الدوحة «د.ب.أ»: تستعد العاصمة القطرية الدوحة لكتابة فصل تاريخي جديد في سجلات الرياضة الذهنية، حيث تحتضن النسخة المرتقبة لبطولة العالم للشطرنج السريع والخاطف لعام 2025 بين يومي الجمعة والثلاثاء المقبلين.
هذه النسخة لا تأتي كمجرد حدث عابر، بل تكرس مكانة الدوحة كواجهة أولى ومحطة مفصلية في مسار اللعبة عالميا، كونها المدينة الوحيدة التي نالت ثقة الاتحاد الدولي للشطرنج لاستضافة هذا المونديال مرتين، بعد نسخة عام 2016 التاريخية.
وتعد الدوحة مركز ثقل للشطرنج، استنادا إلى إرثها التنظيمي الفريد، ففي عام 2016، كانت قطر شاهدة على واحدة من أكثر النسخ إثارة، حين انتزع الأوكراني فاسيل إيفانشوك لقب بطولة العالم للشطرنج السريع، وخطف الروسي سيرجي كارياكين لقب فئة الخاطف من ماجنوس كارلسن.
هذا النجاح التنظيمي، مقرونا باستمرارية بطولة "قطر للأساتذة" التي تصنف كأقوى بطولة مفتوحة في العالم، جعل من قطر المقصد المفضل لأساطير اللعبة الذين يجدون في الدوحة بنية تحتية تضاهي كبرى العواصم العالمية.
تأتي نسخة 2025 بزخم غير مسبوق؛ حيث يتنافس أكثر من 230 لاعبا في قسم المفتوح، مع مشاركة نسائية واسعة، ليصل إجمالي الحضور ما يقارب 360 لاعبا ولاعبة من صفوة الأساتذة الكبار، ورصدت اللجنة المنظمة جوائز مالية ضخمة تصل في مجموعها إلى 700 ألف يورو لبطولتي السريع والخاطف، مما يزيد من حدة التنافس ويجعل من كل نقلة على الرقعة تساوي آلاف اليورو.
يدخل النرويجي ماجنوس كارلسن البطولة وهو يحمل عبء التاريخ وطموح الحاضر، بصفته المصنف الأول عالميا في السريع والخاطف، وصاحب الـ 12 تاجا عالميا.
يواجه كارلسن تحديا نفسيا جديدا هذا العام؛ فدخول عالم الأبوة حديثا قد يلقي بظلاله على تركيزه الفولاذي، كما يبرز الروسي إيان نيبومنياتشي المصنف الثاني عالميا، كأشرس الملاحقين، بما أن اللاعب الذي تقاسم لقب الخاطف في 2024، يصل الدوحة لفك عقدة "الوصيف الدائم" في الشطرنج السريع، متسلحا بسرعة بديهة استثنائية تجعله يتفوق في المواقف المعقدة التي تتطلب قرارات في أجزاء من الثانية.
المستقبل في الدوحة يتجسد في الأوزبكي نوديربيك عبد الستاروف، الذي صدم العالم في 2021 حين أصبح أصغر بطل عالم للشطرنج السريع وهو في السابعة عشرة، نوديربيك ليس مجرد موهبة، بل هو نتاج مدرسة أوزبكية هيمنت على منافسات الشطرنج، ويصل الدوحة وهو متعطش لاستعادة تاجه.
ويكتمل المشهد بالهندي أرجون إيريجايسي، الذي اكتسح بطولات عديدة في 2025، ويدخل المونديال وهو المصنف الأول في الهند، باحثا عن تتويج قاري في قلب الدوحة يثبت به أن عهد الهيمنة الهندية قد بدأ رسميا.
لا يمكن إغفال وجود ليفون أرونيان 43/ عاما/، الذي لا يزال قادرا على مقارعة عمالقة اللعبة، والأمريكي فابيانو كاروانا الذي يبحث عن اللقب المفقود في خزائنه المرصعة بالذهب، كما يبرز الروسي دانييل دوبوف، "فنان الشطرنج" الذي يحظى بشعبية طاغية بسبب أسلوبه الجريء وابتكاراته التي تخرج عن المألوف، والفرنسي ماكسيم فاشييه لاجراف المتخصص في الشطرنج الخاطف.
أما المفاجأة المرتقبة، فهي مشاركة الأوكراني أولكسندر بورتنيك، "وحش الإنترنت" الذي يتواجد ضمن قائمة أول عشرة مصنفين في الخاطف، والذي يسعى لإثبات أن تفوقه الرقمي يمكن ترجمته إلى واقع ملموس وسط ضجيج القاعات وهيبة المنصات.
وتعني استضافة الدوحة لهذه النسخة أن قطر لا تنظم مجرد بطولة، بل تؤسس لمركز تدريب وتطوير عالمي، وتشير التوقعات إلى أن نسخة 2025 ستكون "نقطة الانكسار" في الهيمنة الفردية؛ فإما أن يؤكد كارلسن أنه خارج التصنيف البشري، أو نعلن في الدوحة عن ميلاد "ملك جديد" ينتمي لجيل الذكاء الاصطناعي.
كما تشهد الدوحة صراعا لا يقل ضراوة في بطولة العالم للسيدات، وسط طفرة غير مسبوقة في الاهتمام الدولي باللعبة؛ حيث خصصت جوائز مالية قدرها 300 ألف يورو لمنافسات السريع والخاطف للسيدات من إجمالي جوائز البطولة.
وتأتي هذه النسخة لتعكس التحول الجذري في الشطرنج النسائي، الذي انتقل من مجرد المشاركة إلى صناعة نجمات يتمتعن بتأثير عالمي واسع وقوة تنافسية هائلة، مدعومات ببرامج الاتحاد الدولي التي رفعت نسبة التمثيل النسائي وزادت من ميزانيات البطولات الكبرى.
تتصدر الصينية جو وينجون قائمة المرشحات في الدوحة، إذ تعد "المعيار الذهبي" للشطرنج النسائي حاليا بعد دفاعها الناجح عن لقب بطلة العالم لخمس مرات متتالية، وتمتاز جو بقدرة فائقة على الحفاظ على هدوئها في جميع أنماط التحكم الزمني، مما يجعلها الهدف الأول لجميع الطامحات باللقب، وتبرز مواطنتها تان تشونجي كأبرز المنافسات، وهي التي خاضت معها صراعا مريرا على مدار العقد الماضي، وتعرف بلقب "المقاتلة" لقدرتها الاستثنائية على الصمود في المواقف الدفاعية الصعبة وقلب الطاولة في اللحظات الأخيرة.
كما يبرز في الدوحة حضور الجيل الصاعد الذي يهدد عرش الخبيرات، وتقوده الأوزبكية بيبايسارا أسوبايفا، "ملكة الخاطف" التي دخلت موسوعة جينيس كأصغر بطلة عالم في هذا التخصص، والتي حصلت رسميا على لقب "أستاذ كبير في عام 2025، وتنافسها بقوة الهندية هامبي كونيرو، حاملة لقب بطولة العالم للسريع الحالية، والتي تعتمد على تكنيك كلاسيكي رصين يجعلها من أصعب اللاعبات انكسارا في المواجهات المباشرة.
وتكتمل قائمة النخبة بأسماء خبيرة مثل الروسية ألكسندرا جورياتشكينا المعروفة بأسلوبها التكتيكي الصارم، والفرنسية كاترينا لاجنو المتوجة بلقب الخاطف ثلاث مرات، والمخضرمة ألكسندرا كوستنيوك بطلة العالم السابقة، ومع وجود الصاعدة الصينية تشو جينير، متصدرة الجائزة الكبرى، والهندية هاريكا درونافالي، تشتعل المنافسة بين 10 أسماء يمثلن قمة الهرم الشطرنجي، حيث ستكون الدوحة هي الميدان النهائي لحسم صراع الزعامة النسائية في عالم السرعة والذكاء لعام 2025.