وأنت تبحث عن مقاول تُسندُ إليه مهمة تشييد منزلك، يلزمك أن تضع في حسبانك أنك لن تنجو -شئت أم أبيت-، من دخول عِراك مرير لا يستكين إلا بتدخل الأقربين منك ومنه والأبعدين، وربما تستعين بسلطة المحكمة، رغم وضوح البنود التي تتضمنها اتفاقية البناء.
ورغم توخيك الحذر من الوقوع في شِركِ مقاول «لا يخاف الله»، عبر التحري المُسبق عن التزامه وطبيعة تعامله، إلا أن الاصطدام بمفاجآته قدرٌ يستلزم الفرار من قبضته، وامتلاكك قدرة خارقة على التحمل، و«بارض» واسع، و«جيب عامر»، فقِلّة من المقاولين لا يقفون في منتصف الطريق، بسبب «النجرة» وسوء الإدارة.
شروط البناء عادة معروفة، تتضمن كل ما يتعلق بنوعية المواد الأساسية، كالحديد والرمل والطابوق والأسمنت، والأدوات الصحية والكهربائية والأصباغ، والأبواب والنوافذ وأسعارها، إضافة إلى جزئية مهمة تخص المدة التي سيستغرقها البناء، لكن رغم ذلك الوضوح، لا تسير الأمور على ما يرام، فكثير من المقاولين اعتادوا تمويل مشروع هذا من المبالغ التي استلمها من ذاك، ومشروع ذاك من الدفعات التي حولها له هذا.
غالبًا ما تتوقف مشاريع البناء وتتعثر، لأن «بعض» المقاولين مخادعون، لا يستنكفون من التلاعب ولو من خلال تفاصيل صغيرة، كإنقاص كميات الحديد أو الرمل مثلًا، وتركيب أدوات صحية وكهربائية وأصباغ ذات جودة متدنية، للاستفادة من الفوارق المالية، إلى جانب عدم الالتزام بتوقيت تسليم المشروع، بسبب ازدحام جداولهم بالمشاريع التي يوقعون على تنفيذها، رغم تيقنهم أنهم لن يتمكنوا من الإيفاء بالتزاماتهم.
لي جارٌ اعتدت رؤيته يتفقد مشروع بناء يخص ابنه، صراخه لا ينفك يتعالى كل يوم، زرته مرة في الموقع، فإذا به يطلب من العامل زيادة كمية الإسمنت، قبل أن أُلقي عليه السلام توجه إليّ غاضبًا: «عدوان الله ورسوله، يقولوا ما يوكلوا اللحم، لكنهم عادي يوكلونا نحن»، ويأخذ في عدّ الهنّات التي يجزم أن العمال يرتكبونها عامدين متعمدين بسبب خساسة طباعهم.
بلا شك، سيعلو صوت هذا الرجل ويعلو حتى يجف ريقه ولن يسمعه أحد، سيصرخ ويشتم، لكنه لن يكسب سوى الذنب، سيذهب إلى الاستشاري المُتفق معه على متابعة المشروع شاكيًا «الفورمن»، ليكتشف أن الاثنين ينتميان لجنسية واحدة، وأن مهندس المشروع «متخارد» مع المقاول والاستشاري، سيكتشف أن الجميع غشاشون، سيخرج من المعركة خاسرًا، لأنه يقاتل في أكثر من جبهة، ولن يجد من يحميه من هذه العصابة.
النقطة الأخيرة:
تلزمنا التجارب الحقيقية لمعرفة جوهر من حولنا، نظل بحاجة ماسة لمعايشة الواقع بتفاصيله الصغيرة، فليس من سَمِع كمن اقترب وعايش وجرب.
عُمر العبري كاتب عُماني