تهدف الاتفاقيات الاقتصادية إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وتنويع مصادر الدخل، وتشجيع الاستثمار، وإيجاد فرص عمل، إضافة إلى تقوية العلاقات بين الدول. فالاتفاقيات الاقتصادية أداةٌ مهمة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تشجيع الاستثمار الأجنبي، وتحسين مستوى دخل الدولة بعيدًا عن تقلبات أسعار النفط، فهي حماية للمستقبل لا تهديد للحاضر.

حديثًا، دخلت كل من سلطنة عُمان وجمهورية الهند الصديقة مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية بعد التوقيع على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA)، وما يميّز الاتفاقية أنها ستعمل على تعزيز التعاون التجاري بين البلدين، حيث يقدر حجم التجارة المتبادلة بين الهند وعُمان بنحو 10 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يرتفع حجم التجارة كثيرا بعد تفعيل بنود الاتفاقية؛ بسبب موقع سلطنة عُمان الاستراتيجي المطل مباشرة على بحر العرب والمحيط الهندي، ما يجعل موانئها بوابة لدخول المنتجات الهندية للأسواق الخليجية، وبوابة لدخول الاستثمارات الهندية إلى دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصا أن موانئ سلطنة عُمان متطورة وبالتالي ستكون مركزا للتصدير من الهند إلى الأسواق الخليجية.

الاقتصاد الهندي من بين أكبر خمسة اقتصادات عالمية، ويقدّر حجمه بأكثر من 4 تريليونات دولار، حيث سجّل نموّا 7.4% بنمو إجمالي يقدّر بنحو 6.2% خلال العام 2025م.

كذلك السوق الهندي يستهدف أكثر من 1.4 مليار مستهلك تتجاوز قيمة السوق 17 تريليون دولار، وبالتالي هناك فرص لوصول المنتجات العُمانية والخليجية عموما إلى أحد أكبر الأسواق عالميا.

في المقابل سيستفيد السوق العُماني من المواد والتقنيات الهندية في التصنيع والإنتاج دون فرض رسوم على توريدها وبالتالي تكلفة أقل للمنتجات العُمانية ووصول أسهل للمستهلك.

أيضًا من فوائد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة أنها لن تمس بسياسة التعمين، ولن تمس القرارات المرتبطة بالمهن المحصورة على العُمانيين، وكذلك ستراقب سلطنة عُمان آثار الاتفاقية باستمرار على السوق العُماني من حيث الإغراق المتوقع حدوثه؛ نتيجة تدفق المنتجات الهندية، وإعفائها من الرسوم الجمركية؛ وبالتالي فإنه لن يكون هناك إغراق في السوق العُماني بالمنتجات الهندية، وسيتم تطبيق رسوم على الواردات لحماية السوق من الإغراق وحماية المنتج المحلي.

ما يبعث التفاؤل في اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين عُمان والهند، هو التحول في العلاقة الاقتصادية بين البلدين من تبادل السلع إلى تكامل اقتصادي يشمل الصناعة، والخدمات، والاستثمار، وسلاسل الإمداد التي ستكون آمنة بعيدًا عن التوترات في المضايق وإرباك حركة الملاحة البحرية.

أيضا ميزة الاتفاقية أنها تتضمن التزامًا بسياسات التعمين ضمن بنود الاتقاقية ومع دخول استثمارات جديدة ستتولد فرص عمل جديدة بتخصصات مختلفة وبأعداد كبيرة.

كذلك ستسهم الاتفاقية في توطين الاستثمارات في المناطق الحرة، وسيتم حماية المنتج المحلي من الإغراق نتيجة تدفق المنتجات من الهند، لكن الأهم من ذلك هو تنوع الخيارات للمنتجات وبالتالي تنافسية أكبر بين أسعارها في السوق العُماني.

حقيقة ما أرجوه أن تستفيد الصناعات العُمانية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الخبرات الهندية في الإنتاج والتصنيع واستيراد المواد من الهند أو عن طريقها؛ لانخفاض تكلفتها بسبب الإعفاء من الرسوم الجمركية بين البلدين ضمن بنود اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين البلدين.

تابعت الفترة الماضية كمًّا من التفاعل غير الدقيق مع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند، وفي ظني نحن بحاجة إلى إعادة تشكيل الوعي المجتمعي القائم على النقد البنّاء، والتحليل الموضوعي في التفاعل مع الموضوعات الاقتصادية. وأرى أن الحد من هذه الممارسات يتطلب تعاونًا مؤسسيًا لترسيخ مبدأ النقد البنّاء والتحليل الموضوعي عند التفاعل مع الموضوعات المرتبطة بالجانب الاقتصادي تحديدا؛ لأن مسار التنويع الاقتصادي يتطلب فكرًا ووعيًا يعاد تشكيله مع تغيّر السياسات والاتجاهات الحكومية نحو بناء اقتصاد مستدام مبني على عقد الشراكات الاقتصادية بعيدًا عن أسعار النفط.

ولتحقيق ذلك، لابد أن تبذل المؤسسات التعليمية جهدًا مضاعفًا لتحرير الفكر المجتمعي من نطاق حدود ذهنية ضيّقة من خلال تشجيع الطلبة على البحث والتحليل والمناقشة.

حقيقة أتفهم الهاجس المجتمعي من توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين جمهورية الهند وسلطنة عُمان التي تبيّن أنه مرتبط بموضوع تعمين الوظائف في الاستثمارات الهندية في سلطنة عُمان بعد سريان الاتفاقية، رغم أن وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أكدت استمرار تطبيق الأنظمة الوطنية الخاصة بالتعمين، وبالتالي سيطبق نظام التعمين على الوظائف الناتجة عن الاستثمارات الهندية خلال الفترة المقبلة، وينبغي عدم الانجرار خلف الآراء الواهية والمنطلقات غير الدقيقة التي أدت إلى تولّد هاجس التعمين. كما أنصح الجميع بعدم التسرّع في إطلاق الأحكام على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الهند وعُمان، حيث سيتم في المؤتمر الإعلامي الذي تنظمه وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار اليوم شرح أبعاد وبنود الاتفاقية، وهي مبادرة مقدّرة من الوزارة في سبيل تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند الصديقة.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي