تعدّ منظومة الإجادة المؤسسية التي دُشنت قبل سنتين، إحدى المبادرات الوطنية الهادفة نحو رفع الأداء والتميز المؤسسي في الوحدات الحكومية المدنية.

من أهدافها وجود مرجعية مركزية تعمل على قياس الأداء لرفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين وذلك عبر تطبيق سبعة معايير لقياس الأداء المؤسسي أهمها: القيادة والتخطيط الاستراتيجي، رأس المال البشري، الشراكة والتشغيل، والابتكار، والحوكمة، ورضا المستفيدين.

كما تعدّ الإجادة المؤسسية أحد ممكنات الإصلاح الإداري لتحويل طبيعة العمل بالوحدات الحكومية من النوع التقليدي الروتيني الذي يركز على تنفيذ ـ الاختصاصات ـ دون قياس فاعليتها والأثر منها، إلى منظومة عمل مؤسسي ذات حوكمة عالية يتم قياسها بمؤشرات محددة وصولا إلى بناء نظام إداري يتسم بالتحسين المستمر، ويساعد في اكتشاف مكامن الخلل والعمل على إصلاحها وتطويرها أولا بأول.

هذه المنظومة صُممت بناء على معايير رئيسة تتضمن معايير فرعية تُقاس بمؤشرات ذات بيانات من الواقع الفعلي، وأيضا عن طريق بعض الاستبيانات التي تُعبأ من المستفيدين من الخدمات التي تقدمها الوحدات الحكومية.

تلك المعايير الرئيسة استُحدثت لكي تسهم في تنفيذ الخطط السنوية للوحدات الحكومية بكفاءة عالية، حيث صيغت استئناسًا ببعض النماذج الدولية المستخدمة في الجودة والتميز المؤسسي، ومنها النموذج الأوروبي لإدارة الجودة (EFQM) وأيضا بطاقة الأداء المتوازن وبعض التجارب الإقليمية.

في الجانب الآخر، بينما يتنافس الموظفون في الوحدات الحكومية للحصول على المراتب العليا في الإجادة الفردية عند التقييم السنوي، فإن الإجادة المؤسسية تتنافس فيها جميع الوحدات الحكومية المدنية للحصول على جوائز الإجادة المؤسسية والتي عادة يتم تكريم الوحدات الحائزة على أعلى النتائج بعد انتهاء سنة التقييم.

قد لا تكون ثمة علاقة بين معايير الإجادة المؤسسية وبين مؤشر فاعلية الحكومة أو كما يطلق عليه في بعض التقارير الحكومية ـ مؤشر الكفاءة الحكومية ـ الوارد ضمن مؤشرات الحوكمة العالمية التي يصدرها البنك الدولي.

مؤشر الكفاءة الحكومية يقيس بنودًا تتعلق بجودة الخدمات العامة، وجودة الخدمات المدنية، ودرجة استقلالية عمل الحكومة عن الضغوط السياسية، وصياغة السياسات وتنفيذها، ومدى مصداقية التزام الحكومة في تنفيذ تلك السياسات.

ولكن ـ في نهاية المطاف ـ فإن الهدف من مؤشر الكفاءة الحكومية بشكل عام يتوافق مع أهداف الإجادة المؤسسية في رفع مستوى الجودة للأداء الحكومي على المستوى المؤسسي.

الجدير بالذكر، هناك تحسن في ترتيب سلطنة عُمان في مؤشر الكفاءة الحكومية بين آخر إصدارين من المرتبة (99) إلى المرتبة (81) دوليا للفترة بين عامي (2023 و2024)، وأيضا هناك تحسن على المستوى الخليجي حيث تقدمت سلطنة عُمان من الترتيب السادس إلى الترتيب الخامس.

بيد أنه من الصعوبة الحكم بأن ذلك التحسن يأتي جراء تطبيق الإجادة المؤسسية، وذلك لحداثة تطبيقها، واختلاف معايير ومؤشرات التقييم.

تجدر الإشارة إلى أن المستهدف من مؤشر الكفاءة الحكومية هو وصول سلطنة عُمان لتكون من بين أفضل (30) دولة على مستوى العالم بحلول العام (2030).

كما أن وضع الوحدات الحكومية في قالب واحد وبمعايير موحدة يتم قياس أدائها بعض النظر عن أعمالها القطاعية التخصصية قد لا يخدم الأهداف المرجوة من تطبيق الإجادة المؤسسية.

لتقريب الصورة أكثر، فإن أغلب المعايير المستخدمة قد تخدم بشكل مباشر الوحدات الحكومية المتجانسة تنظيميًا وهيكليًا؛ على سبيل المثال، الوزارات المدنية والمحافظات؛ حيث إنها تقدم خدمات مدنية عامة للجمهور، بينما قد يكون من غير المناسب تطبيق معايير الإجادة المؤسسية على الجامعات الحكومية وإن كانت تقدم خدمات تعليمية.

تلك الجامعات تختلف كليا في هياكلها التنظيمية وفي التزامها بالاعتمادات من الهيئات الحكومية المحلية، وأيضا مؤسسات الاعتماد الدولية.

على سبيل المثال، الجامعات الحكومية تخضع قانونًا لتقييم برامجها الأكاديمية من قبل الهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم على المستوى البرامجي والمؤسسي، وأيضا من المؤسسات الأكاديمية الدولية حسب البرامج الأكاديمية التخصصية لكل قسم أو كلية. هذه الاعتمادات الأكاديمية لها معايير متنوعة تتضمن جوانب كثيرة، منها التعليم والتعليم والحوكمة والخدمات المقدمة للطلاب والبحث العلمي والسياسات والإجراءات والموارد البشرية. ينتج عن تلك الاعتمادات شهادات اعتماد لمدة زمنية معنية، ثم بعد مضي تكل المدة تجديد الاعتماد بالآلية السابقة نفسها.

أيضا تلك الجامعات الحكومية مطالبة بالإدراج البرامجي لمؤهلاتها في سجل المؤهلات الوطنية والذي يعدّ نوعًا من أنواع التقييم لتحسين الجودة.

هذه الجامعات مطالبة أيضا بنوع آخر وهو المراجعة الأكاديمية لبرامجها كل مرة بعد مرور أربع أو ست سنوات ـ حسب البرنامج الأكاديمي ـ لكي تكون تلك البرامج متوافقة مع التطورات العلمية.

مع هذا وذلك، فإن إخضاع الجامعات الحكومية أيضا للإجادة المؤسسية يعمل على زيادة الأعباء الإضافية ويعمل على التشكيك في اتساق ذلك الإخضاع مع الاستقلالية المالية والإدارية والأكاديمية التي منحت لتك الجامعات في مراسيم إنشائها تطبيقا لمبادئ النظام الأساسي للدولة الذي كفل استقلال الجامعات.

ولست هنا مدافعًا أو متحيزًا للجامعات الحكومية؛ ولكن الواقع العملي يوحي بكل وضوح بأن كثرة تدخل الجهات الحكومية النافذة في أعمال الجامعات يعمل على تشتيت الجهود، ويزيد الأعباء الإضافية على الموظفين؛ وبالتالي، قد لا تعكس نتائج التقييم المتعلقة بالإجادة المؤسسية ما تقوم به الجامعات على الواقع العملي.

أيضا ما سبق ينطبق على المؤسسات الصحية؛ حيث إن لديها معايير تقييم على المستوى المحلي.

في المقابل فإن أغلب الوزارات والوحدات الحكومية التي تقدم خدمات عامة ليس لديها هذا الكم المتعدد من الاعتمادات الأكاديمية؛ وبالتالي، إخضاعها لمنظومة الإجادة المؤسسية يكون مناسبًا.

ما سبق عبارة عن رأي يقبل الصح والخطأ، حيث إن هناك قولًا آخر يرى بأن تعدد مسارات التقييم أيًا كان نوعها يعمل على سد الفجوات والثغرات، وأن الوحدات الحكومية أيا كانت وظيفتها بطريقة ما ينبغي لها التكيف مع المتطلبات الحكومية المتعلقة بالتقييم المؤسسي الذي تطلبه الحكومة لأن مواردها المالية تأتي من الخزانة العامة للدولة. قد يكون من المناسب، بعد صدور النتائج النهائية لتقييم الوحدات الحكومية تشكيل فريق محايد يقوم بزيارة الوحدات التي حصلت على تقييمات منخفضة أو متوسطة لدراسة الأسباب، وعمل جدول زمني للتحسين المستمر نحو إيجاد حلول لأسباب تلك النتائج.

إن تكريم الوحدات الحكومية الحاصلة على مستويات عالية في الإجادة المؤسسية مع عدم وجود خطة تحسينية للجهات ذات المستوى المتوسط أو المنخفض لا يساعد على التميز المؤسسي.

حسب ما شاهدناه من اللقاءات التعريفية من الفريق المركزي المعني بمنظومة الإجادة المؤسسية، والتحديثات الأخيرة في منهجية عمل المنظومة، والتي من أهمها تغيير دورية القياس لتكون نصف سنوية بدلًا عن ربع سنوية، يعطي أريحية للوحدات الحكومية في رصد ومتابعة وتحليل البيانات.

كما تم العمل على إعادة صياغة تعريف المعايير الفرعية وأدوات القياس لتكون أكثر وضوحا وتطبيقا.

أيضا هناك توجه نحو إيجاد منصة إلكترونية للمنظومة والتي من المفترض تدشينها العام القادم من شأنها التسهيل واختزال الوقت وزيادة دقة المدخلات.

مثل هذا التعديلات وجوانب التطوير المستمرة لمنظومة الإجادة المؤسسية قد يشرع الباب نحو إسهامها في رفع الأداء الحكومي، وأيضا تأثيرها مستقبلا في رفع مؤشر الكفاءة الحكومية.

الفريق المركزي للمنظومة لديه كفاءات عمانية تعمل بشكل احترافي، تم منحه صلاحيات تنفيذية وفنية في اتخاذ القرارات التطويرية.

هذا بلا شك يمهد المسار مستقبلًا نحو تطبيق المنظومة بواقعية أكثر، ويعمل على تحسين تأثيرها في رفع مستوى إنتاجية الأداء الحكومي بكفاءة أفضل.