ترجمة: أحمد شافعي -

في يناير من العام الحالي، تم تصوير أنس الشريف محمولا على الأعناق بعد أن خلع خوذته وسترته الواقية للاحتفال بوقف إطلاق النار في غزة الذي سوف يثبت أنه مؤقت للغاية. وفي صيف العام نفسه، انهار الصحفي الفلسطيني وهو ينقل أخبار المجاعة في مدينة مسقط رأسه التي أصبحت منطقة حربية؛ فإذا بواحد من المارة يقول له «اثبت يا أنس، إنك صوتنا».

لكن شعبية أنس الشريف في غزة حولته إلى هدف. وفي يوليو، حذرت الهيئات الدولية من الخطر الذي يتعرض له مع قيام القوات الإسرائيلية بتصعيد هجمات على الإنترنت وصفته فيها زورا بأنه إرهابي في حماس.

أصرت قناة الجزيرة ـ التي كان يعمل لحسابها ـ على أنه يقصر عمله الصحفي على مستشفى الشفاء ويُوفّر له قدر أكبر من الحماية وذلك بعد مقتل أبيه وكثير من زملائه.

في أغسطس، قبل شهور قليلة من عيد ميلاده التاسع والعشرين، تعرض الشريف وستة غيره للقتل في هجمة مباشرة على الخيمة الإعلامية المجاورة للمستشفى. وفي منشور له بعد وفاته قال «إذا بلغتكم هذه الكلمات، فاعلموا أن إسرائيل نجحت في قتلي وإخراس صوتي».

ليس أنس الشريف غير واحد من سبعة وستين إعلاميا محترفا لقوا مصرعهم في عام 2025 وهم يؤدون مهام عملهم، وجاء ذكرهم في التقرير السنوي لسلامة الصحفيين الصادر عن منظمة صحفيون بلا حدود المناصرة لحرية الصحافة. بل إن الاتحاد الدولي للصحفيين يمضي إلى أبعد من ذلك إذ قال إن مائة وأحد عشر صحفيا قد لقوا مصرعهم في عام 2025، وقرابة النصف منهم في غزة.

كل وفاة من تلك الوفيات مأساة وحدها، وانتهاك لحق الصحفيين في أن يشهدوا على ما يجري. لكن يجدر بنا أن نتذكر قصة الشريف، خاصة وأنه أصبح من الأمثلة رفيعة المستوى لتكتيك تشويه سمعة الصحفيين باتهامهم بالتحيز.

لقد أكد الجيش الإسرائيلي أنه استهدف الشريف، زاعما أنه كان يقود خلية إرهابية تابعة لحماس وأنه كان «مسؤولا عن شن هجمات صاروخية على مدنيين إسرائيليين» وأنه فعل ذلك كله بطريقة ما وهو ينفق الكثير من الوقت على الهواء.

ولقد أنكر جميع هذه الاتهامات مرات كثيرة ولم تعثر أي من الجماعات الكبرى المناصرة لحرية الصحافة ـ من قبيل لجنة حماية الصحفيين والاتحاد الدولي للصحفيين ومنظمة صحفيون بلا حدود أو حتى هيئات الأمم المتحدة ـ على أي دليل بصدق هذه المزاعم.

قالت إيرين خان، مقررة الأمم المتحدة الخاصة لحرية الرأي والتعبير إن «إسرائيل، من ناحية، ترفض السماح للصحفيين الدوليين بدخول غزة، ومن ناحية أخرى، تشوه بلا رحمة وتهدد وتعوق وتستهدف وتقتل القلة القليلة من الصحفيين المحليين الباقين بوصفهم عيون العالم الوحيدة على الإبادة الجماعية الجارية».

وفي أغسطس من عام 2024 دعت لجنة حماية الصحفيين إسرائيل إلى التوقف عن توجيه تهمة الإرهاب بلا أساس لتبرير قتلها وإساءة معاملتها للصحفيين الفلسطينيين.

وقد قالت لي فيونا أوبراين مديرة منظمة صحفيون بلا حدود في المملكة المتحدة إن قصة الصحفي الشاب «كانت مثالا بالغ القوة على طريقة الإسرائيليين في محاولة تشويه الصحفيين دونما تقديم أي دليل موثوق. هذا تكتيك عمدي تماما».

وهذا تكتيك ناجح. ففي ظل حظر الصحافة الدولية الذي تأبي إسرائيل أن ترفعه ـ وكان من المقرر نظر استئناف أمام محكمة إسرائيلية في الحادي والعشرين من ديسمبر ـ فإن الصحفيين الدوليين ممنوعون من دخول غزة إلا في رحلات عسكرية وبرفقة جنود. وهذا الحظر يزيد كثيرا من صعوبة حكي القصص الإنسانية التي تثير اهتمام الرأي العام وتؤدي إلى فعل سياسي مباشر.

تقول لي أوبرين إن الحظر لم يزد فقط من صعوبة قيام منظمات حرية الصحافة من قبيل صحفيون بلا حدود بتوفير الدعم ومعدات الأمان للصحفيين الذين يعملون وسط النار، ولكن غياب الشهود أيضا ييسر تشويه الصحفيين المحليين.

وفي عالم مرتبك ينتشر فيه الزعم والزعم المضاد سواء على مواقع التواصل الاجتماعي، ففي بعض الأحيان يكون الزعم وحده كافيا لغرس بذور الشك، وهذا في الوقت الذي تتراجع فيه عالميا الثقة بالصحافة بمعدل ينذر بالخطر.

لقد تعرض أكثر من مائتين وأربعين صحفيا فلسطينيا للقتل منذ هجمة حماس في السابع من أكتوبر التي بدأت الحرب.

وقد لقي كثير منهم مصرعهم ـ ومنهم الصحفية الأمريكية الفلسطينية البارزة شيرين أبوعاقلة ـ على يد قناصة إسرائيليين وهم يرتدون سترة الصحافة.

وقد قال جون وليمز المدير التنفيذي لمنظمة روري بيك التي تدعم الصحافة المستقلة إن «الصحفيين الفلسطينيين في غزة هم أعين العالم وآذانه وقد دفعوا ثمنا باهظا. وكثير منهم لم يكونوا صحفيين في بداية الحرب، ولكن عندما كان واحد يسقط، كان آخر يتناول الكاميرا الخاصة به ويواصل عمله».

قال لي عبدالله علي رئيس الاتصالات الدولية في قناة الجزيرة المملوكة للحكومة القطرية، إن الشبكة استطاعت أن تستبدل بكل الصحفيين الذين لقوا مصرعهم في غزة هذا العام صحفيين فلسطينيين آخرين. وفي مطلع ديسمبر، نقلت المجموعة الإعلامية زوجة أنس الشريف وطفلين صغيرين للغاية إلى الدوحة.

وبعد مرور وقت غير كبير على الهجمة التي تعرض لها الصحفيون على مقربة من مستشفى الشفاء في أغسطس، تقدمت منظمة صحفيون بلا حدود بشكواها الخامسة للمحكمة الجنائية الدولية، متهمة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في تعاملها مع الصحفيين الفلسطينيين. ومع ذلك يظل الصحفيون يتعرضون للقتل دونما جزاء. وثمة نذر بأن الوضع يتفاقم.

بعد أربعة أعوام فقط من حصول الصحفيين ماريا ريسا وديميتري مراتوف على جائزة نوبل للسلام بسبب محاسبتهما لأصحاب النفوذ، نجد على رأس أقوى بلد في العالم شخصا لا يخفي عداوته لمن ينتقدونه في الإعلام.

فمنذ تولي السلطة في يناير، قاضت إدارة ترامب منظمات إعلامية ـ من بينها هيئة الإذاعة البريطانية ـ مطالبة بتعويضات بمليارات الدولارات، ومنع ترامب الصحفيين المنتمين إلى منظمات أقل حظوة من حضور مؤتمرات البيت الأبيض الصحفية وأوقف تمويل وسائل الإعلام العامة، وعمل في الفترة الأخيرة على تقييد إصدار تأشيرات الدخول للصحفيين الأجانب، ولم يبد اكتراثا بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي قائلا إنها أمور تحدث.

والأمور التي تحدث تتضمن بعض أسوأ الأعمال الوحشية والهجمات غير المشروعة على مدنيين وآخرين في حماية القانون. ومع كل الاعتذار عن هذه الرسالة الكئيبة في نهاية العام، لا أملك إلا أن أقول إنه ما لم تتواصل قدرة الصحفيين على نقل أخبار هذه الأمور الرهيبة، فلن يكون عام 2026 خيرا من عام 2025، بل لعله يكون أسوأ كثيرا.

جين مارتينسن أستاذة الصحافة المالية في جامعة سيتي سانت جورج، وعضوة مجلس إدارة سكوت ترست، المالكة لمجموعة جارديان الإعلامية.

الترجمة عن ذي جارديان