سامي بن علي الشكيلي
قد يستغرب البعض من ردة فعل الآخرين الذين يُعرضون عن فكرة التفاوض أو الدخول في حوار مباشر في سبيل حل أي مشكلة بهدف التوصل إلى حل توافقي يرضي جميع الأطراف.. وهذا الإعراض يأتي من اعتقاد خاطئ بأن كل المشاكل يجب أن تحل بـ«القوة» أو فرض مبدأ الهيمنة على آراء الآخرين، لكن هذا العناد المفتعل قد يتسبب في حدوث خسائر مضاعفة عندما تغلق أبواب الحوار! نحن وغيرنا نجزم أن «الحوار هو لغة الأذكياء» في زمن نحن بحاجة ماسة إلى تجنب الخسائر وتحجيم الخلافات، وكلنا يعلم يقينا بأن «الحوار البناء الهادف» يمكن أن يفك طلاسم أصعب نقاط الخلاف التي تحدم بين طرفين أو عدة أطراف، ويمكنه أيضا أن يهدئ النفوس المستعرة، وأن يمهد الطريق نحو إرضاء الأطراف وإخماد نيران الانتقام أو تدمير كل شيء يمكن أن يكون نافعا للجميع، ومن خلال تجارب الآخرين في سياق الحوار، نستشف بأن جلسات الصلح وتبادل وجهات النظر أتت ثمارها وإعادة الحقوق إلى أصحابها والمياه إلى مجراها الصحيح.. بالمقابل كان التعنت والصوت المرتفع ولغة التهديد والوعيد لم تقرب وجهات النظر بل بعدت المسافات وقطعت الطريق أمام الفرص لحدوث اتفاق، فبالإعراض عن تحكيم العقل سواء من طرف أو من جميع الأطراف ورفضهم القاطع للحلول والمقترحات يمكن أن نقول إن «الحوار لا فائدة منه»؛ لأن تحقيق المصالحة في هذه الحالة يكون معدوما.
من الواضح للجميع بأن الحوار يكون «حلا» للخلافات إذا صدر من عاقل إلى شخص عاقل آخر، فتلاقي الأفكار ما بين الأطراف يمكن أن يجعل كل طرف يفكر بعقله، ويزن الأمور ويضعها في نصابها الصحيح.. أما الحوار مع من لا يمتلك آداب الحوار فهو حوار «عقيم» ولا يصل لأي نقطة اتفاق أبدا.. لذا يوصينا العقلاء بأن نختار بعناية مع من نتحاور، وإذا أصبح الحوار مستحيلا أو أنه لن يؤتي ثماره فهنا تكون الوجهة نحو «الجهات القضائية» التي تفصل في النزاعات، وتحكم بالعدل وترد المظالم بين الناس.
ومع ذلك نؤكد للمرة المليون بأن الاتجاه نحو تفعيل لغة الحوار والدخول في المفاوضات والنقاشات هو «نهج سياسي سليم»، ولذا تطبقه الكثير من دول العالم من أجل حقن الدماء ورد المظالم، ولكن عندما يعرض أحد الأطراف عن ذلك لا يكون هناك سبيل أمام المظلوم سوى تقديم شكواه إلى المنظمات والمحاكم الدولية التي تصدر قراراتها وأحكامها النهائية.
ومن خلال الواقع يمكن القول إن لغة الحوار سواء كانت بين «الأفراد أو الحكومات» لها آثار طيبة؛ فالمبادرات التي تطلق يمكن أن تحل الكثير من النزاعات وتقرب وجهات النظر.