زهران بن ناصر البراشدي/ القاضي بالمحكمة العليا مسقط -
قضاء القاضي بعلمه في حقوق الآدميين محل خلاف بين الفقهاء في المذاهب الأربعة: فمذهب المالكية وغير الأظهر عند الشافعية، وظاهر مذهب الحنابلة، أن القاضي لا يحكم بعلمه في حقوق الآدميين، وسواء في ذلك علمه قبل الولاية وبعدها. وهذا قول شريح والشعبي وإسحاق وأبي عبيد.
والأظهر عند الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد ومذهب الإمامين أبي يوسف ومحمد، أنه يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه، سواء في ذلك علمه قبل ولاية القضاء أم بعدها، لكن الشافعية قيدوا ذلك بما إذا كان القاضي مجتهدًا -وجوبًا- ظاهر التقوى والورع -ندبًا- واشترطوا لنفاذ حكمه أن يصرح بمستنده، فيقول: علمت أن له عليك ما ادعاه، وقضيت، أو حكمت عليك بعلمي.
فإن ترك أحد اللفظين، لم ينفذ حكمه.
استدل القائلون بالمنع بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع...» فدل الحديث على أنه إنما يقضي بما يسمع، لا بما يعلم، وبقوله صلى الله عليه وسلم في قضية الحضرمي والكندي «شاهداك أو يمينه، ليس لك منه إلا ذاك». وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقًا فلاجه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا القود يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال لكم كذا وكذا، فرضوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم فقالوا نعم فخطب رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا أرضيتم؟ قالوا: لا.
فهم المهاجرون بهم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا عنهم فكفوا، ثم دعاهم فزادهم فقال: أرضيتم فقالوا نعم.
قال: إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم.
قالوا نعم.
فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال أرضيتم قالوا نعم.
وبما روي عن أبي بكر أنه قال: لو رأيت حدا على رجل لم آخذه حتى تقوم البينة.
وبما روي عن عمر رضي الله عنه أنه تداعى عنده رجلان، فقال له أحدهما: أنت شاهدي.
فقال: إن شئتما شهدت ولم أحكم أو أحكم ولا أشهد.
وجه المنع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ بعلمه هنا.
وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولأن تجويز القضاء بعلم القاضي يفضي إلى تهمته وحكمه بما يشتهي ويحيله على علمه، لكن يجوز اعتماد الحاكم على علمه بالاستفاضة؛ لأنها من أظهر البينات، ولا يتطرق إلى الحاكم تهمة إذا استند إليها فحكمه بها حكم بحجة لا بمجرد علمه الذي لا يشاركه فيه غيره.
واستدل القائلون بالجواز بأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بعلمه بين سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ابن وليدة زمعة.
وعن ابن عباس قال: اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلان فوقعت اليمين على أحدهما، فحلف بالله الذى لا إله إلا هو ما له عنده شيء، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه كاذب إن له عنده حقه، فأمره أن يعطيه حقه، وكفارة يمينه، معرفته أن لا إله إلا الله، أو شهادته..