلنا" إلى مدرسة تحوّلت إلى مخيم للإيواء في كوستي.
على بعد نحو 300 كيلومتر جنوب الخرطوم، باتت كوستي ملاذا لمئات العائلات الهاربة من العنف في كردفان الغنية بالنفط والتي يتنازع الجيش والدعم السريع السيطرة عليها بعد إحكام الأخيرة قبضتها على إقليم دارفور المجاور.
وأجبرت معارك كردفان نحو 53 ألف شخص على النزوح، وفقا للأمم المتحدة.
ويضيف حسين "كنا طوال فترة الحرب بالسودان نعيش في أمان. نرعى حيواناتنا حتى جاء الدعم السريع إلى المنطقة".
خلال الشهر الجاري، أحكمت قوات الدعم السريع سيطرتها على ولاية غرب كردفان واستولت على أكبر حقل نفطي في البلاد في منطقة هجليج، كما أطبقت - بالتعاون مع حلفائها المحليين - الحصار على مدينتي كادوقلي وديلينغ الخاضعتين لسيطرة الجيش، وحيث يعاني مئات الآلاف من المجاعة.
التجويع والخوف
وبدأت الحرب في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو في أبريل 2023. ودخلت منعطفا جديدا، مع سيطرة الدعم السريع على مدينة الفاشر في 26 أكتوبر، بعد محاصرتها لمدة 18 شهرا. ثم امتدت المعارك إلى إقليم كردفان المجاور.
وأفادت الأمم المتحدة عن وقوع مجازر وعمليات اغتصاب ونهب ونزوح جماعي للسكان قبل وخلال وبعد سقوط الفاشر.
في غضون يومين فقط الأسبوع الجاري، وصل نحو 4000 شخص إلى كوستي وهم يعانون من "التجويع والخوف"، وفقا لمحمد رفعت، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في السودان.
ويوضح رفعت لفرانس برس أن معظم النازحين من كردفان هم من النساء والأطفال "ولم يستطع الرجال النزوح خوفا من القتل أو الخطف".
ووفقا لمنظمة "ميرسي كوربس"، وهي واحدة من منظمات الإغاثة القليلة العاملة في كردفان، فإن الطرق الرئيسية غير آمنة ما يدفع العائلات إلى "خوض رحلات طويلة وعُرضة للمخاطر والنوم في أي مكان متاح".
وتقول المديرة القُطرية المؤقتة للمنظمة ميجي باراك "الرحلات التي كانت تستغرق أربع ساعات في السابق باتت تجبر الناس على السير لمدة تتراوح بين 15 و30 يوما عبر مناطق معزولة وأراضٍ مليئة بالألغام".
وأدى هجوم بطائرات مسيرة على روضة أطفال ومستشفى في كلوقي بجنوب كردفان الشهر الجاري إلى مقتل 114 شخصا بينهم 63 طفلا، بحسب منظمة الصحة العالمية.
بعد هذا الهجوم، أيقن آدم عيسى، وهو مزارع يبلغ 53 عاما، أن الوقت حان للفرار. فتوجه مع زوجته وبناته الأربع ووالدته المسنة إلى كوستي "بعربة تجنبّت الطرق المعتادة حتى لا نمر بارتكازات الدعم السريع. أخذتنا الطريق ثلاثة أيام".
ويقيم عيسى حاليا مع عائلته و500 شخص آخرين في مدرسة تحوّلت إلى مأوى، "ونتلقى مساعدات لكنها ليست كافية". ويقول إنه يبحث عن عمل في سوق المدينة.
وتعاني كوستي بالفعل من ضغط كبير، وفقا لرفعت، إذ تستضيف آلاف اللاجئين من دولة جنوب السودان الفارين بدورهم من العنف في الجانب الآخر من الحدود.
وكلّفت الرحلة عيسى 400 دولار أميركي (نحو مليون ونصف جنيه سوداني) لنقل عائلته إلى برّ الأمان، وهو مبلغ لا يملكه معظم السودانيين بعد ما يقرب من ثلاث سنوات على الحرب وانهيار النظام المالي.
أما هؤلاء الذين لا يملكون المال فينزحون سيرا على الأقدام أو يبقون في مكانهم.
خيارات مستحيلة
ويقول رفعت إن كلفة رحلة النزوح من الأبيض، عاصمة شمال كردفان، ارتفعت بأكثر من عشرة أضعاف خلال شهرين، ما "يحدّ من حركة النزوح وقدرة الأسر على الخروج" من المدينة.
جنوبا في كادوقلي المحاصرة، يبحث حمدان، وهو تاجر يبلغ 56 عاما، عن مخرج، مشيرا الى أن "الوضع مخيف ونخشى أن يدخل الدعم (السريع) إلى كادوقلي".
وقال حمدان لفرانس برس عبر الإنترنت طالبا عدم ذكر اسمه بالكامل خوفا على سلامته، "أرسلت أسرتي مع ابني الكبير إلى الأبيض والآن أفتش عن طريقة لخروجي".
ويصف قاسم عيسى الوضع في كادوقلي بأنه "غير مطمئن". وقال لفرانس برس "كل يوم، نسمع أصوات القصف وأحيانا اشتباكات بأسلحة رشاشة. كما نعاني للحصول على الطعام والعلاج".
ولكن ارتفاع الأسعار وخطورة الرحلة تركا عيسى وعائلته المكونة من ثمانية أفراد أمام خيارا مستحيلا إذ "لدي ثلاث فتيات أكبرهن عمرها 22 والصغرى 14 عاما والخروج مكلف والطريق غير آمن".
وحذرت الأمم المتحدة مرارا من احتمالات تكرار سيناريو الفاشر في مدن كردفان، بما في ذلك الإعدامات الميدانية والاختطاف والاغتصاب.
وقال رفعت "إذا لم يتم وقف إطلاق النار في محيط كادوقلي فإن مستوى العنف الذي شهدناه في الفاشر قد يكون هو المرحلة القادمة".