في الحادي والعشرين من فبراير الماضي، وبعد يومين فقط من إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة باسم «البوكر»، كتب الروائي السوري جان دوست منشورا على صفحته في «فيسبوك» أثار شيئا من الجدل في الوسط الأدبي. اتهم دوست «البوكر» بأنها تحولت إلى «شركة أدبية» استحوذت عليها دار نشر واحدة دون أن يسميها، لكن كان واضحا أنه يقصد صعود روايتين في دورة 2025 من دار «مسكلياني»: الأولى «دانشمند» للموريتاني أحمد فال الدين، والثانية «صلاة القلق» للمصري محمد سمير ندا، التي توجت بالجائزة لاحقا (عن جدارة واستحقاق في رأيي).
يضيف دوست في منشوره أن تكرار حضور هذه الدار في القوائم الطويلة والقصيرة، خلال السنوات الأخيرة، لا يمكن اعتباره صدفة، داعيا الممولين إلى البحث في الأمر بجدية. ثم يستدرك بعبارة لافتة: «لا أتهم أحدا بشيء، فليس في يدي دليل ملموس أقدمه، إنما أبدي هواجس بناء على تتبعي للقائمة القصيرة منذ خمسة أعوام. الأمر لا يحتاج إلى ذكاء».
والواقع أن تتبع القوائم خلال السنوات الخمس التي أشار إليها الروائي السوري يكشف أن دار «مسكلياني» كانت حاضرة بقوة فعلا. فقد فازت بالجائزة ثلاث مرات خلال هذه الفترة: عام 2022 عن رواية «خبز على طاولة الخال ميلاد» لليبي محمد النعاس (وكان الغلاف يحمل شعار دار «رشم» السعودية إلى جانب شعار «مسكلياني»)، ثم في عام 2023 عن رواية «تغريبة القافر» للعماني زهران القاسمي (والتي حملت الغلاف نفسه بشعار الدارين)، وصولا إلى فوز «صلاة القلق» عام 2025. ويضاف إلى ذلك صعود روايتين من منشورات «مسكلياني» إلى القائمة الطويلة عام 2024، وصلت إحداهما إلى القائمة القصيرة، فضلا عن حضورها اللافت في دورة 2021، حيث ظهرت ثلاث روايات في القائمة الطويلة، صعدت اثنتان منها إلى القصيرة، وكانت أغلفتها تحمل أسماء دور «مسعى» و«ميم» و«رشم» إلى جانب «مسكلياني».
يتضح من تشارك أكثر من دار أغلفة «مسكلياني» وجود تعاون وثيق بينها وبين هذه الدور، لكن الشراكة الواضحة التي لا تخطئها العين هي التي بين «مسكلياني» و«رشم»، والتي أثمرت فوزا مشتركا في عامي 2022 و2023، كما يتواصل حضور الدارين في القوائم اللاحقة. ففي القائمة الطويلة لدورة 2026 التي أعلنت الأسبوع الماضي حضرت «رشم» برواية «الرائي» للروائي العراقي ضياء جبيلي، بينما حضرت «مسكلياني» برواية «أيام الفاطمي المقتول» للتونسي نزار شقرون، بالتعاون مع دار «صفصافة».
غير أن النقطة الأكثر حساسية، والتي تفسر ربما تصاعد الهواجس، تتعلق بلجنة التحكيم نفسها. إذ يترأس هذه اللجنة في الدورة الحالية (2026) الناقد والباحث التونسي البروفيسور محمد القاضي، وهو اسم ارتبط مهنيا بالدارين المذكورتين. فقد صرح صالح الحماد، مؤسس دار «رشم»، لموقع «الشرق» في 2 سبتمبر 2025، بأن القاضي هو المشرف على الترجمات الفرنسية الصادرة عن الدار. وفي حوار آخر مع موقع «ديوان أف أم»، تحدث شوقي العنزي، صاحب دار «مسكلياني» (في 9 نوفمبر 2024)، عن أن روايات الدار تخضع للمراجعة والتحرير «على يد فريق كامل من الكفاءات التونسية، مثل الشاعر الأستاذ رضا الحسني والأستاذ الدكتور محمد القاضي».
من المهم هنا التمييز بوضوح بين تعارض المصالح المحتمل والانحياز الفعلي. فالعلاقة المهنية، بحد ذاتها، ليست تهمة ولا دليلا على خرق نزاهة التحكيم، لكنها في الجوائز الكبرى تستدعي عادة قدرا أعلى من الإفصاح والشفافية، حماية للجائزة نفسها قبل أي شيء آخر. كثير من الجوائز العالمية تعالج هذه الإشكاليات عبر إعلان سياسات واضحة لتضارب المصالح، أو عبر تنحي المحكم عن تقييم أعمال له صلة مباشرة أو غير مباشرة بدور نشر يعمل معها في فترة تحكيمه، أو عمل معها سابقا.
كما لا يمكن إغفال أن تكرار حضور دور نشر بعينها قد يكون، في بعض الأحيان، نتيجة استثمار جاد في التحرير والمراجعة، وبناء رصيد روائي قوي، وشبكات توزيع وعلاقات ترجمة ووكالات أدبية، لا نتيجة «استحواذ» أو محاباة بالضرورة. لكن، في المقابل، حين يتكرر الاسم ذاته على نحو لافت، يصبح من حق الكتاب والقراء على حد سواء طرح الأسئلة، لتطمئن قلوبهم أن الأمور تسير بنزاهة وحيادية.
من هنا، يمكن فهم تخوفات بعض الروائيين العرب الصاعدين هذا العام إلى القائمة الطويلة، والذين أسرّ لي بعضهم فعلا بمثل هذه الهواجس. وهي تخوفات، حتى إن لم تستند إلى دليل قاطع، تستحق أن تناقش بهدوء وشفافية، لأن سمعة الجائزة، في النهاية، هي رأسمالها الرمزي الأهم، حتى وإن كانت جائزة البوكر العربية هي أكثر جائزة في العالم العربي يصاحبها لغط واحتجاجات وتشكيك في النتائج.
سليمان المعمري كاتب وروائي عُماني