الرباط «د.ب.أ»: يحتضن الملعب الكبير بمدينة طنجة المغربية مشهدا كرويا يختزل الفوارق الشاسعة في القارة السمراء، حين يلتقي المنتخب السنغالي المدجج بالنجوم مع نظيره البوتسواني صاحب التاريخ المتواضع، غدًا الثلاثاء في افتتاح منافسات المجموعة الرابعة بكأس أمم أفريقيا 2025 بالمغرب.
هذه المواجهة هي الأول تاريخيا بين الطرفين في كأس أمم أفريقيا، والثالثة على مستوى كافة المسابقات، بعد فوز السنغال في المواجهتين السابقتين على بوتسوانا بنتيجة 2 -صفر و3 - صفر في تصفيات كأس أمم أفريقيا 2015.
وتأتي المباراة في وقت يسعى فيه المنتخب السنغالي لاستعادة بريقهم المفقود في النسخة الأخيرة، بينما تحاول بوتسوانا الصمود أمام إعصار هجومي لا يرحم.
وتأتي السنغال إلى المغرب وفي جعبتها تاريخ مرعب وسجل دفاعي هو الأقوى في القارة، فمنذ عام 2017، حافظ الفريق على نظافة شباكه في 15 مباراة من أصل 22 خاضها في النهائيات، ولا يتوقف التفوق السنغالي عند الدفاع فحسب، بل يمتلك الفريق سجلا هائلا في مبارياته الأولى في البطولة القارية، إذ لم يتذوق الفريق طعم الهزيمة في أولى مبارياته بكأس أمم أفريقيا سوى مرتين طوال 18 مشاركة تاريخية، وحقق الفوز في مباراته الافتتاحية في النسخ الخمس الأخيرة.
وهذا الاستقرار جعل منتخب السنغال أحد المرشحين الدائمين للقب، خاصة مع عودته القوية وتأهله لمونديال 2026 للمرة الرابعة، محققا نتائج لافتة في عام 2025، منها الفوز على إنجلترا بثلاثية واكتساح كينيا بثمانية أهداف نظيفة.
على الجانب الأخر، يواجه منتخب بوتسوانا مهمة شاقة في رحلة العودة لكأس أمم أفريقيا بعد غياب دام 13 عاما، إذ ما زال يبحث عن انتصاره الأول تاريخيا في البطولة بعدما خسر جميع مبارياته في ظهوره الوحيد عام 2012. ورغم الصلابة النسبية التي أظهرها الفريق في التصفيات بانتزاع تعادلات من مصر وموريتانيا، إلا أن حصيلته التهديفية الهزيلة بتسجيله 4 أهداف فقط، تضعه في موقف حرج أمام دفاع سنغالي صلب لم يستقبل سوى هدف واحد في سبع مباريات أخيرة بدور المجموعات.
ويحاول مدرب بوتسوانا مورينا راموريبولي 44/ عاما/ وهو أحد أصغر المدربين في البطولة القارية، الاعتماد على خبرة كابيلو سياكانييج، خلال المواجهة الصعبة أمام الترسانة السنغالية التي يقودها ساديو ماني.
وتظهر الفوارق الكروية بوضوح عند النظر إلى قائمة الفريق السنغالي، إذ حشد باب ثياو، مدرب السنغال وأحد نجوم جيل 2002، أسماء رنانة مثل نيكولاس جاكسون مهاجم بايرن ميونخ، وإسماعيلا سار، والبير كاليدو كوليبالي، والحارس العملاق إدوارد ميندي، هؤلاء النجوم يمثلون قوة ضاربة هدفها ليس فقط الفوز على بوتسوانا، بل إرسال رسالة شديدة اللهجة لفرق المجموعة الكونغو الديمقراطية وبنين، بأن السنغال قادمة لاسترداد عرشها القاري الذي فقدته في كوت ديفوار.
تاريخيا، كانت المواجهة الوحيدة بين الفريقين في تصفيات 2015 شاهدا على سيطرة سنغالية مطلقة ذهابا وإيابا بخماسية نظيفة، وهو سيناريو يخشى جمهور منتخب بوتسوانا تكراره في طنجة، فبينما يخطط باب ثياو لاستغلال هذه المباراة كمحطة إعدادية قوية واطمئنان على جاهزية ساديو ماني (صاحب الـ 15 مساهمة تهديفية في البطولة)، ستكون بوتسوانا مطالبة باجتراح معجزة كروية لكسر عقدة منتخبات غرب إفريقيا التي هزمتها في جميع مواجهاتها السابقة بالنهائيات.
إنها مواجهة بينالزعامة السنغالية التي تأسس اتحادها عام 1960 وتملك باعا طويلا في المونديال والنهائيات الأفريقية، وبين منتخب بوتسوانا الذي ما زال في "طور البناء" ويفتقر للخبرة في المحافل الكبرى.
وسيكون غدًا الثلاثاء هو الفيصل في تحديد ما إذا كانت بوتسوانا قادرة على الصمود لأكثر من 90 دقيقة أمام أسد جريح يسعى لتعويض خيبات الماضي وتأكيد أحقيته باللقب قبل التوجه لمونديال 2026.
الكونجو يواجه بنين
وفي مباراة أخرى غدًا ، يبرز ملعب "البريد" بالعاصمة الرباط كمسرح لواحد من أكثر الصراعات إثارة للفضول في المجموعة الرابعة، حيث يلتقي منتخب الكونجو مع منتخب بنين في افتتاح مشوار الفريقين بكأس أمم أفريقيا بالمغرب. وتمثل المواجهة باكورة الصدامات التاريخية بين المنتخبين في كأس أمم أفريقيا، وعلى مستوى التاريخ التقى المنتخبان في ثماني مباريات من قبل، حيث فازت الكونجو ثلاث مرات مقابل انتصارين لبنين وتعادلا ثلاث مرات، لكنهما لم يسبق وأن ألتقيا في كأس أمم أفريقيا، وتدخل الكونجو غمار هذه النسخة وهي تعيش واحدة من أزهى فتراتها الكروية في العصر الحديث، فالفريق الذي يمتلك تاريخا مرصعا بلقبين قاريين (1968 و1974)، ويخوض البطولة القارية، بمعنويات تلامس عنان السماء؛ إذ نجح المنتخب الكونجي في حجز مقعدهم بالملحق العالمي المؤهل لمونديال 2026 بعد الإطاحة بعمالقة في حجم نيجيريا والكاميرون، وهذا الزخم المونديالي يمنح المدرب الفرنسي سيباستيان ديسابر قاعدة صلبة للبناء عليها، خاصة وهو يمتلك كوكبة من المحترفين الذين يرفعون من القيمة السوقية والتنافسية للمنتخب، ويعتمد الكونجو غدًا على صلابة دفاعية مذهلة وحالة فنية في أوج عطائها، حيث لم يتلق الفريق سوى خسارة واحدة في آخر 11 مباراة، محققا 10 انتصارات، منها 5 متتالية مؤخرا، مع الحفاظ على نظافة الشباك في أربع مباريات خلال التصفيات. على الجانب الآخر، يدخل منتخب بنين البطولة وهو يحمل في طياته "غصة" ضياع حلم المونديال في الأمتار الأخيرة بعد الخسارة القاسية أمام نيجيريا، ويسعى بنين في مشاركتهم الخامسة بالنهائيات إلى مصالحة جماهيرهم المتعطشة لإنجاز يكرر معجزة 2019 في مصر، حينما بلغ دور الثمانية للمرة الأولى دون تحقيق فوز واحد في الوقت الأصلي، وهي سمة ما زالت تلازم الفريق الذي لعب 14 مباراة في تاريخ أمم أفريقيا دون أي انتصا، إذ خسر تسع مرات وتعادل في خمس مباريات. ويعلق منتخب بنين آماله على دهاء المدرب الألماني المخضرم جيرنوت روهر 72/ عاما/، الذي يمتلك خبرة واسعة في الأدغال الإفريقية وسجلا خاليا من الهزائم في مواجهاته الثلاث السابقة ضد الكونجو، وستكون المباراة بمثابة معركة تكتيكية بامتياز؛ فمن جهة، تفضل الكونجو السيطرة على إيقاع اللعب والتحول السريع عبر الأطراف مستغلة سرعات ميشاك إيليا وباليكويشا، ومن جهة أخرى، نجد بنين التي تتقن التراجع المنظم والاعتماد على الكرات الطويلة نحو مونييه ومهارات جونيور أولايتان، ورغم الفوارق الملحوظة بين المنتخبين وفي الوقت الذي ترجح فيه كافة التوقعات كفة منتخب الكونجو عطفا على نتائجهم المبهرة في 2025 وصلابة منظومة ديسابر، يبقى منتخب بنين تحت قيادة روهر قادرا على فرض واقعية دفاعية تعيد للأذهان مشوارهم التاريخي في مصر.