حوار - ماجد الندابي
بعد فوزه بالمركز الأول في حفظ القرآن كاملا بمسابقة السلطان قابوس
بعد أن توِّج في العام الماضي بالمركز الأول في المستوى الثاني (حفظ 24 جزءا من القرآن الكريم) ضمن مسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم في دورتها الثانية والثلاثين، التي ينظمها مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، عاد الحافظ إبراهيم بن سعيد بن علي الصوافي هذا العام إلى المسابقة نفسها في دورتها الثالثة والثلاثين، لكن بطموح أكبر ورغبة أعمق في إتمام الرحلة، هذا الطموح توّج بفوزه بالمركز الأول في المستوى الأول، مستوى حفظ القرآن الكريم كاملا، ليؤكد أن علاقته بكتاب الله مسار متدرّج لا يعرف التوقف.
وعن شعوره بعد هذا التتويج، يصف الصوافي التجربة بأنها تفوق الوصف، قائلا: «تتويجي هذا العام بحفظ القرآن كاملا كان شعورا لا يوصف، شعرت فيه بأن روحي ارتفعت إلى مراتب عالية من السكينة والطمأنينة»، ويقارن بين تجربته السابقة في حفظ 24 جزءا وتجربته الحالية، موضحا أن الإنجاز في المرحلة الأولى كان حاضرا، «لكن دائما كان يرافقه إحساس بأن الرحلة لم تكتمل بعد»، في حين أن المرحلة الحالية حملت معها ثقلا أكبر من حيث المسؤولية، إذ يؤكد: «من يحفظ كتاب الله كاملا لا بد أن يكون قدوة في خلقه وسيرته».
ويشير الصوافي إلى أن هذا الشعور بالمسؤولية تضاعف لديه مع اكتمال الحفظ، انطلاقا من قناعته الراسخة بأن «القرآن ليس للحفظ فقط، بل للتطبيق والعمل»، وهو ما دفعه إلى مراجعة نفسه بصورة أعمق، والسعي إلى تثبيت الحفظ، والعيش مع المعاني بروح أكثر حضورا وتأملا، ويختم هذا المعنى بقوله إن «حفظ القرآن الكريم كاملا جعلني أشعر أنني بدأت الآن مرحلة جديدة من العلاقة مع هذا الكتاب العظيم».
ورغم أن الصوافي حافظ للقرآن الكريم كاملا منذ أيام الدراسة، إلا أن مشاركته في الدورة السابقة في مستوى 24 جزءا لم تكن تراجعا، بل خيارا واعيا، ويشرح ذلك بقوله: «مشاركتي السابقة في مستوى 24 جزءا كانت خطوة مقصودة لبناء الثقة، وتعزيز المراجعة، والتدرج في العودة إلى المنافسات بشكل أكثر رسوخا واستعدادا»، ويؤكد أن التمكّن الحقيقي لا يقف عند حدود الحفظ، إذ يقول: «لا بد من التقييم الذاتي الصادق، فالتمكن الحقيقي لا يعني الحفظ فقط، بل الإتقان والضبط»، ومن هذا المنطلق، اختار أن يبدأ من مستوى 24 جزءا «لأثبت لنفسي أولا أني ما زلت أهلا للتحدي»، قبل أن يواصل المسير هذا العام في مستوى القرآن كاملا «بطمأنينة واستعداد أكبر»، حامدا الله على أن التوفيق لازمه في المستويين.
ولو عاد به الزمن إلى بدايات الحفظ، إلى اللحظة التي كان يخطو فيها خطواته الأولى مع القرآن، فإنه كان سيهمس لنفسه بعدة وصايا، في مقدمتها قوله: «أن أتمهل، وأن لا أستعجل الثمرة، فكل آية أحفظها اليوم ستصنعني غدا»، ويستدرك مؤكدا أن الطريق لا يخلو من التعب، لكن «ستكون هناك أيام فتور وتعب، فلا مجال لليأس، لأن القرآن لا يخذل من تمسّك به»، ويخلص إلى قناعة راسخة مفادها أن «الرحلة مع القرآن لا تنتهي عند ختمه، بل تبدأ فعليا بعد أن يختَم».
وعن دخوله المنافسة هذا العام بوعي أكبر بطبيعتها وضغوطها، يوضح الصوافي أن هذا الفهم المسبق «أعطاني نوعا من الثقة والهدوء، وساعدني على تنظيم وقتي ومراجعاتي بشكل أفضل»، ويشير إلى أن التجربة جعلته أكثر إدراكا لأهمية الحضور الذهني أثناء التلاوة، موضحا أن «المنافسة لا تعتمد فقط على الحفظ، بل على التجويد والأداء والإتقان والتمكّن».
ويرى الصوافي فرقا واضحا بين أن يكون الإنسان حافظا للقرآن، وبين أن يختبر حفظه على منصة تنافسية رسمية، فالحافظ، كما يقول، «تشمله البركة والطمأنينة والسكينة الداخلية، وهو علاقة روحانية بينه وبين كتاب الله»، أما المنصة التنافسية فإنها «تخرجك من جوِّ الثبات على مستوى معين اعتيادي ويومي، وتدفعك لضبط المتشابه، وتحسين الأداء، والمراجعة المتقنة بحضور ذهني كامل»، ويؤكد في ختام هذا المعنى أن التنافس «يظهر لك حجم المسؤولية، ويكشف لك فعلا أين تقف في ميزان الإتقان».
وخلال التحضير لهذه الدورة، لم يغفل الصوافي أي جانب من جوانب الإعداد، إذ يؤكد أن «جميع ما ذكر من تثبيت المتشابهات، وجودة التلاوة، واستحضار المعاني هو من مفاتيح الثبات المهمة جدا»، ويشدد على أن المتشابهات «أكثر ما يختبر بها الحافظ دقة حفظه»، إلى جانب ضرورة العناية بجودة التلاوة واستحضار المعاني «حتى يكون أداؤه متناغما ومتداخلا مع معاني الكتاب العزيز»، وفي هذا السياق، يشير إلى أن بعض القصص القرآنية المتكررة، مثل قصة سيدنا آدم عليه السلام وقصة سيدنا موسى عليه السلام، احتاجت منه جهدا خاصا، إذ يقول: «كنت أكثِر من تكرارها وضبط المتشابه فيها».
ومن خلال عودته إلى المسابقة مرة أخرى، خرج الصوافي بدروس ذاتية عميقة، في مقدمتها أن «المنافسة ليست فقط لقياس المستوى، بل لقياس الصدق مع الله والاجتهاد في الخفاء وترطيب اللسان وتنويره بهذا الذكر العظيم»، ويرى أن المشاركة المتدرجة في مستويات المسابقة تجربة تربوية مهمة، حتى للحفاظ الذين يملكون الحفظ الكامل، لأنها «تعطي مساحة لتثبيت الحفظ، ومراجعة الأجزاء بإتقان، وتخفف من رهبة المسابقة»، ويؤكد أن هذا التدرج «ينمي الثقة بالنفس، ويدرّب المتسابق على مهارات التلاوة، وضبط الأحكام، والتعامل مع اللجنة»، مشددا على أن المشاركة في مستوى أقل «ليس ضعفا، بل هو وعي وحرص على إتقان كتاب الله والارتقاء فيه بروية».
وبعد هذا التتويج في مستوى القرآن كاملا، ينظر الصوافي إلى المسابقات القرآنية بوصفها مسؤولية عظيمة، قائلا: «المسابقات القرآنية هي مسؤولية عظيمة أكثر من كونها مجرد محطة عابرة»، فهي في نظره ليست لحظة تتويج فحسب، بل «تذكير دائم بأن الحافظ قد حمِّل أمانة، وأن عليه أن يكون قدوة في حفظه، وخلقه، وتعاملاته»، ويضيف أن المسابقة قد تكون محطة زمنية، «لكنّ أثرها يمتد كمسؤولية مستمرة، تلزمنا بمراجعة دائمة، واستقامة في السلوك، وسعي لنفع الناس بما حفظناه»، والأجمل أن تبقى هذه الروح التنافسية باعثا لتجديد العلاقة مع القرآن.
وعن تطلعاته المستقبلية، يوضح الصوافي أنه يعمل حاليا في سلك الإمامة، ويقول: «أنا الآن في سلك الإمامة ولله الحمد، وأطمح أن أدخل في علم القراءات بعون الله تعالى»، ويختم حديثه بالتأكيد على أن طريق القرآن لا يقف عند حد، داعيا إلى التعلم والتعليم، وسائلا الله الإخلاص في القول والعمل، وأن يعين الجميع على تقواه ورضاه، «إنه ولي ذلك والقادر عليه».