الحروب بالوكالة هو مصطلح سياسي تم استخدامه من قبل القوى الاستعمارية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية واستراتيجية بعيدًا عن المواجهة العسكرية المباشرة .

ولعل عددًا كبيرًا من حروب الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية كانت حروبًا بالوكالة، خاصة في أمريكا اللاتينية، وفي إفريقيا، وحتى في منطقة الشرق الأوسط، حيث وجود الكيان الصهيوني منذ عام ١٩٤٨.

وكان نتيجة تلك الحروب القاسية تمزيق الأوطان، وخلق صراعات وحروب محلية تمهيدًا لتحقيق مكاسب حيوية تخدم مشاريع وخطط تلك الدول التي ابتعدت ظاهريًا عن تلك الحروب، ولكنها كانت المحرك والداعم الأساسي لها.

وعلى ضوء ذلك، شهدت العقود الأربعة الأخيرة نشوب حروب وصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وربما يكون النموذج الأبرز هو اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام ١٩٨٠، والتي تواصلت على مدى ثماني سنوات.

صحيح أن تلك الحرب في ظاهرها وعمقها وأهدافها الاستراتيجية هي بين طهران وبغداد، لكن الحقيقة ومن خلال ظهور عدد من الوثائق والكتب السياسية من القيادات الغربية، وتحديدًا الأمريكية، فإن هدف واشنطن هو تشجيع تلك الحرب بهدف إضعاف البلدين؛ بدليل تزويد الطرفين بالسلاح تحت دعاوى مختلفة.

ولعل قضية ايران جيت حول تمويل الولايات المتحدة الأمريكية بيع السلاح لإيران لا تزال حاضرة. كذلك تزويد المخابرات الأمريكية للعراق بالمعلومات حول المواقع الإيرانية؛ بمعنى أشمل، كانت الحرب العراقية الإيرانية في ظاهرها وعملياتها هي حرب استنزاف بين البلدين الجارين المسلمين، العراق وإيران؛ لكنها من الناحية الاستراتيجية كانت حربًا خفية لتحقيق أهداف أمريكية لإخراج البلدين من المعادلة العسكرية والاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وتأمين الأمن للكيان الصهيوني.

ومن هنا، يمكن اعتبار تلك الحرب القاسية وفق المعطيات الموضوعية حربًا بالوكالة ويمكن القياس على ذلك عشرات الحروب والصراعات في ظل استراتيجية الدولة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية للسيطرة على القرار الدولي، وفرض هيمنة سياسية تخدم القوة الإمبراطورية الأمريكية التي اندفعت نحو القارات، بما تحويه من ثروات ومواقع وممرات بحرية، في ظل تراجع أوروبا التي خرجت منهكة بعد الحرب العالمية الثانية.

الحرب السوفييتية على أفغانستان عام ١٩٧٩ كانت في حقيقتها حرب استنزاف بالوكالة من خلال الدعم الأمريكي وآخرين في المنطقة لدعم مشروع الجهاد للتخلص من الاحتلال الشيوعي؛ بمعنى أن السردية الأمريكية اعتمدت على مفهوم الدين مقابل الإلحاد. ولكن الوثائق الأمريكية، ومذكرات عدد من السياسيين الأمريكيين، ومنهم برجينسكي مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، قالت حينها إن الهدف الاستراتيجي الأمريكي هو توريط الاتحاد السوفييتي في حرب استنزاف يخرج منها منهكًا، وقد يقود ذلك الإنهاك إلى تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، وهذا ما حدث عام ١٩٩١؛ ففي حين إن القتال من قبل قوات المجاهدين الأفغان والعرب كان صادقًا لإخراج المحتل السوفييتي من أرض إسلامية. لكن الهدف الاستراتيجي الأمريكي له مآرب واضحة؛ إذ هي حرب حقيقية بين الغزاة والمجاهدين، ولكنها كانت حرب استنزاف أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية وعدد من الدول العربية والإسلامية. إذن، حروب المنطقة في أحيان كثيرة هي حروب بالوكالة.

إن زرع الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة من خلال وعد بلفور عام ١٩١٧ هو مشروع لتحقيق أهداف ومصالح تنفذ من قبل الوكيل الإسرائيلي. وعلى مدى عقود أشعل الكيان الصهيوني عددًا من الحروب ضد الدول العربية، بتمويل من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وهي جزء من حروب بالوكالة لصالح المشروع الصهيوني العالمي. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية بعد بزوغ قوتها في أعقاب الحرب العالمية الثانية هي الداعم الأساسي للكيان الإسرائيلي عسكريًا واقتصاديًا واستخباراتيًا، وهذا أمر لا يخفيه المسؤولون الأمريكيون.

ولعل الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، هي جزء من تلك الاستراتيجية وتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، بحيث تكون قاعدته الأساسية إسرائيل وبعض الدول التي طبعت مع الكيان الإسرائيلي، لتنفيذ ذلك المشروع على حساب القضية الفلسطينية، وآمال وطموحات أكثر من ٤٠٠ مليون عربي.

الذي يدور الآن من حروب محلية وإقليمية في اليمن وسوريا وليبيا وفلسطين والسودان هي في حقيقتها حروب بالوكالة، تنفذها قوى محلية ممولة ماليًا وعسكريًا من الخارج بهدف تحقيق المكتسبات والأهداف الاستراتيجية؛ ومن هنا فإن تلك القوى المحلية هي فقط أداة، بوعي أو دون وعي، لتنفيذ تلك المخططات.

والتاريخ البعيد والقريب به الكثير من نماذج تلك الحروب والصراعات في القارات المختلفة، حتى قبل ظهور الدولة الحديثة، وسقوط الكنيسة في أوروبا وظهور الليبرالية والرأسمالية، التي شكلت العالم الحديث على أسس وقوانين محددة؛ تتمثل في وجود الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، وقضايا حقوق الإنسان، والديمقراطية، والكثير من القوة الناعمة، والتي تجمل في حقيقتها السلوكيات القاسية لتلك الحروب بالوكالة في مناطق متعددة من العالم.

والسؤال الأهم هنا: هل هناك مقاومة لتلك النزعة التوسعية والطموحات غير المنضبطة في عالم تلك الحروب وآثارها المدمرة على الشعوب؟

يبدو أن الحسم فيما يخص نتائج تلك الحروب بالوكالة سوف يعتمد على إرادات الشعوب أكثر من القوة المفرطة المستخدمة.

قد تنجح تلك الحروب والصراعات الإقليمية مرحليًا، ولكن مع الزمن وظهور لاعبين آخرين، وطموحات مختلفة، وربما مغامرين جدد، قد يتغير المشهد؛ حيث إن الكيان الإسرائيلي لم يتوقع عددًا من جبهات المقاومة خلال حرب طوفان الأقصى، وهذا تطور إستراتيجي مهم على صعيد الصراع العربي/ الإسرائيلي، بصرف النظر عن الأثر المباشر علي تلك المواجهات.

ولعبت جماعة أنصار الله دورًا لافتًا من خلال أحداث البحر الأحمر؛ حيث تم تحييد السفن التجارية والعسكرية التي كانت متجهة إلى الكيان الإسرائيلي، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية بكل جبروتها العسكري عقدت اتفاقًا سياسيًا مع أنصار الله لعدم ضرب السفن التجارية الأمريكية، كما أن صواريخ ومسيرات أنصار الله وصلت إلى الكيان الإسرائيلي.

المنطقة العربية في حالة توتر كبير، خاصة بسبب الصراع في اليمن وهاجس الانفصال، في ظل تمدد جماعة الانتقالي في حضرموت والمهرة، وفي ظل مغادرة رئيس الحكومة الشرعية اليمنية إلى السعودية بهدف التشاور.

والسؤال الأهم: هل الكيان الإسرائيلي بعيد عما يدور في اليمن، وفي سوريا، وليبيا والسودان، في ظل الحديث عن الحروب بالوكالة، وعن المخططات الاستراتيجية نحو تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، وفي ظل إدارة ترامب الحالية التي تريد إنهاء الحروب، وإقامة الشرق الأوسط المزدهر اقتصاديا؟

الحقيقة تقول: إن هناك خططًا إستراتيجية للسيطرة والنفوذ على ممرات بحرية ممتدة من اليمن والقرن الأفريقي إلى السودان وإفريقيا؛ وهذا يعني أن تلك الحروب هي سلسلة من المخططات المدروسة، والتي سوف تشكل في نهاية المطاف مشروعًا استراتيجيًا متكامل الأركان والآليات.

أما مسألة المجتمع الدولي، وآليات السلام العادل والشامل، فيبدو أن هذه المصطلحات الإيجابية، ظاهريًا، هي بعيدة عن التفكير الأمريكي تحديدًا؛ حيث يقول الرئيس الأمريكي ترامب في تصريحات أخيرة له: إنه يحترم الأقوياء، ولا يحترم الضعفاء. وهنا الرسالة واضحة، فهل من يعتبر؟

عوض بن سعيد باقوير صحفـي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة