ولم يساعد تركيز ترامب المنفرد على التوصل إلى اتفاق (بغض النظر عن التفاصيل) في تغيير الحسابات الاستراتيجية عند أي من الطرفين. لقد جعل ترامب إنهاء الحرب، بصرف النظر عن العواقب التي قد يخلفها ذلك على أوكرانيا وأوروبا، إحدى الأولويات القصوى في ولايته الثانية، وهو منزعج إزاء عدم حدوث ذلك بالفعل.
عندما ترغب في إبرام صفقة بأقل تكلفة ممكنة ولا تبالي بشكل خاص بالشروط أو التداعيات في الأمد القريب أو البعيد في عموم الأمر، فإن المسار الأقل مقاومة يتمثل في الضغط على الطرف الأضعف.
الطرف الأضعف، بالطبع، هو أوكرانيا، ليس فقط لأن اقتصادها وسكانها وجيشها أصغر مقارنة بروسيا، ولكن أيضا لأنها متورطة في فضيحة فساد طالت مؤخرا أندريه يرماك، رئيس أركان الرئيس فولوديمير زيلينسكي. وإذ يدرك ترامب ومستشاروه أن زيلينسكي في موقف صعب في الداخل، فإنهم يَشتَمّون فرصة سانحة. فقد يكون الضغط على أوكرانيا الآن أكثر تبشيرا بتحقيق نتائج.
ولكن ما لا يفهمونه على ما يبدو هو أن ضعف زيلينسكي يجعل التنازلات أصعب، وليس أسهل. فبينما تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن ربع الأوكرانيين فقط يريدون القتال حتى النصر الكامل، وهو ما يمثل تحولا دراماتيكيا عن سنوات الحرب الأولى، تظهر ذات الاستطلاعات أن معظم الأوكرانيين لا يزالون يريدون نهاية للحرب بشروط أوكرانية وليست روسية.
وحتى لو كان يميل إلى ذلك كل الميل، فلا يستطيع زيلينسكي الضعيف سياسيا أن يدعم اتفاقا تفوح منه رائحة الاستسلام، والذي سيعارضه شعبه وجيشه بأغلبية ساحقة. من جانبها، تدرك روسيا أنها صاحبة الموقف الأقوى ولا تحاول التوصل إلى شروط قد تقبلها أوكرانيا. في الواقع، لا يحاول الرئيس فلاديمير بوتن إنهاء الحرب على الإطلاق؛ لأنه يعتقد أن بإمكانه أن يحقق في ساحة المعركة نتائج أفضل من تلك على طاولة المفاوضات.
في أفضل سيناريو يتخيله بوتن، تحقق هذه الاستراتيجية لروسيا أمرين: الإفلات بدرجة أكبر من العقاب على هجماتها على أوكرانيا (التي قد تستفز لولا ذلك ردة فعل أميركية عكسية) وحلف شمال الأطلسي الأكثر انقساما. لكن استراتيجية بوتن ليست بلا حدود. فقد أظهر ترامب بالفعل أنه قادر على الانقلاب على روسيا أيضا.
فعندما شعر بالإحباط من تعنت بوتن في وقت سابق من هذا العام، منحت الولايات المتحدة أوكرانيا الإذن بشن ضربات بعيدة المدى داخل روسيا، وفرضت عقوبات جديدة على شركتي روسنفت ولوك أويل، وضغطت على الهند لتقليص مشترياتها من النفط الروسي.
علاوة على ذلك، بذلت أوكرانيا، وأوروبا، ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو القدر الكافي من الجهد (حتى الآن) للحفاظ على تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، ومواصلة السماح بتوجيه ضربات عميقة للبنية الأساسية النفطية الروسية. الحد الآخر الذي يقيد استراتيجية بوتن هو أن ترامب لم يعد يتحكم في شريان الحياة الممدود لأوكرانيا.
فالولايات المتحدة تبيع الأسلحة وتوفر المعلومات الاستخباراتية، لكن الدول الأوروبية تمول الآن المجهود الحربي الأوكراني بالكامل. وهذا يقلل إلى حد كبير من نفوذ واشنطن على كييف. وقد أوضح القادة الأوروبيون، سواء من خلال الاستفادة من الأصول الروسية المجمدة، أو من خلال إصدار مزيد من الديون المشتركة، أنهم لن يتركوا أوكرانيا تخسر بسبب نقص المال.
لذا، سوف تمر الحرب عبر جولة أخرى من المحادثات الفاشلة، وشتاء آخر، وربما ربيع آخر. وسوف تستمر القوات الروسية في محاولة السيطرة على مزيد من الأراضي. وسوف تواصل أوكرانيا الدفاع عن نفسها بينما تضرب البنية الأساسية الروسية. وسوف تتصاعد التكاليف البشرية والاقتصادية. ومن المرجح أن يتدهور موقف أوكرانيا، حتى في حين تدفع روسيا ثمنا باهظا من الدماء والأموال مقابل مكاسب محدودة.