كم من خصومات كبرى نشأت ونمت جذورها وتفرعت في القلوب بسبب الميراث، وبعض تلك الخلافات جاءت على شكل تراكمات زمنية امتدت منذ سنوات الطفولة إلى أن بلغ السيل الزبد، ومع تطور العلاقات ما بين العائلة الواحدة، أصبح واردًا جدًا نشوء بعض الخلافات الصغيرة، لكن بعضها يتطور ويتضخم بشكل لا يمكن القبول به أو تصديقه، خاصة إذا ما تجاوز حدود الخلاف، فكيف يقتل الأخ أخاه، والولد أمه وأباه من أجل أن يحصل على «المال» دون وجه حق؟ إن من يفعل ذلك يغضب ربه سبحانه، وتطارده المظالم إلى يوم الدين. في المحيط الإنساني، كم قطعت أوصال الود بمنشار الضغائن والأحقاد ما بين الإخوة، وبعضها كان بسبب «الميراث»، فكلما كان هناك بخس للحقوق حلت الضغينة والشقاق ما بين الإخوة، وكم من خلاف حاد وصل إلى مرحلة مزرية قد تدمي القلوب من يسمع قصصها أو يحضر تفاصيلها!
لقد أصبحنا نسمع قصصًا مليئة بالحزن والأسى تحكي عن قطيعة الرحم بين إخوة وأخوات، وتحوّل أشقاء بين يوم وآخر إلى أعداء، حتى أن الكثير من النزاعات الأسرية باتت تُنظر يوميًّا أمام المحاكم فيها يقف الأخ أمام أخيه وجهًا لوجه، وقد نسى كل منهما أو أحدهما أن رابطة الدم والمنشأ والعقيدة واحدة، وهناك أسر خسرت أبناءها بسبب الاقتتال على الميراث.
إن حقوق الميراث لا تزال الفريضة الغائبة في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فما زلنا نرى الكثير من النزاعات المالية تنشأ ما بين الإخوة والأقارب بمجرد موت الأب أو الأم، ويصبح تقسيم الميراث الساحة التي يتقاتل فيها جميع الأطراف، وتؤدي هذه الخلافات إلى قطيعة قد تستمر إلى الأبد.
وربما السبب الرئيس في ظهور هذه الحالة هو عدم تقسيم الميراث بما أمر الله به، وأحيانًا تتوه الحقيقة بين الأصوات وتظهر الكثير من المشاكل الأسرية إلى العلن، وربما يتطور الأمر أكثر مما نتوقع، فهناك جرائم ارتُكبت بسبب الميراث وكيفية توزيعه بين الإخوة بالعدل.
القرآن الكريم أوضح كافة الأحكام التي يجب على الناس اتباعها، خاصة فيما يتعلق بالميراث، لكن البعض يعرض عن شرع الله ويتخذ سبيل الضلالة ويأخذ أشياء ليست من حقه إما عنوة أو تدليسا.
يؤكد الكثير من الاختصاصيين ورجال الدين أن التربية لها الدور الأكبر في الحد من الخلافات على الميراث بين الإخوة، وتشمل التربية بالقول والعمل والممارسات والسلوكيات، التي من شأنها أن تحدد مدى المحبة والتواصل أو الجفاء والتباعد بين الإخوة، خاصة بعد وفاة الأب أو الأم.
لقد شهدنا الكثير من الأحداث المؤسفة فيما يتعلق بقضايا الميراث، وكيف أن البعض يحاول أن يميل بكفته على حساب إخوته، فيلجأ إلى أساليب وطرق غير سليمة في الحصول على غنيمة الميراث بطرق ملتوية وأساليب يندى لها الجبين ويرفض العقل تصديقها.
بعض الأبناء يحاول أن يستحوذ على حقوق إخوته من الميراث، ووصل بالبعض أن أقدم على ارتكاب جريمة قتل بحق أمه أو أبيه لكي يستحوذ على الأموال التي لديهم، ونسي أن الله تعالى مطلع على عباده، وأن الجريمة النكراء سوف تردّ إليه يومًا من الأيام.
وفي أغلب قضايا الميراث والنزاعات التي تحدث بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب التركة أي الإرث، سببها الأول والأخير هو «الأنانية المتمثلة في حب الذات، والطمع الزائد الذي لا يرضاه الله أبدًا»، ويرجع ذوو الاختصاص هذا الأمر إلى عدة أسباب، منها تجاهل الكثير من الآباء لهذا الموضوع في حياتهم، وعدم إعطائه الأهمية التي يستحقها، فينشأ الورثة على حب المال والمادة أكثر من أي شيء آخر.
ومن النصائح المهمة التي يسديها لنا ديننا الحنيف أن المال وسيلة أنعم الله بها على عباده وليست غاية تصل بهم إلى درجة القتل بين الإخوة، وذلك لتجنب مواجهة مشكلات الميراث واغتصاب الحقوق المالية أو حتى عدم الأمانة المالية في التعاملات.
إن شرع الله واضح للجميع، واتباع الطرق الصحيحة يجنب الأسر الشقاق والنزاع فيما بينهم، بل يجعلهم متحابين متصالحين، كلٌ منهم يأخذ حقه بما أمر الله لهم به.