تغطية - مي الغدانية / "تصوير: صالح الشرجي"

أكدت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الهند لا تمس سياسات التعمين، وتُطبق عليها جميع القوانين والأنظمة المعمول بها في سلطنة عُمان، بما يضمن أولوية تشغيل الكوادر الوطنية دون استثناء، مشيرةً إلى أن الاتفاقية ستسهم في توسيع آفاق التبادل التجاري وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، ليس بين البلدين فحسب، بل على مستوى المنطقة بأسرها.
جاء ذلك خلال اللقاء الإعلامي الذي عقدته الوزارة اليوم لشرح أبعاد وبنود الاتفاقية، بحضور معالي قيس بن محمد اليوسف، وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، الذي أكد أن الاتفاقية تتضمن آليات صارمة لمكافحة الإغراق والتدابير الوقائية، بما يحمي الصناعات الوطنية ويمنع أي ممارسات تجارية غير عادلة. كما أنها تتيح للمنتجات العُمانية نفاذًا تفضيليًا إلى سوق يتجاوز 1.4 مليار نسمة، ما يعزز الصادرات الوطنية ويقوي حضورها عالميًا، ويسهم في تعزيز مكانة سلطنة عُمان كمركز لوجستي وصناعي إقليمي وبوابة استراتيجية للأسواق الآسيوية.
وأوضح معاليه أن الاتفاقية تمثل رافدًا مهمًا لتنويع الإيرادات غير النفطية وتعزيز جاذبية الاستثمار، بما يتماشى مع مستهدفات "رؤية عُمان 2040"، مشيرًا إلى أن سلطنة عُمان هي الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك اتفاقية تجارة حرة مع أكبر اقتصاد عالمي (الولايات المتحدة) ومع رابع أكبر اقتصاد عالمي (الهند)، ويعد عالميًا ست دول فقط من بينها سلطنة عُمان، سنغافورة، كوريا الجنوبية، أستراليا، اليابان، وكندا، وقّعت اتفاقيات تجارة حرة مع كلا الاقتصادين معًا.
وأضاف معالي الوزير أن الاتفاقية تهدف إلى تمكين القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات النوعية، ونقل المعرفة، وتعزيز القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، مع الحفاظ على الثوابت الوطنية وحماية مصالح المواطنين.
وبيّن معاليه أن الاتفاقية تمثل خطوة مهمة في مسار تعزيز التعاون الاقتصادي بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند وفتح مجالات جديدة للاستثمار والتجارة، موضحًا أن المفاوضات استندت إلى دراسات متخصصة، من بينها دراسة اقتصادية أعدتها شركة “ديلويت آند توش” بتكليف من الوزارة، أكدت الجدوى الاقتصادية للاتفاقية وقدرتها على تعزيز القيمة المضافة ودعم تنافسية الصادرات العُمانية في الأسواق العالمية.
ولفت معالي وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار إلى أن المفاوضات جرت عبر خمس جولات رئيسية خلال الفترة من 2023 حتى 2025، وشملت الأطر العامة والفصول القانونية والتنظيمية، والمراجعات الفنية لقواعد المنشأ، والتدابير الصحية والفنية، وتيسير التجارة، والتجارة في السلع والخدمات، والمعالجات التجارية، إضافة إلى فصول التعاون، والملكية الفكرية، وتسوية المنازعات، وأسفرت عن صياغة نهائية متوازنة تراعي مصالح الطرفين وتحافظ على التزامات السلطنة الإقليمية والدولية.
وأوضح معاليه أنه بموجب الاتفاقية حصلت سلطنة عُمان على معدل متقدم من تحرير التجارة بلغ 97.4% من إجمالي السلع العُمانية وفق حجم الصادرات القائمة، فيما بلغ إجمالي النفاذ إلى الأسواق الهندية نحو 77.8%، مع تحرير خاص لعدد من السلع ذات الأهمية الاستراتيجية للصناعات الوطنية. وفي المقابل، منحت سلطنة عُمان الجانب الهندي تحريرًا جمركيًا تدريجيًا وفق جداول زمنية واضحة، وصولًا إلى مستوى 99.22%، بما يتماشى مع السياسات الاقتصادية الوطنية ومتطلبات حماية الصناعات المحلية.
أصوات متصاعدة
وجرى خلال المؤتمر الصحفي طرح عدد من التساؤلات من الصحفيين والإعلاميين والخبراء، إلى جانب ناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، تمحورت حول المأذونيات الممنوحة للعمال في الشركات الهندية والعُمانية، ومدى صحة ما أُثير بشأن مدتها البالغة عامين والقابلة للتجديد، وما إذا كان الجانب الهندي قد تمكن خلال المفاوضات من استبدال هذه المأذونيات بتأشيرات عمل.
كما تطرقت الأسئلة إلى ما إذا كان هناك استعجال في توقيع الاتفاقية، وما إذا كانت ستسهم في استقطاب صناعات ضخمة إلى سلطنة عمان .
وبرزت كذلك تساؤلات حول إدارة هذا الملف إعلاميًا، وقلق الشارع العُماني الناتج عن غياب بعض التفاصيل، وانعكاس ذلك على الصورة العامة لسوق العمل والوظائف العليا، إلى جانب الاستفسار عن مبدأ عدم التمييز بين الشركات، وإمكانية منافسة الشركات الهندية لنظيرتها العُمانية، فضلاً عن استيضاح المرحلة المقبلة وما الذي تحمله مرحلة ما بعد الاتفاقية.
وأكد معالي الوزير ردا على هذه التساؤلات أن اتفاقيات التجارة الحرة تمثل أحد المحركات الرئيسة لنمو الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أن توسّع سلطنة عمان في هذه الاتفاقيات يفتح آفاقًا أوسع للتجارة والاستثمار.
وأوضح أن فترة التفاوض التي امتدت لنحو عامين كانت كافية ومهمة، ولم يتم التعجل في إبرام الاتفاقية، حيث خضعت لمشاورات موسعة شملت خبراء وفرق عمل متخصصة، وتم خلالها إثراء بنودها ومراجعتها بعناية، لافتًا إلى أن بعض الاتفاقيات لا تكون جاهزة في مراحلها الأولى.
وبيّن أن هذه الاتفاقية تُعد أول اتفاقية تجارة حرة ثنائية تبرمها سلطنة عُمان منذ عام 2006، مؤكدًا أن جميع الاتفاقيات الموقعة تراعي بشكل كامل سيادة الدولة، بما في ذلك ما يتعلق بسياسات التعمين وتنظيم سوق العمل.
وفيما يخص التعمين وسوق العمل، نوه معاليه على أن الاتفاقية لم تمس بسيادة سلطنة عمان في هذا الجانب، حيث ستُطبق نسب التعمين على الشركات المشمولة بالاتفاقية أسوة بغيرها، كما ستخضع هذه الشركات لكافة سياسات وزارة العمل.
وأوضح أن جميع العاملين في سوق العمل ملزمون بالحصول على تراخيص من وزارة العمل، وأن بعض التأشيرات التي تصدر عبر جهات أخرى لا تتيح لحاملها العمل داخل سلطنة عمان .
كما أشار معاليه إلى أن أعداد العمالة الهندية تشهد حاليًا انخفاضًا نتيجة تحسن الأجور والفرص في السوق الهندية، مؤكدًا أن الامتيازات الممنوحة لرواد الأعمال ضمن برامج وزارة العمل لا يمكن للشركات الاستثمارية الاستفادة منها، وبالتالي لن تتأثر.
ولفت معاليه إلى أن الاتفاقية إلى أن صِغر حجم السوق المحلي يتطلب التوسع في الأسواق الخارجية، مما يسهم في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز برامج التدريب والتأهيل.
وحول المناقصات، أوضح معاليه أن كل دولة تطبق أنظمتها الخاصة في هذا المجال، وهو ما يختلف عن بعض الاتفاقيات السابقة، مثل الاتفاقية الموقعة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يتعلق بقوانين حماية المنافسة ومنع الاحتكار، أكد أن الاتفاقية لم تقيّد حق الدولة في حماية المنافسة، وأن هذا الحق محفوظ ومكفول بشكل واضح.
وأما فيما يخص الإغراق، فأشار إلى أن الاتفاقية، دون شك، تفتح الأسواق أمام تدفق الواردات، إلا أن كل طرف ملتزم ببنود واضحة تحول دون الإضرار بالسوق المحلي أو الإخلال بالتوازن التجاري.
وبين معاليه إلى أن الجانب الإعلامي كان حاضرًا خلال مراحل الإعداد للاتفاقية، حيث جرى الالتقاء بعدد من الإعلاميين قبل التوقيع، ضمن نهج يقوم على الشفافية والتخطيط الإعلامي المسبق.
وأكد أن هناك صناعات قائمة في سلطنة عُمان تستهدف التصدير إلى الهند والولايات المتحدة ودول أخرى، مشيرًا إلى أن العالم يضم نحو ست كتل تجارية تجمع بين الولايات المتحدة والهند، ما يفتح فرصًا إضافية أمام المنتجات العُمانية.
وفيما يتعلق بالإيرادات والرسوم الجمركية، أوضحوا أن التعرفة الجمركية في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي تبلغ 5%، مع إعفاء العديد من السلع، مؤكدين أن السوق مفتوح، وأن سلطنة عمان حصلت على ميزة نسبية مقارنة بعدد من الدول الأخرى.
تكاليف الشحن
وأكد معالي الوزير أن الاتفاقية دخلت حيز النفاذ، وأن مرحلة ما بعد الاتفاقية تحمل فرصًا واعدة، خاصة في مجال التصدير، حيث وصلت الصادرات العُمانية إلى مستويات عالمية من حيث القيمة والحجم. وأوضح أن خفض الرسوم الجمركية من نحو 40% إلى 0% يمنح المنتجات العُمانية ميزة تنافسية كبيرة، إلى جانب قرب السوق الهندية وانخفاض تكاليف الشحن.
وأشار معاليه إلى أن محدودية حجم السوق المحلي تفرض ضرورة تعزيز الصادرات، وأن مثل هذه الاتفاقيات تسهم في زيادة الصادرات وجذب رؤوس الأموال.
وأكدت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار على أهمية فهم البيئة السياسية والإعلامية لكل دولة، مشيرًا إلى أن الاتفاقية هي اتفاقية شراكة لا تقوم على منطق الرابح والخاسر، مشيرة إلى أن سلطنة عُمان عازمة على تعزيز موقعها الإقليمي في التجارة العالمية، وأن هذه الاتفاقية تمثل نواة لهذا التوجه، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي كمركز إقليمي يربط بين آسيا وإفريقيا ومنطقة الخليج العربي.
وأوضح ممثلو مجلس عُمان أن مشروعات الاتفاقيات، إلى جانب الموازنات والقوانين، تُحال إلى المجلس لمراجعتها، مشيرين إلى أنه جرى الاطلاع على قوائم الالتزامات في قطاع الخدمات، والتي تحمل مؤشرات إيجابية فيما يتعلق بالتعمين ومنع الإغراق.
كما أشاروا إلى أن الاتفاقية ستخضع للتقييم كل ثلاث سنوات، بما يضمن تعظيم أثرها الاقتصادي والتجاري.
الجدير بالذكر أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند تضم 16 فصلًا رئيسيًا، إضافة إلى مجموعة من الملاحق الفنية، تشمل تنظيم التجارة في السلع، والمعاملة الوطنية، وإلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية، وإجراءات الاستيراد والتصدير، وقواعد المنشأ، والمعالجات التجارية، والتدابير الصحية والفنية، وتيسير التجارة، فضلًا عن فصول الملكية الفكرية، وحركة الأشخاص الطبيعيين، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتعاون الاقتصادي والتقني، إلى جانب فصل خاص بالتجارة في الخدمات ينظم النفاذ إلى الأسواق والمعاملة التفضيلية ومتطلبات الشفافية.