(عمان) صدر حديثا ديوان شعري شعبي بعنوان "تذكرني" للشاعر المعتصم الغافري، ضمن نتاجات البرامج التأهيلية الموجهة لنزلاء السجون، التي تعمل على دعم التعبير الإبداعي وإتاحة مساحات ثقافية وفنية تسهم في إعادة الدمج المجتمعي، عبر تحويل التجربة الشخصية إلى منجز أدبي قابل للتداول والقراءة. ويضم الديوان مجموعة من القصائد التي تتوزع بين الغزل والبوح الوجداني والتأمل الإنساني، وتقوم بنيتها على لغة مباشرة تتكئ على الإحساس كمحرك للنص، مع حضور متكرر لفكرة الاسم مقابل الشعور، والذات مقابل صورتها في ذاكرة الآخر، وهي ثيمة يضعها الشاعر في واجهة الديوان منذ الصفحة التمهيدية التي يقول فيها إن معرفة الاسم لا تعني بالضرورة معرفة الأحاسيس، وأن ما يكتبه ليس سوى محاولة لكشف ما لا يُرى من الداخل.
وتكشف قصائد مثل "تذكرني"، و"حب جبرين"، و"يا هيام"، و"سافري بي يا سحابه"، و"مز الكاس"، و"حياتي والملام" عن اشتغال واضح على العاطفة كطاقة كتابة، ليس باعتبارها موضوعا جاهزا، إذ تتحرك النصوص بين الحنين والخوف والانتظار والاعتراف، وتستثمر مفردات الزمن والغياب والروح والنداء في بناء خطاب شعري يعبّر عن التجربة من داخلها، دون افتعال أو مبالغة، ويلاحظ في الديوان حضور نبرة مناجاة داخلية تتقاطع فيها القصيدة مع الخاطرة القصيرة، حيث لا يسعى الشاعر إلى بناء مشاهد كبرى بقدر ما يراكم إحساسا متدرجا، يظهر في تكرار النداءات، واستدعاء التفاصيل الصغيرة، ومحاولات الإمساك بالمعنى قبل انزلاقه مانحا النصوص طابعها الإنساني الواضح.
ويأتي إصدار "تذكرني" ضمن سلسلة من الأعمال الأدبية والفنية التي أُنتجت في إطار برامج تأهيل نزلاء السجون، والتي شملت خلال السنوات الأخيرة مجالات متعددة من الكتابة والرسم والفنون اليدوية، في سياق يهدف إلى تمكين النزلاء من التعبير عن تجاربهم وبناء جسور جديدة مع المجتمع عبر الثقافة. ويعد هذا الديوان إضافة إلى مسار الشعر الشعبي العماني من زاوية مختلفة، حيث تتقاطع التجربة الإنسانية مع الكتابة، ويُقدَّم النص كمساحة اعتراف وتأمل بعيدا عن سرد السيرة المغلقة، بل عملا مفتوحا على القراءة والتأويل.