تستعد سلطنة عمان لبدء خطة التنمية الخمسية الحادية عشرة 2026-2030 وهي المرحلة التنفيذية الثانية من "رؤية عمان 2040" والتي تنطلق معززة بتحسن المؤشرات وتحول جذري في الوضع المالي والاقتصادي، ومن المتوقع أن تواصل سلطنة عمان خلال الخطة التنموية المقبلة الحفاظ على نهج التحوط في تحديد السعر المقدر للنفط توقيا لتأثيرات تقلبات النفط على أداء الميزانية العامة خاصة في ظل متغيرات السوق النفطية خلال العام الجاري، والتي دفعت أسعار النفط للانخفاض فيما تشير تقديرات المؤسسات الدولية إلى احتمالية استمرار انخفاض الأسعار خلال العام المقبل، وطوال سنوات الخطة الخمسية العاشرة حافظت سلطنة عمان على تقديرات متحفظة لسعر النفط والذي يتم بناء عليه تحديد مستويات الإيرادات العامة وحجم العجز المالي أو الفائض المتوقع سنويا، وظلت تقدير النفط دون 60 دولارا للبرميل خلال السنوات الماضية، وقد انتهى عام 2021 بتعادل بين الإيرادات والإنفاق بعد سنوات من ارتفاع مستويات العجز المالي وخفض التصنيف الائتماني، وقد بدأ تحقيق فوائض مالية جيدة في الميزانية خلال الفترة من 2022 حتى 2024، مع توقع عجز مالي بنحو 620 مليون ريال عماني خلال عام 2025 في ظل انخفاض النفط، حيث من المرجح أن ينتهي العام الجاري بتحقيق خام نفط عمان متوسط سعر فعلي في حدود 70 دولارا للبرميل وهو ما يزيد نحو 10 دولارات مقارنة مع السعر المقدر مبدئيا في ميزانية عام 2025 والبالغ 60 دولارا، ويمثل سعر النفط في 2025 تراجعا عن مستويات أسعار النفط المحققة فعليا خلال العام الماضي والتي بلغ متوسطها 80.8 دولار للبرميل.
وفيما يتعلق بتوجهات أسواق الطاقة خلال العام المقبل، تقدر وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن سعر النفط خلال عام 2026 سيتراوح بين 60 و65 دولارًا، وتشير تقديرات بنوك الاستثمار العالمية إلى متوسط متوقع في حدود 60 دولارا، وترجح إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يتراجع سعر برميل خام برنت من 81 دولارًا في عام 2024 إلى 69 دولارًا بنهاية العام الجاري وأن يواصل الانخفاض إلى 55 دولارًا في نهاية عام 2026.
وبدءا من نجاح تنفيذ الخطة المالية متوسطة المدى 2020-2024 وما تلاها من برامج ومبادرات لتعزيز الاستدامة المالية وضبط الوضع المالي وتحقيق مستهدفات "رؤية عمان2040" حققت سلطنة عمان خلال المرحلة الأولى من رؤية عمان تحولا جذريا نحو تقوية المركز المالي للدولة وتحسين كافة المؤشرات المالية خاصة خفض الدين العام وكلفة أعبائه ورفع التصنيف الائتماني، وتستكمل سلطنة عمان جهود الاستدامة من خلال عديد من البرامج والمبادرات، منها البرنامج الوطني "استدامة" لتعزيز دور سوق رأس المال والقطاع المصرفي، وتستكمل مبادرات رفع كفاءة المالية العامة ببدء العمل بالنظام المالي الحكومي الموحد الذي يعد بوابة موحدة لجميع الأنظمة الحكومية المساندة، مما يعزز جهود الاستدامة مع انطلاقة الخطة الخمسية الحادية عشرة.
واختتمت سلطنة عمان العام الأخير من الخطة الخمسية العاشرة بتحقيق مؤشرات مالية جيدة، ووفق إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، لم تلجأ سلطنة عمان للسحب من الاحتياطيات خلال العام الجاري، وقد تراجع صافي الاقتراض الخارجي بنسبة 46 بالمائة بنهاية أكتوبر الماضي، وبلغت المخصصات الاحتياطية لسداد الدين العام 334 مليون ريال عماني، ويمثل حجم الدين العام وكلفة أعبائه تراجعا حادا عن مستويات ما قبل بدء تنفيذ "رؤية عمان2040" وهو ما عزز الاستقرار المالي وحقق وفورات مالية في ظل التوجه نحو تسريع سداد القروض واستباقية سداد بعض القروض واستبدال القروض المكلفة بأخرى ذات كلفة مواتية للاستفادة من فوائض النفط وتحسن التصنيف الائتماني الذي اسهم في تراجع كلفة الاقتراض.
ومنذ عام 2022، وبدعم من ارتفاع أسعار النفط وتحسن التصنيف الائتماني وتنفيذ سياسات ناجحة لإدارة المحفظة الإقراضية، سرعت سلطنة عمان سداد الدين العام وحققت انخفاضا ملموسا في أعباء خدمته التي بلغت مليارا و76 مليون ريال عماني في نهاية عام 2022، وتراجعت إلى مليار و44 مليون ريال عماني خلال عام 2023، ثم انخفضت إلى 936 مليون ريال عماني في عام ، وانخفضت مخصصات خدمة الدين العام بنسبة 6 بالمائة من 758 مليون ريال عماني في نهاية أكتوبر 2024 إلى 711 مليون ريال عماني في نهاية نفس الشهر من العام الجاري.
ووفق تقديرات ميزانية 2025، تبلغ مخصصات خدمة الدين العام 915 مليون ريال عماني خلال العام الجاري، وكللت سلطنة عمان تنفيذ المرحلة الأولى من "رؤية عمان 2040" بتراجع حجم الدين العام من 20.8 مليار ريال عماني في نهاية عام 2021 إلى 14.7 مليار ريال عماني بنهاية الربع الثالث من عام 2025.
وكإطار مالي سنوي لدعم المستهدفات الاجتماعية وتنفيذ الخطط والمشروعات التي تتضمنها خطط التنمية و"رؤية عمان 2040" تركز الميزانية العامة على عديد من الأهداف المالية والاقتصادية يتصدرها المحافظة على مستوى الخدمات الأساسية التي تقدمها الحكومة واستمرار الدعم الحكومي للكهرباء والمياه والوقود والسلع الغذائية ودعم مستهدفات التشغيل الوطنية، وتعزيز الحماية الاجتماعية العادلة لمختلف فئات المجتمع، واستهدفت ميزانية العام الأخير من الخطة العاشرة دعم الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي، وقد تم رفع المخصصات المالية للخدمات الاجتماعية بنسبة 4.2 بالمائة عن المعتمد في عام 2024، إلى نحو 5 مليارات و4 ملايين ريال عماني خلال عام 2025، وتتوزع هذه المخصصات على قطاعات التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية.