ترينشين «د.ب.أ»: تم اختيار مدينة ترينشين السلوفاكية عاصمة للثقافة الأوروبية في 2026، وذلك إلى جانب مدينة «أولو» الفنلندية. ويرجع السبب في ذلك إلى أن هذه المدينة العريقة، التي تقع في وادي نهر «فاه» الخصيب، تعتبر متحفا مفتوحا يروي قصة ألفي عام من التاريخ بدءا من النقوش الرومانية القديمة على صخورها ووصولا إلى أحيائها النابضة بالحياة.
وتتربع قلعة ترينشين كتاج صخري فوق المدينة، وهي ليست مجرد حصن دفاعي، بل أيقونة معمارية من أهم الكنوز التاريخية في وسط أوروبا، وتعتبر هذه القلعة هي الوجهة المثالية لمن يبحث عن عبق التاريخ وهدوء الطبيعة وجمال العمارة القوطية والباروكية.
وتظهر قلعة ترينشين، التي تعود إلى العصور الوسطى، من بعيد شامخة فوق المدينة، وبدءا من المقهى «كافيه شيب» الشهير تصعد حارة ضيقة وشديدة الانحدار عبر سلسلة من المنعطفات الحادة، ويشاهد السياح عملا فنيا فريدا من نوعه على الطريق المؤدي إلى القلعة؛ حيث يمكن الصعود إلى سقالة تدوير عجلة الألوان العملاقة والنظر من خلالها.
ويتغير لون المنظر البانورامي للوادي في الأسفل من الرمادي إلى الأصفر، ومن خلال فلاتر الألوان يتم تمثيل تلوث الهواء بسبب العوادم والجسيمات الدقيقة في أوقات مختلفة.
ويواصل السياح سيرهم حتى الوصول إلى شباك التذاكر؛ حيث يمكن الاختيار ما بين جولة ذاتية أو بصحبة مرشد سياحي، وتفتخر القلعة بتراثها التاريخي، ويمكن للسياح الصعود إلى قمة البرج، والذي يعدّ أحد أقدم الأجزاء في القلعة.
وتقدم المعروضات الموجودة على طول الطريق معلومات شائقة عن القلعة، وفي العصور الوسطى حكم النبيل ماتيوس تشاك (1260 - 1321) مساحات شاسعة من الأراضي فيما يعرف اليوم بسلوفاكيا والمجر، ومع ذلك تبدو مساكنه متواضعة بمعايير اليوم. ويمكن للسياح من عشاق التجول سيرا على الأقدام الاستمتاع بالمناظر الطبيعية واختيار طريق أطول إلى القلعة، وخلف برج المدينة يمتد مسار السير يسارا بمحاذاة السور القديم للمدينة حتى الوصول إلى منتزه «بريزينا فورست بارك»، الذي يمتد على مساحة 215 هكتارا، ويمتاز هذا المسار بوجود علامات إرشادية جيدة ويتيح إطلالات خلابة، وبالنسبة للسياح من عشاق النشاط البدني يوفر المنتزه مسارا للدراجات الجبلية، وخلال فصل الشتاء ينعم السياح بالتزلج وسط المناظر الطبيعية الخلابة والمغطاة بالثلوج.
وعندما كان الفرسان يسكنون القلعة كانت المنطقة مختلفة تماما؛ حيث تُظهر الصور القديمة أن التلال كانت جرداء وخالية من الأشجار، وهو ما كان يساعد على رصد المهاجمين من مسافة بعيدة وفي الوقت المناسب.
وبعد زيارة القلعة، ينبغي أخذ استراحة لتناول القهوة، وتصطف المقاهي في ساحة «ميروفه» المركزية، وتضفي طاولاتها ومقاعدها الخارجية الكثيرة لمسية جنوبية مميزة.
وتعتبر الفطائر الرقيقة «بالاتشينكي» من بين أشهى المأكولات، وهي إرث من الإمبراطورية النمساوية المجرية السابقة، وتتوافر هذه الفطائر بأنواع مختلفة من الحلو إلى المالح، ويمكن للسياح في مقهى «لاري فاري» مثلا طلب حلوى بنكهة الفواكه مصنوعة من الكرز وبذور الخشخاش، وفي مقهى «ماك بالاشينكارين» على بعد بضعة شوارع يستمتع الأطفال بنسخة «الأميرات» الأصلية من المارشميلو، بينما يميل الأشخاص الكبار إلى اختيار النسخة التقليدية من الجبن القريش والمربى.
ويبدو أن القهوة تعدّ المشروب المفضل لدى سكان سلوفاكيا وعنصرا أساسيا في التلاحم الاجتماعي، وفي أحد الأزقة الجانبية بجوار ساحة «لودوفيت ستور» يجد السياح محمصة «كوفي لاب»؛ حيث يفخر صاحبها، مارتن أونديك، بماكينات التحميص والإسبريسو، والتي يحافظ على نظافتها تماما، وتسود المكان أجواء مريحة وهادئة ويستقطب المكان السياح والسكان المحليين للدردشة، وفي الواقع يشعر السائح أن الزبائن الدائمين يعرفون بعضهم البعض، على الرغم من أن عدد سكان ترينشين يتجاوز 54 ألف نسمة.
وعند العودة إلى ساحة «لودوفيت ستور» يجد السياح معلما سياحيا يجذب الأطفال والبالغين على السواء، وهو تمثال نافورة خضراء يطلق قوسا عاليا من الماء بانتظام، كما يصاحبه عرض ضوئي خلاب في المساء.
ويرجع التمثال، الذي نُصب في عام 1998، إلى الأسطورة المحلية لفالنتين. وتقول الأسطورة إن فالنتين هاجر من مورافيا الواقعة في جمهورية التشيك حاليا، وفي مدينة ترينشين وقع في حب خبازة خبز الزنجبيل «أنيكا»، والتي بادلته نفس المشاعر، إلا أن سكان المدينة عارضوا هذه العلاقة خوفا من روح الماء، وفي أحد الأيام اشتعلت النيران في منزل خبازة خبز الزنجبيل ولم يتردد روح الماء في إخماد الحريق، ولكنه لقى حتفه في هذه العملية، ووفقا للأسطورة فقد أقام أهل البلدة هذه النافورة تخليدا لهذا العمل البطولي. ويلعب نهر «فاه» دورا محوريا في خطط مدينة ترينشين خلال العام المقبل باعتبارها عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2026؛ حيث من المقرر تحويل جسر السكة الحديدية القديم إلى جسر الاحتفالات «فييستا».
وأعلن مهندس المدينة مارتن بيداتس قائلا: «سيتم تحويل هذا الجسر إلى ممشى ومنطقة ترفيهية تضم مساحات خضراء ومجموعة متنوعة من المطاعم والمقاهي، بالإضافة إلى منطقة مخصصة للأنشطة الثقافية والرياضية». وتشتمل الخطط أيضا جدارا للتسلق وترامبولين للأطفال.
ويمكن للسياح الوصول إلى الجسر بسهولة من وسط المدينة سيرا على الأقدام؛ حيث يمكنهم الاستمتاع بمشاهدة أعمال فناني الشوارع في معرض فني على طول الطريق وفي نفق أسفل الطريق السريع. ويصل طول جسر السكة الحديدية إلى 255 مترا، وكان مقررا هدمه، ولكنه تحول حاليا إلى موقع إنشاءات، وتبلغ التكاليف المخطط لها للصيانة وإعادة البناء حوالي 15 مليون يورو، وتسعى الهيئة المنظمة إلى أن يصبح هذا «المعلم البارز» جزءا من الهوية البصرية والاجتماعية للمدينة، ويربط هذا الجسر بين ضفتي نهر «فاه»، والذي يعدّ أطول الأنهار في الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
ويمكن للسياح من عشاق التجارب الفنية الاستمتاع بما يقدمه المعرض الفني بالمدينة؛ حيث يحمل هذا المعرض اسم الرسام السلوفاكي «ألكسندر بازوفسكي» (1899 - 1968)، فبعد دراسته في بودابست وبراج وفيينا استلهم بازوفسكي إبداعاته من الزخارف الشعبية. وفي إطار برنامج عاصمة الثقافة الأوروبية يستضيف المعرض الفني فنانين معاصرين من دول أوروبية أخرى لإقامة فعاليات فنية؛ حيث قامت الفنانة النرويجية «ماريت بينث نورهايم» بعرض منحوتاتها لحوريات البحر في مدينة ترينشين، والتي تتسم بسمات الوداعة والغموض والرهبة، وقد شارك الأطفال تجاربهم مع الماء في ورشة عمل أدارتها الفنانة النرويجية بنفسها. وسوف يقام الافتتاح الكبير في مدينة ترينشين في 15 فبراير المقبل، وفي إطار مشروع «أحياء نابضة بالحياة» سيتم اختيار أحياء معينة ليوم واحد لإقامة العديد من الفعاليات والأنشطة الفنية. وسوف يشهد شهر مارس إقامة مهرجان أدبي يليه مهرجان للفنون الضوئية وسلسلة من الحفلات الموسيقية خلال شهر أبريل، ويتضمن البرنامج أيضا عددا من الفعاليات والأنشطة الفنية في الأماكن العامة مثل مستشفى أو مبنى البلدية، ومن أبرز فعاليات العام مهرجان جسر «فييستا» على جسر السكة الحديد المعاد تصميمه فوق نهر «فاه» خلال شهر سبتمبر المقبل.