«عندما تعتقد أن كل شيء في الحياة قد انتهى، فإن الله يخلق لك طريقًا لتبدأ رحلة جديدة»..لو تمعّن كل إنسان في هذه العبارة، لاكتشف أن حزنه المرير لا مبرر له مطلقًا، لكن الطبيعة البشرية هي من تحرّك في أنفسنا مباعث الحزن والألم والحسرات على ما فات أو مات.
لقد أجمع المفكرون والفلاسفة ورجال العلم والدين على أن أيام الإنسان في الأرض تأتي على ثلاثة أنماط: «يوم مضى بما فيه فليس بعائد، ويوم أنت فيه فحقّ عليك اغتنامه، ويوم لا تدري أأنت من أهله؟».
هذه الأيام التي تمر علينا خلال رحلة الحياة نجزم أنها لا تخرج عن هذه الحالات الثلاث، ومع إدراكنا لهذه الحقيقة وغيرها من الحقائق الأخرى، لا يزال الخوف من مغبة تكرار أخطاء الماضي وما فيه من إخفاقات يلاحقنا في سكناتنا وحركاتنا، وربما هذا الأمر يقودنا نحو التيقن بأن شبح الخوف شيء متأصل في النفس البشرية منذ الخليقة.
كلما تقدم الإنسان في العمر، ظهرت عليه أعراض الخوف والتوجس والقلق والشعور بعدم الراحة، وهذا يدفعه إلى خوض معركة محتدمة كل يوم مع مخاوفه، فهو لا يعرف ما الذي يخبئ له القدر تحت جنح الظلام.
يبدو أن قضية «الحزن» بدرجاتها المتفاوتة تُعد من أعقد وأصعب الحالات التي تمر على الإنسان، ويُجمِل المختصون أسباب الحزن في «فقدان عزيز علينا، أو إصابتنا بخيبة أمل، أو بسبب تغيرات كيميائية وهرمونية تحدث في الجسم بشكل لا إرادي، كالشعور بالوحدة وعدم تحقيق التوقعات، أو ببساطة يحدث الحزن كاستجابة طبيعية للضغوطات والدخول في بعض المواقف الصعبة في الحياة العملية أو الأسرية، لكن الثابت لدى الجميع أن الحزن يعمل كآلية نفسية لتفريغ المشاعر وتجاوز المحن مع مرور الوقت، حتى لو بدا أحيانًا بلا سبب واضح أو من خلال عوامل داخلية».
إذن، الإصابة بنوع من الحزن هي جزء أصيل من التركيبة النفسية للكائن البشري، فالحزن حالة لا يسلم منها أي شخص على وجه البسيطة، والغريب أن الحزن قد يرافق البعض لفترات زمنية متباعدة، ويتطور مع تطور الحالة الداخلية للشخص، والأعجب من كل ذلك تأتي أسباب الأحزان بشكل جماعي وتدخل على الشخص من نوافذ متعددة لدرجة أن البعض لا يجد مجالًا للراحة أو التعافي أو الاستقرار النفسي.
من المفارقات عند البشر أن البعض يبحث عن «الحزن» وكأنه يألف هذا المشهد التراجيدي من الحياة، فمن خلال الحزن يدخل في كهف الكآبة والتعب والفزع وإهمال الذات!
في المنظور الديني، الحزن كيان قائم بذاته، فقد ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقد يكون الحزن هو القاسم المشترك ما بين الإنسان والإنسان الآخر، لكن هناك تفاوتًا ملحوظًا عند البعض في المواجهة، فالحزن يحتاج إلى مقاومة ومجاهدة نفسية للتغلب عليه، وأيضًا يحتاج إلى نصرة من الغير للحد من آثاره أو التقليل من شدته. بعض الناس ينهارون سريعًا عندما يصيبهم الحزن العميق، وخاصة فيما يتعلق بفقدان الأحبة، يليه فقدان متاع الدنيا من مال وجاه ومكانة اجتماعية، والبعض الآخر تجده صامدًا حتى وإن تأثر قليلًا من هول المفاجأة أو شدة المحنة التي يمر بها.
إذن هناك اتفاق تام بأن «الحزن»، وإن تعددت أسبابه وأبوابه، فهو عامل مؤثر على حياة الناس وسلوكهم وقوتهم في الخروج مما يعانونه من ألم وتعب، فالبعض يحتاج إلى وقت طويل ليتعافى من الحزن الذي ينغرس في أعماقه، والبعض الآخر يتجاوز محنته بعد وقت قصير، وهذا الصمود نابع من إيمانه بالله وبالقضاء والقدر. إذًا، الإيمان القوي هو الذي يذيب الأحزان من القلوب، إن الله سبحانه وتعالى جعل الحزن اختبارًا حقيقيًا لقوة الإيمان المسلم به، وقد أعد له ثوابًا عظيمًا إذا استطاع التغلب على كل وساوس الشيطان وتخيلاته.