تحقيق - فيصل السعيدي
لم يعد الإقصاء المبكر لمنتخبنا الوطني الأول لكرة القدم من بطولة كأس العرب 2025 حادثة عابرة يمكن المرور عليها بعبارات التبرير أو التخفيف، بل تحوّل إلى علامة فارقة تعكس عمق الأزمة التي تعيشها كرة القدم العُمانية، وتكشف حجم الخلل المتراكم في منظومة باتت عاجزة عن مجاراة أبسط متطلبات المنافسة الإقليمية، ناهيك عن الطموحات القارية والدولية.
أربع نقاط فقط، وخروج من الدور الأول، وأداء متذبذب افتقد الهوية والفاعلية، لم تكن سوى النتيجة المنطقية لمسار طويل من القرارات المؤجلة، والعمل غير المستقر، والاعتماد المفرط على حلول مؤقتة، في وقت تآكلت فيه القاعدة، وضعف فيه الدوري، وتأخر فيه الإحلال التدريجي لعناصر المنتخب الأول حتى بات التغيير ضرورة لا خيارًا.
وبعد هذا الخروج، تتصاعد الأسئلة حول مستقبل المنتخب الوطني الأول لكرة القدم، وجدوى العمل القائم في الدوري والمراحل السنية، وسط إجماع فني على أن الإحلال التدريجي، وإصلاح القاعدة، وإعادة هيكلة المنظومة باتت خيارات لا تقبل التأجيل، وأعاد خروج منتخبنا الوطني الأول تسليط الضوء على واقع المنظومة الكروية في سلطنة عُمان، وفتح باب النقاش مجددًا حول مدى جاهزية المنتخب، وجودة مخرجات الدوري المحلي، وفاعلية العمل القاعدي في المراحل السنية، في ظل تحديات فنية وإدارية متراكمة فرضت نفسها على المشهد العام. ورغم أن المشاركة أسفرت عن جمع أربع نقاط من ثلاث مباريات، إلا أن القراءة الفنية الموضوعية تكشف أن النتائج لم تكن بمعزل عن سياق تراكمي طويل شمل غياب الاستقرار الفني، وتأخر الإحلال والتجديد، وضعف التنافسية المحلية، إلى جانب محدودية الخيارات النوعية القادرة على إحداث الفارق على مستوى المنتخب الأول.
كما لم يكن خروج منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم من الدور الأول للبطولة، مجرد تعثر عابر في بطولة إقليمية، بقدر ما شكّل جرس إنذار جديد أعاد إلى الواجهة حجم التحديات المتراكمة التي تواجه كرة القدم العُمانية، وفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات مشروعة حول واقع المنظومة الكروية، وجدوى السياسات الفنية والإدارية المتبعة، ومستقبل المنتخب في ظل غياب حلول جذرية واضحة.
الإقصاء المبكر، الذي جاء بعد حصيلة متواضعة بلغت أربع نقاط في مجموعة ضمت منتخبات السعودية والمغرب وجزر القمر، لم يُسقط المنتخب وحده من حسابات المنافسة، بل أسقط معه الكثير من الآمال والطموحات التي علّقتها الجماهير على مشاركة كانت تُعد اختبارًا حقيقيًا لمرحلة ما بعد التغييرات الفنية الأخيرة، ومرآة تعكس حقيقة العمل التراكمي في السنوات الماضية.
وبلا شك أن كرة القدم العُمانية لا تعاني من نقص في الطموح، لكنها تفتقر إلى خارطة طريق واضحة تُحدد الاتجاه، وتضبط الإيقاع، وتمنح الأجيال القادمة فرصة حقيقية لاستعادة الثقة والمنافسة، وبين الإخفاق والفرصة، تبقى المرحلة المقبلة اختبارًا صريحًا لمدى جاهزية منظومتنا الكروية على اتخاذ القرار الشجاع قبل أن تتسع الفجوة أكثر، ويصبح الإصلاح أكثر كلفة وتأخيرًا.
وفي ظل هذا المشهد، كان لزامًا على «عُمان» أن تواصل التحقيق وأن تفتح ملف الإخفاق بجرأة ومسؤولية، بعيدًا عن جلد الذات أو البحث عن شماعات جاهزة، من خلال تحقيق صحفي يستنطق آراء عدد من المدربين الوطنيين الذين أجمعوا رغم اختلاف زوايا الطرح، على أن الأزمة أعمق من نتيجة مباراة أو بطولة، وأن جذورها تمتد إلى ضعف مسابقة الدوري، وغياب العمل القاعدي المنظم في المراحل السنية، وتأخر الإحلال التدريجي لعناصر المنتخب الأول، وافتقاد التخطيط الاستراتيجي المستدام.
كما نستعرض في هذا التحقيق، آراء وتحليلات عدد من المدربين الوطنيين الذين قدموا قراءات مختلفة لأسباب الإخفاق، واتفقوا في جوهرها على أن الحل لا يكمن في تحميل المسؤولية لطرف واحد، بقدر ما يتطلب مراجعة شاملة للمنظومة بأكملها، تبدأ من تطوير الدوري والمراحل السنية، وتمر بتكامل الأدوار بين الاتحاد والأندية، وتنتهي ببناء رؤية فنية طويلة المدى تضمن الاستدامة والتدرج الطبيعي في صناعة اللاعب. تحقيق يفتح نافذة للنقاش الهادئ، ويضع التصورات الفنية على طاولة البحث، بعيدًا عن ردود الفعل الآنية، وبقرب أكبر من منطق التخطيط الواقعي.
وعلت أصوات المدربين الوطنيين مطالبة بإعادة النظر في الملفات الكروية الساخنة، محذرين من أن الاستمرار في النهج ذاته لن يفضي إلا إلى مزيد من التراجع، وأن كرة القدم العُمانية تقف اليوم عند مفترق طرق حاسم (إما الشروع في إصلاحات جذرية تبدأ من القاعدة ولا تنتهي عند المنتخب الأول، أو البقاء أسرى دائرة الإخفاق وتدوير الأسباب ذاتها مع كل مشاركة خارجية).
حيث رأى المدربون أن المنتخب يدفع اليوم ثمن تراكمات سابقة في العمل غير المنظم، وأن استمرار الاعتماد على حلول مؤقتة وترقيعية لن يفضي إلا إلى مزيد من التراجع، محذرين من اتساع الفجوة الفنية بيننا وبين المنتخبات المنافسة، في وقت تتسارع فيه وتيرة التطوير من حولنا، بينما تظل الكرة العُمانية حبيسة دائرة الركود والانتظار.
وبين من دعا إلى تشكيل منتخب رديف، والاستغناء التدريجي عن الحرس القديم، ومن شدد على أن المنظومة بأكملها بحاجة إلى إعادة هيكلة تبدأ من القاعدة ولا تنتهي عند المنتخب الأول، اتفقت الآراء على أن المرحلة المقبلة تتطلب قرارات شجاعة، واستثمارًا حقيقيًا في المراحل السنية، وتحويل كرة القدم من نشاط تقليدي إلى صناعة ذات هوية ورؤية واضحة، قبل أن يتحول الإخفاق من استثناء مؤلم إلى واقع دائم يصعب الفكاك منه. تحقيق «عُمان» يضع الأسئلة الصعبة على الطاولة، ويبحث عن إجابات قبل فوات الأوان.
ولا يبدو إخفاق منتخبنا الوطني الأول في بطولة كأس العرب 2025 مجرد نتيجة عابرة أو كبوة ظرفية، بقدر ما يعكس صورة مكتملة لواقع كروي مأزوم تشكل عبر سنوات من العمل المتقطع، وغياب التخطيط طويل المدى، وتأجيل القرارات الصعبة التي كان يفترض اتخاذها في وقت أبكر.
المدربون الوطنيون، رغم اختلاف زوايا الطرح وتباين أساليب التقييم، أجمعوا على حقيقة واحدة لا تحتمل التأويل: الأزمة أعمق من مدرب، وأوسع من بطولة، وأخطر من أن تُعالج بحلول مؤقتة. ضعف مسابقة الدوري، هشاشة العمل القاعدي في المراحل السنية، تأخر الإحلال والتجديد، محدودية الخيارات الفنية، وغياب التكامل المؤسسي بين الاتحاد والأندية، كلها عوامل تراكمت لتفرز هذا المشهد الذي بات مألوفا مع كل استحقاق خارجي.
ما بين الدعوة إلى تشكيل منتخب رديف، والاستغناء التدريجي عن الحرس القديم، وإعادة الاعتبار لمنتخبات المراحل السنية، وتحويل كرة القدم إلى مشروع وطني قائم على التخطيط والاستدامة، يظل التحدي الحقيقي كامنًا في القدرة على الانتقال من تشخيص الخلل إلى تنفيذ الحلول، ومن ردود الفعل الآنية إلى بناء رؤية فنية شاملة تتسق مع متطلبات العصر.
أحمد العلوي: غياب الاستقرار الفني وكثرة التجارب كشفا حجم الخلل في المرحلة الراهنة -
أسهب المدرب الوطني أحمد بن مبارك العلوي في الحديث عن مدى تأثير تبعات وتداعيات الإقصاء المرير لمنتخبنا الوطني من الدور الأول في بطولة كأس العرب ٢٠٢٥ بقطر، وفي هذا الشأن علق قائلا: فنيا لم يكن منتخبنا الوطني بحجم السوء الذي فاق توقعاتنا قبل البطولة.
وفي سياق متصل أردف العلوي قائلا: فشل منتخبنا الوطني في بلوغ الدور ربع النهائي لبطولة كأس العرب، ولكن ينبغي علينا أن نقر أنه لا يمكن القفز فوق الواقع؛ نظرا لغياب عامل الاستقرار الفني الذي مرجعه عدم الثبات على تشكيلة أساسية واحدة، والتباين على مستوى الخيارات، إذ لاحظنا أن المدرب البرتغالي كارلوس كيروش قد لجأ لإحداث تغييرات كثيرة على مستوى خط الدفاع ووسط الملعب بالإضافة إلى خط الهجوم، مما ولد حالة من عدم الاستقرار في الجانب الفني، والدليل على ذلك استبعاد المنذر العلوي من قائمة المنتخب الوطني ومن ثم استدعاؤه مجددا لقائمة منتخبنا.
وفند العلوي إقصاء منتخبنا المبكر من دور المجموعات في بطولة كأس العرب بقوله: على المستوى العام للبطولة استطعنا كسب أربع نقاط وهذه تعد نتيجة طبيعية للعمل التراكمي الذي سبق الشروع في خوض غمار منافسات البطولة، حيث كانت الخيارات الفنية على مستوى العناصر مشوبة بالغموض والإبهام الذي اكتنف محيطها تحت قيادة المدرب البرتغالي كارلوس كيروش الذي في اعتقادي أنه ما زال يتعرف على إمكانيات لاعبيه ويضع بعضهم تحت رادار التجربة، ويخضعهم لاختبارات ومقاييس فنية محددة بهدف صقلهم وتطوير إمكانياتهم ومهاراتهم الفردية، فضلا عن رغبته الجامحة في إعادة اكتشاف مستويات بعض اللاعبين، وإخضاعهم لمجهر المتابعة الدقيقة والفاحصة عن كثب.
ثم أردف العلوي قائلا: إن تجليات المشهد برزت بوضوح في بطولة كأس العرب التي اتخذها المدرب كارلوس كيروش فضاء رحبا وميدانا مستفيضا لتجربة مستويات لاعبي منتخبنا والحكم على مدى النضج الفني والانضباط التكتيكي الذي بلغوه إبان المرحلة الراهنة، وقد برر المدرب ذلك لاحقا بحاجة الدوري لضخ مادي أكبر بهدف ضمان مخرجات أجود على مستوى العناصر المنتقاة للمنتخب الوطني.
إلى ذلك فتح العلوي النار على كيروش موجها انتقاداته اللاذعة للمدرب البرتغالي على خلفية تصريحاته الأخيرة التي شن من خلالها هجوما على واقع كرة القدم العُمانية ومساوئها، وفي هذا الصدد علق قائلا: عندما أمسك كيروش بزمام تدريب منتخبنا الوطني شدد بأنه يملك قاعدة بيانات كبيرة عن المنتخب وملم بكل شاردة وواردة عنه، وكان من الأجدى ألا يفتعل الضجيج والهرطقات الإعلامية وأن يعمل بصمت وفق القدرات والإمكانات المتاحة، لاسيما وأنه قد قبل المهمة ورضي بهذا الواقع منذ البداية، فكان حريا به أن يستميت في الدفاع عن منتخبنا الوطني، وألا يسوق أعذار الخروج المبكر وتبريرات الإخفاق وينثر شتاتها المبعثرة هنا وهناك.
وتابع العلوي: وجه كيروش أصابع اللوم والاتهام لمنظومتنا الرياضية ككل، وانتقد علانية هشاشة مسابقاتنا الكروية المحلية وضعف نتاجها على وجه العموم، ولكنه نسي أنه قرر الدخول في خضم هذه المغامرة بمحض إرادته رغم درايته وبصيرته الكاملة بواقع كرة القدم العُمانية قبل توقيعه على عقد تدريب منتخبنا الوطني، وهنا يكمن التناقض المريب والمحصلة في نهاية المطاف أننا خرجنا من تصفيات كأس العالم وودّعنا بطولة كأس العرب من الدور الأول تحت قيادة المدرب البرتغالي الذي رمى باللوم مرارا وتكرارا على منظومتنا الرياضية ومسابقاتنا الكروية.
وزاد قائلا: التصريحات الإعلامية التي أطلقها كيروش في أعقاب نكسة الخروج الصادمة من الدور الأول في بطولة كأس العرب غير صحية، فكلنا نعي جيدا مكامن الخلل وأوجه القصور التي تتمثل في عدم الاستقرار الفني، وعدم وجود مخرجات جديدة للمنتخب الوطني، مما يخلق مركب نقص حاد في هذا الاتجاه يعكس مدى عمق الأزمة المتفجرة وحجم المعاناة التي تلخص واقع أداء ونتائج منتخبنا خلال الفترة الراهنة على وجه الخصوص، والحاجة أصبحت ملحة للجوء لسياسة الإحلال والإبدال في العناصر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل وقوع الفأس فوق الرأس، واتساع حدة الفجوة العميقة التي قد تستغرق وقتا أطول لرأب صدعها وردم هوتها.
واسترسل العلوي قائلا: حصاد النقاط الأربع في مشاركتنا بالبطولة العربية كان شحيحا وهزيلا، اكتفينا خلاله بفوز شرفي يتيم على حساب منتخب جزر القمر، والسبب يعود لتركيز المدرب كيروش على الشق الدفاعي الذي كلفنا نزيف النقاط في مواجهتي السعودية والمغرب على وجه الخصوص.
وأكمل: نهج المدرب كيروش كان واضحا للعيان في بطولة كأس العرب وتجلى ذلك من خلال التغييرات العديدة التي أجراها على مستوى التشكيلة الأساسية لمنتخبنا الوطني في هذه البطولة بهدف اكتشاف وتجربة مستويات اللاعبين في مختلف المراكز، وهذه دلالة واضحة أن المدرب كيروش لم يستقر على التشكيلة الأساسية بعد، واتخذ من هذه البطولة محطة مهمة لتجربة وتقييم ومراجعة مستويات بعض اللاعبين.
عبيد الجابري: إصلاح المنظومة وتحويلكرة القدم إلى صناعة المدخل الوحيد للإنقاذ -
ألقى المدرب الوطني عبيد الجابري باللوم على المنظومة الرياضية في البلد محمّلا إياها السبب المباشر في إخفاق منتخبنا الوطني ببطولة كأس العرب ٢٠٢٥. وبهذا الصدد علق الجابري قائلا: حينما نتحدث عن ماهية إصلاح الوضع القائم لرياضتنا في سلطنة عمان، لا بد أن نشير إلى بعض الجهات المسؤولة والمعنية بشكل مباشر عن الشأن الرياضي لدينا، وهنا أخص بالذكر الاتحاد العماني لكرة القدم الذي يحمل على عاتقه بعض المنغصات المتراكمة ومنها على سبيل المثال لا الحصر ضعف مسابقة الدوري والتأسيس بالمراحل السنية، مما ينعكس سلبا على انحسار جودة اللاعبين التي تتدرج حتى تصل للمنتخب الأول إذ غالبا ما نكتشف أنها دون المستوى المأمول ولا ترقى لسقف التوقعات.
على صعيد متصل أردف الجابري قائلا: الاحتكاك يكاد يكون شبه معدوم في دورينا المتهالك الذي يستحيل أن يطور قدرات وإمكانات اللاعبين، ويفرز مخرجات تتمتع بالمقدرة والكفاءة، ولحل هذه المعضلة قبل استفحالها ينبغي اتخاذ خطوات تصحيحية متسارعة في هذا الشأن تستهدف تسويق عقود لاعبي دورينا في الخارج، ومضاعفة الاهتمام بفئات المراحل السنية بحيث تكون نقطة الانطلاقة المحورية من فئة دوري البراعم، مع الأخذ بعين الاعتبار إعادة تفعيل الدور الحيوي الذي تضطلع به الأكاديميات الكروية ومراكز التدريب المنتشرة على مستوى المحافظات في صقل وتطوير المواهب الناشئة، وبهذا الصدد نحتاج أيضا إلى منح كشافي المواهب نطاقا أوسع من الصلاحيات والممارسات المنوطة إليهم من أجل تسويق عقود لاعبينا الناشئة في الدوريات الخارجية.
وتطرق الجابري إلى ضرورة الاهتمام بالأندية وضخ سيولة مالية كافية فيها تضمن تحقيق الحد الأدنى من الروافد الجيدة لمخرجات دورينا، فمعظم الأندية وصل بها الحال إلى حد تجميد النشاط، وهذا بحد ذاته هاجس سلبي مؤرق يكشف مدى عمق الفجوة وحجم الشرخ الذي تئن رياضتنا من أوجاعه، إلى درجة أن عزوف الأندية عن المشاركة في مسابقات الموسم الكروي أصبح مشهدا مألوفا ومتكررا خلال السنوات الأخيرة، والسبب يعزى في المقام الأول إلى ضعف موازنات الأندية التي تحول دون مشاركتها في مسابقات المراحل السنية على وجه الخصوص.
واستطرد الجابري قائلا: أعتقد أننا بحاجة ماسة لتطوير واقع المنظومة الرياضية في البلد بشكل عام، وحريا على المسؤولين والقائمين على الكرة العمانية أن يسلكوا مسارات جادة في التوجه نحو تحويل كرة القدم إلى صناعة مزدهرة وهوية راسخة ترسي أركانها ودعائمها على أرض خصبة وقاعدة صلبة ومتينة.
واسترسل: نمني النفس في الصعود لنهائيات كأس العالم ولكن لا يمكن أن تختزل خطط الصعود في نطاق سنة أو سنتين، بل تحتاج لخمس سنوات على أقل تقدير لكي يتم تكوين جيل جديد مع مدرب تم الاشتغال عليه في عمر معين؛ لأن معظم اللاعبين الحاليين في المنتخب الأول وصلوا لمعدل أعمار مرتفع يتجاوز ٣٠ عاما في المتوسط.
وأردف الجابري: الإحلال والإبدال على مستوى المنتخب الأول ليس بالأمر السهل؛ نظرا لافتقار مسابقات المراحل السنية للعمق والجودة والتنوع في دائرة الخيارات الفنية، فضلا عن معاناتها من هشاشة العمل التراكمي غير الجيد وخصوصا خلال السنوات الأخيرة، إذ لا توجد استمرارية في العمل القاعدي المنظم الذي يعاني من سوء التنظيم وغياب التخطيط، ويمر بحالة من العبث والفوضى، مما يجعل القاعدة تئن من هول العشوائية والتخبط دون أن تحرز تقدما ملموسا في هذا الصدد. وأكمل الجابري: كما يعلم الجميع أن النواة الأساسية لمنتخباتنا الوطنية تتمثل في مخرجات دوريات المراحل السنية، وهنا نفتح باب التساؤل مطروحا؛ هل من الممكن أن تفرز هذه الدوريات لاعبين لمستقبل الكرة العمانية، وتكون بمثابة القاعدة الجوهرية المتينة التي تحتضن هذه الفئة من اللاعبين لمستقبل منتخباتنا الوطنية ؟
سالم النجاشي: الدوري عائق التطوير والإحلال التدريجي ضرورة لا تحتمل التأجيل -
لم يبدِ المدرب الوطني سالم بن سلطان النجاشي دهشته واستغرابه من خروج منتخبنا الوطني من الدور الأول في بطولة كأس العرب ٢٠٢٥ بقطر؛ لافتا إلى أنها كانت نتيجة طبيعية متوقعة، وفي هذا الشأن علق قائلا: لقد توقعنا كوسط رياضي في سلطنة عمان خروج منتخبنا الوطني من الدور الأول في بطولة كأس العرب، وبطبيعة الحال الكل كان يتمنى أن يصعد منتخبنا للدور ربع النهائي على غرار النسخة السابقة التي أقيمت منافساتها في قطر أيضا، ولكن بوادر الإقصاء المبكر من الدور الأول كانت جلية الأركان والمعالم بالنسبة لي منذ ضربة البداية التي خسرناها أمام المنتخب السعودي الشقيق بهدفين لهدف.
وتابع النجاشي قائلا: لا يمكن أن نلوم اللاعبين بل نرفع لهم القبعة ونحييهم على كل قطرة عرق وجهد مقدر بذلوه طيلة المباريات الثلاث التي لعبوها في بطولة كأس العرب الحالية أمام منتخبات السعودية والمغرب وجزر القمر على التوالي، لقد لعبوا بروح قتالية وأخلصوا وتفانوا في أداء واجبهم الوطني على أكمل وجه تجاه الأحمر لخدمة شعاره ورفعة شأنه ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن وقدّر الله وما شاء فعل.
وأشاد النجاشي بعمل المدرب كيروش، وفي هذا السياق أوضح قائلا: كيروش مدرب كبير يملك هوية فنية وبصمة تكتيكية واضحة، وهو دون أدنى شك مدرب يملك سجلا تدريبيا حافلا بالإنجازات والنجاحات والعطاءات التي لا تعد ولا تحصى، وهو مدرب مشهود بقيمته وكفاءته التدريبية في الساحة العالمية، ولكنه اصطدم بواقع أنه غير قادر على إحداث تغيير فني جذري في منتخبنا الوطني في غضون خمسة أشهر فقط، وهذا كان بحد ذاته بمثابة تحد صارخ للمدرب الخبير الذي واجه هذه الظروف مجتمعة؛ حيث محدودية جودة اللاعبين وضعف مسابقة الدوري وسبل حلها ومعالجتها في ظرف زمني وجيز.
وأضاف: كما تابعنا في بطولة كأس العرب ظل كيروش وفيا لأسلوبه الدفاعي، وعموما هذه هي فلسفته وقناعاته الفنية، إذ اعتاد على تطبيق الرسم والنهج التكتيكي ٥/ ٤/ ١ في جميع محطاته التدريبية السابقة التي أشرف عليها، وآمن بتطبيق ذات الرسم والنهج التكتيكي مع منتخبنا الوطني دون أن يغير من فلسفته وقناعاته في هذا الصدد ولكن ربما الأدوات لم تخدمه وتسعفه لتحقيق نتائج إيجابية والعبور للدور ربع النهائي في بطولة كأس العرب.
ودافع النجاشي عن الأسلوب الدفاعي للمدرب كيروش، وفي هذا الشأن لفت قائلا: خطة كيروش الدفاعية أسهمت في بناء منظومة دفاعية صلبة لمنتخبنا الوطني، وقد اتضح ذلك جليا في مجمل المباريات الثلاث التي خاضها الأحمر في بطولة كأس العرب، ولكن تبقى الإشكالية في الشق الهجومي الذي يفتقد للفاعلية والنجاعة المطلوبة، وهذا جانب مهم ينبغي على المدرب كيروش أن يضاعف وتيرة العمل المكثف لتحسينه في المرحلة القادمة.
وزاد: لا يمكن أن نرمي اللوم أو نختزل الإخفاق في أسلوب وطريقة لعب كيروش وتبديلاته والتشكيلة الأساسية التي يبدأ بها المباريات، فمن المؤكد أن هناك عملا تحضيريا يسبق جميع هذه التفاصيل والحيثيات، ولكن الجانب الأهم الذي يجب الالتفات إليه في قادم الوقت هو وضع استراتيجية كروية شاملة واضحة الخطط والأهداف تبدأ بالإحلال التدريجي لعناصر المنتخب عبر الاستغناء عن الحرس القديم.
وشدد النجاشي بقوله: نحن بحاجة ضرورية ملحة اليوم لتكوين منتخب رديف يكون مساندا للصف الأساسي في المنتخب الأول، وفي هذا الصدد نشكر كيروش الذي منح الفرصة لحارس المرمى إبراهيم الراجحي حينما أقحمه لركلات الترجيح في مباراة الملحق أمام الصومال، كما نشكره لأنه اكتشف لنا صخرة الدفاع مصعب الشقصي الذي تألق في مباريات منتخبنا الوطني بالبطولة، كما أنه أعطى الفرصة لنجم وسط الميدان الشاب عاهد المشايخي، ودون أدنى شك أن هذه المجموعة الشابة بحاجة إلى الوقت والفرصة من أجل التأقلم والتجانس في صفوف المنتخب الأول.
واستطرد النجاشي: إذا لم تكن هناك خطة واضحة من المختصين والمعنيين في الاتحاد العماني لكرة القدم فإننا لن نتمكن من قطف ثمار العمل الفني الناجح، وبلا شك أنه تحدونا الرغبة الجامحة في أن تنعم أنديتنا ومنتخباتنا الوطنية بضخ مالي كاف من أجل الاشتغال في بيئة عمل أكثر مثالية ونموذجية سعيا لتحقيق النتائج الإيجابية المرجوة.
واختتم النجاشي حديثه قائلا: لا شك أن ضعف مسابقة الدوري يشكل عائقا كبيرا وحجر عثرة في طريق تطوير وتجويد مستويات لاعبي منتخبنا الوطني، على اعتبار أن غالبية عناصر المنتخب تنشط في دورينا، ومن هذا المنبر الإعلامي نناشد المسؤولين والقائمين على الاتحاد العماني لكرة القدم وعلى رأسهم سعادة السيد سليمان بن حمود البوسعيدي رئيس مجلس إدارة الاتحاد لإعادة النظر بشأن ملف مسابقاتنا الكروية المحلية ووضعه قيد الدراسة الموضوعية المتأنية، مع الأخذ بعين الاعتبار تقييم العمل المرحلي الذي يدار به هذا الملف الشائك بكل شفافية وواقعية سعيا لتطويره وتجويده بما ينعكس تأثيره إيجابا على تحسين ثمرة أداء ونتائج منتخبنا الوطني في المشاركات الخارجية.
حمد الشقصي: لا يمكن القفز فوق الواقع وغياب القاعدة القوية يُبدد أي طموح تنافسي -
أيد المدرب الوطني حمد الشقصي التصريحات التي أطلقها المدرب البرتغالي المخضرم كارلوس كيروش على خلفية خروج منتخبنا الوطني من الدور الأول في بطولة كأس العرب ٢٠٢٥ بقطر، وبهذا الصدد أوضح الشقصي قائلا: أوجز المدرب البرتغالي كيروش كل الكلام الذي يجب أن يثار في أعقاب الخروج الصادم والمخزي من الدور الأول في بطولة كأس العرب؛ حيث حصر خلاصة أقواله في عدم امتلاكنا لدوري تنافسي قوي على مستوى سلطنة عمان، فضلا عن افتقارنا لجوانب التأسيس على مستوى العمل القاعدي المنظم في فئات المراحل السنية، مما يخلق لدينا حالة من الفوضى التنظيمية والتكتيكية العارمة تحول دون مقدرتنا على مقارعة أي منتخب سواء أكان خليجيا أو عربيا أو عالميا، لا نستطيع أن نقارع أي منتخب ونحن بهذه الإمكانيات، ودورينا لا يزال يراوح مكانه دون أن يحاط بهالة من الزخم التطويري المتسق والمتصاعد، ولن يظهر أي لاعب عماني بارز خلال الفترة الحالية؛ نظرا لضعف المستوى الفني في دورينا ومحدودية تأثيره في صناعة نجم بارز ذا قيمة فنية مضافة يشار إليها بالبنان، وهذا ما يجسد واقع معاناتنا المريرة في غياب التخطيط الاستراتيجي المستدام على المدى البعيد، والأمر والأدهى من ذلك أننا لا نمتلك جيلا قادما يمكننا المراهنة عليه في حمل راية المنتخب الوطني الأول لكرة القدم مستقبلا، مما يخلق صورة سوداوية قاتمة تلف مستقبل منتخبنا بالكثير من الضبابية والغموض والإبهام، وبإيجاز شديد نحن لا نمتلك قاعدة صلبة يمكن أن نستند عليها للأمام.
وأضاف الشقصي في معرض حديثه عن إخفاق منتخبنا الوطني في بطولة كأس العرب: إن معضلتنا تكمن في البحث الدائم عن الحلول المؤقتة، ونتجاهل تحريك المياه الراكدة في جميع الملفات الرياضية، فما أحوجنا أن يكون هنالك نهوض وارتقاء أكبر بلعبة كرة القدم عبر تفعيل أطر التعاون الإداري والفني المنسجم بين الاتحاد العماني لكرة القدم من جهة ووزارة الثقافة والرياضة والشباب من جهة والأندية الرياضية من جهة أخرى، يجب علينا أن نسابق الزمن لتحسين الصورة ومعالجة واقع المنظومة الرياضية الضحلة لدينا.
وفي سياق متصل أردف الشقصي قائلا: لا يمكنك أن تشير بأصابع اللوم والاتهام للمدرب أو اللاعبين أو الأندية أو الاتحاد العماني لكرة القدم أو حتى وزارة الثقافة والرياضة والشباب، فالكل يجتهد ويبذل أقصى ما في وسعه للنهوض والارتقاء بمنظومة العمل الرياضية في كرة القدم العمانية، ولكن لا يمكننا أن نقفز فوق واقعنا الحالي وأن نطالب بإنجاز خارق يكاد يكون أشبه بمعجزة وطيف حلم عابر فنحن لا نملك عصا موسى في الظرف الراهن حتى نطالب بشيء يفوق واقع عملنا الحالي.
وأكمل الشقصي: المؤشرات الحالية للعمل لا تبعث على التفاؤل فبوادر التحسن ضعيفة، ولا تلبي حجم الطموحات والتطلعات؛ حيث إن دورينا ضعيف ومواردنا المالية شحيحة ولا ترتقي لمصاف الدول المتقدمة رياضيا والتي تمتلك منشآت وبنى أساسية متطورة نأمل يوما أن نحذو حذوها.
جمال بخش: تراكمات العمل غير المنظم تُفاقم الفجوة الفنية بيننا وبين المنافسين -
عزا المدرب الوطني جمال بن بخش البلوشي إخفاق منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم في تخطي حاجز دور المجموعات ببطولة كأس العرب ٢٠٢٥ بقطر إلى وجود تراكمات سابقة لافتا إلى أن النتائج التي حصدتها عموم منتخباتنا الوطنية مؤخرا تعتبر طبيعية جدا قياسا بالعمل السابق الذي لم يكن جيدا من كل النواحي.
وفي السياق ذاته، أردف البلوشي قائلا: هناك فجوة فنية كبيرة في العمل أدت إلى اتساع عمق أزمة أداء ونتائج منتخبنا الوطني خلال الآونة الأخيرة، ما ترك ألف علامة استفهام حول واقع المردود الفني العام لمنتخبنا والذي انعكس تأثيره سلبا على مشاركته الأخيرة في بطولة كأس العرب.
وأضاف: لقد اتسعت الفجوة الفنية بيننا وبين المنتخبات الأخرى التي تعيش أزهى فتراتها حاليا، بينما نحن «محلك سر!» نتيجة تراكمات سابقة دفعنا على إثرها ضريبة التأخر في الشروع بخطوات الإحلال التدريجي للمنتخب الوطني، بخلاف أن هناك معوقات أخرى في العمل على مستوى مسابقاتنا الكروية انعكس تأثيرها سلبا على منتخبنا الوطني، وأسهمت في الحد والتقليل من فرص ظهوره المشرف في البطولات والاستحقاقات الخارجية، على غرار كثرة تغيير المدربين في الأندية مما يجعل اللاعب في حالة شتات نفسي وذهني بل وفني في المقام الأول، جراء تلقينه أكثر من فكر كروي من أكثر من مدرسة تدريبية سواء محلية أو أجنبية.
وأضاف: سابقا كان العمل يجري بوتيرة جيدة ومنظمة في منتخبات المراحل السنية بحيث يتم تصعيدها مستقبلا للمنتخب الأول بكل سلاسة ومرونة وانسيابية، وهنا تكمن العلاقة الطردية بين المنتخب الأول ومنتخبات المراحل السنية باعتبار أن الأخيرة تلعب دورا حيويا ومحوريا في رفد المنتخب الأول وتطعيمه بعناصر مهمة بمجرد ترحيل هذه العناصر وتدرجها من القاعدة إلى الهرم في سلم تمثيل المنتخبات الوطنية، على النحو الذي يضمن استمرارية وديمومة العمل في منتخباتنا بما يحقق التغذية الراجعة لمخرجاتها انسجاما واتساقا مع متطلبات كل مرحلة على حدة.
واستدرك البلوشي قائلا: لكن في الوقت الحالي للأسف أهملت منتخبات المراحل السنية، ولم نعد نلمس استمرارية في العمل على مستوى هذا القطاع الحيوي الرافد، وما زاد الطين بلة حاليا أننا وصلنا لمرحلة نجد فيها أن الأندية لا تجيد انتقاء لاعبين مميزين في فئات المراحل السنية، مما ينعكس سلبا على رتابة وفتور العمل الذي يراوح مكانه في نفس دائرة الركود والجمود.
وشدد: في المحصلة العامة من الطبيعي أن تكون مستويات ونتائج منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم بهذه الطريقة، لذا من الظلم بمكان أن يتم حصر سهام النقد والملامة على المدرب واللاعبين، ففي نهاية المطاف الكل اجتهد سواء المدرب أو اللاعبين أو حتى الاتحاد العماني لكرة القدم ووزارة الثقافة والرياضة والشباب، ولكن هذه هي حدود قدراتنا وإمكانياتنا المتاحة لا يمكن أن نقفز فوق واقعنا أو نرفع من سقف توقعاتنا وطموحاتنا وتطلعاتنا دون أن ننظر إلى واقع حجم الأدوات المتاحة لدينا فهي بحاجة إلى عمل مضاعف مشفوع بزخم ونهم ونسق مدروس ذي أطر وأبعاد استراتيجية ملهمة ومنهجية متكاملة واضحة الأركان والمعالم.
وأثار البلوشي مجددا محور منتخبات المراحل السنية وأهميتها في رفد وتطعيم المنتخب الأول بعناصر بارزة مستقبلا، وفي هذا الإطار علق قائلا: لا توجد إنتاجية أو إضافة ترجى من منتخبات المراحل السنية في الوقت الحالي، وحتى مخرجات دوريات المراحل السنية أصبحت عقيمة لا يمكن من خلالها انتقاء لاعبين جيدين يمثلون صفوف المنتخبات الوطنية، وهذا بحد ذاته صداع مزمن في رأس منتخباتنا؛ إذ لم تعد الموهبة والخامة الكروية كما كانت في السابق، وجميعنا يعرف أن الأندية لا تساعد المنتخب في تهيئة وإعداد وتجهيز اللاعبين، فالعمل يبدأ من القاعدة وهنا تنبع النواة الأساسية.