المصنعة - عامر الأنصاري

**media[3214055]**


في خطوة لمشاركة المتسابقين في بطولة العالم للإبحار الشراعي للأشخاص ذوي الإعاقة، والقادمين من 37 دولة، أجواء الحماس والتحدي، كانت "عمان" في قلب الحدث، إذ صعدتُ مع أفراد الطاقم الإعلامي على متن قارب مرافق لطواقم المراقبة والتحكيم والمتسابقين، ضابطا إعداد كاميرتي ومحترسًا من فقدانها في الماء!
كانت التجربة مليئة بروح التفاؤل، إذ قبل صعود القارب تتوافد جموع المشاركين نحو مرسى منتجع بارسيلو المصنعة، بعضهم على كراسٍ متحركة يمتطونها بقدرات عالية في التحكم والسرعة، وآخرون يقاومون صعوبة المشي للوصول إلى قواربهم، ومنهم من ذوي الإعاقة الذهنية قادمون بابتسامة لا تفارقهم، وغيرهم من أصحاب الإعاقات، ورغم اختلاف الإعاقات وفئات المنافسة، كان الجميع يشترك في قبول التحدي ومحاولة كسب الرهان.
وقد دفعتني تلك المشاهد إلى مزيد من الحماس لرؤية قدراتهم على متن القوارب المختلفة، منها الفردية مثل قاربي "هانسا 303" و"إليكا 6"، ومنها الجماعية مثل قاربي "آر.إس. فينشر" و"فار.إيست".
وقبل انطلاق الجولات، وعلى اختلاف نقاط البداية بحسب فئات القوارب، ترقب الجميع – ونحن معهم – صافرات الانطلاق التي تسبقها صافرات تُشعر المتسابقين بقرب موعد البدء، والفاصل بين كل صافرة حوالي 5 دقائق. كان الجميع على أهبة الاستعداد، ففي القوارب الفردية تجد المتسابقين ممسكين بحبال الأشرعة ومقود التحكم، وأدوات أخرى يعرفونها جيدًا تساعدهم على الانطلاق والمناورة والانعطاف. كان الإصرار والعزيمة يملآن نفوسهم، لا يتوانى أحد منهم، الكل يشير ببصره وبصيرته نحو خط النهاية، حاملًا آماله بالفوز ورفع علم بلده عاليًا. ورغم روح المنافسة المتقدة، كانت الألفة حاضرة بين الجميع، فتتجلى الروح الرياضية بأبهى صورها، وتمنح درسًا في التنافس الشريف.
وفي القوارب الجماعية، تبرز روح التعاون بوضوح، فلكل فرد دور مهم يُسند إليه، ولكل مسؤولية تُسهم في صناعة التكامل وبناء الفريق. ومهما تنوعت الإعاقة، تجد التوظيف الأمثل للقدرات ليكون المركب كيانًا واحدًا يقوده ربان واحد، ومما يثير الإعجاب مشاركة عدد من المكفوفين ضمن فرق قوارب "فار.إيست"، يمتلكون بصيرة متقدة وأذنًا تكاد تُبصر من شدة الحرص والانتباه. واختُتمت الجولات التي شاركتُ فيها تاركةً وراءها ذكرى رائعة ودروسًا في معنى التكامل والوفاء والتنافس الشريف، لتكون الأنظار بعدها متجهة نحو لجان التحكيم لإعلان النتائج.
مشاركة عالمية
تشهد البطولة حضورًا مميزًا لنخبة من أبرز البحّارة الدوليين الذين يجتمعون في سلطنة عُمان بطموحات كبيرة ورغبة في اعتلاء منصّات التتويج. ففي فئة قوارب "هانسا 303"، يشارك كل من التشيلية زايدا بيريز، والفرنسي غوتيير بريل، والبريطاني روي ماكينا، إضافة إلى الألماني ينس كروكر والإيطالية أليساندرا فرانكي، وجميعهم من الأسماء البارزة في المشهد العالمي للإبحار الشراعي البارالمبي.
وفي فئة قوارب "آر.إس. فينشر"، يدخل الثنائي البولندي بيوتر وأولغا المنافسات بثقة كبيرة وطموح واضح نحو تحقيق المراكز الأولى، إلى جانب مشاركة قوية من الفريق البريطاني بقيادة آدم وجاز، وكذلك الفريق النرويجي هنرييت وسول، والفريق السويدي فيا وكرو.
أما في فئة قوارب "فار.إيست" المخصصة للبحّارة المكفوفين، فتتقدّم البريطانية المخضرمة لوسي هورجز فريق المملكة المتحدة، بينما يخوض كلٌّ من الأسترالية كايلي فورث والإسباني داني بيتش منافسات قوية يتوقع لها أن تكون من أبرز سباقات البطولة.
وتُضفي هذه الأسماء الدولية البارزة في الإبحار البارالمي، بما تملكه من خبرات عالمية وإنجازات بارزة وطموحات متجددة، زخماً تنافسيًا استثنائيًا على النسخة الافتتاحية من البطولة، بما يَعِد بسباقات مليئة بالحماس والتحدي بهدف الوصول إلى منصّات التتويج.
نتائج اليوم الثاني
وشهدت منافسات يوم أمس ، في اليوم الثاني من بطولة العالم للإبحار الشراعي للأشخاص ذوي الإعاقة 2025، تطورًا لافتًا في مسار الترتيب العام بعد سلسلة من السباقات التي اتسمت بالإثارة وتقارب المستويات بين البحّارة المشاركين في الفئات الأربع.
ففي فئة "آر.إس. فينشر"، تمكّن الثنائي البولندي "بيوتر سيخوتشكي" و"أولغا غورناس غرودزين" من اعتلاء صدارة الترتيب بعد ظهور قوي حافظا خلاله على استقرار أدائهما في مختلف مراحل السباق. وواصل الفريق النرويجي بقيادة "ستايان كريستيانسن" و"إليوت فينيستراند" منافسته القوية ليبقى في المركز الثاني، بينما تمكن الفريق السويدي المكوّن من "رفيا فيلدال" و"باتريك روزنبرغ" من التقدم إلى المركز الثالث. أما الفريق النرويجي الآخر، الذي يضم "هنرييت سميث" و"سولفريد كفينسلاند"، فتراجع إلى المركز الرابع رغم نتائجه المميزة في اليوم الافتتاحي.
وفي فئة "هانسا 303"، حافظ البريطاني "روري ماكينا" على صدارة الفئة بفضل إجادته قراءة تغيّرات الرياح وإدارة القارب بدقة عالية، فيما جاء الياباني "تاكومي نيوا" في المركز الثاني بأداء متزن ومستقر، واحتفظ البرتغالي "جواو بينتو" بالمركز الثالث مستفيدًا من ثباته الفني طوال السباقات. وعلى مستوى المشاركين العمانيين، قدّم مالك القرطوبي سباقات جيدة أنهى بها اليوم في المركز الخامس عشر، بينما حلّ زميله علي الغسيني في المركز السابع عشر.
أما فئة "إلكا 6" المخصصة للبحّارة من ذوي الإعاقات الذهنية، فقد واصل البريطاني "موري ماكدونالد" تفوقه وتشبثه بالصدارة، فيما تقدّم البحّار "تسز هين تشيونغ" من هونغ كونغ إلى المركز الثاني بعد أداء متصاعد طوال اليوم، كما تمكن البحّار مروان سلوم من الإمارات من الوصول إلى المركز الثالث عقب سلسلة سباقات ناجحة.
وفي فئة "فار.إيست" للبحّارة المكفوفين بمشاركة آخرين، حافظ فريق المملكة المتحدة بقيادة "لوسي هودجز" على تفوقه وصدارة الفئة بفضل الانسجام العالي بين أفراد الطاقم، وتمكّن الفريق الإسباني بقيادة "دانيال أنجلادا بيتش" من الارتقاء إلى المركز الثاني، بينما تراجع فريق "كارل هاينز" إلى المركز الثالث، في حين اختتم الفريق البريطاني بقيادة "فيكي شين" منافسات اليوم في المركز الرابع.
إشادة واسعة بالتنظيم
أعرب البحّار جاستن بريديوهان، من دولة ترينيداد وتوباجو، عن سعادته بالمشاركة في النسخة الافتتاحية من البطولة، مشيدًا بمستوى التنظيم منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى موقع الحدث، وقال: "الكل يعمل باحترافية عالية، وكل الخدمات المقدمة للرياضيين ممتازة ولم أواجه أي ملاحظة حتى الآن. أجواء البطولة مريحة ومحفّزة، والتنظيم يسهّل على البحّارة التركيز على أدائهم أثناء خوض السباقات." وعن توقعاته للسباقات القادمة، أضاف جاستن: "أتطلع لتقديم أفضل ما لدي في الجولات المقبلة، وأن أحقق نتيجة تعكس جاهزيتي واستعدادي للبطولة."
من جانبه، قال البحّار الأمريكي ديلان يونج، القادم من مدينة سياتل بولاية واشنطن الأمريكية، والذي يشارك في البطولة عبر فئة قوارب "هانسا 303"، عن إعجابه الكبير بالبطولة، واصفًا إياها بأنها حدث عالمي بكل المقاييس. وقال: إن التنظيم استثنائي وإن البطولة تمتاز بأجواء مميزة تعكس مستوى الاحترافية في سلطنة عُمان. وأشاد ديلان بجودة الخدمات المقدمة للمشاركين، مؤكدًا أن المرافق سهلة الوصول ومهيأة بشكل ممتاز وتمنح الرياضيين تجربة مريحة ومتكاملة منذ اللحظة الأولى لوصولهم.

**media[3214058]**

هنرييت ديسمو: الأجواء في عُمان استثنائية ومكان الإبحار من الأفضل عالميًا

في لقاء مع "عمان"، عبّرت المتسابقة النرويجية "هنرييت ديسمو"، وهي من إحدى بطلات الإبحار الشراعي لذوي الإعاقة الحركية، عن سعادتها الكبيرة بالعودة إلى سلطنة عُمان، وهذه المرة للمشاركة في بطولة العالم للإبحار الشراعي للأشخاص ذوي الإعاقة، مؤكدةً أن التجربة هنا تحمل لها معنى خاصًا على المستويين الرياضي والشخصي.

وقالت "هنرييت ديسمو": إنها تخوض النسخة الحالية بمقعد جديد يختلف عن الذي استخدمته سابقًا، لكنها كانت متحمسة للغاية للعودة إلى واحدة من أفضل البيئات البحرية التي سبق لها الإبحار فيها، وأضافت: "كنت أنتظر هذه العودة منذ مدة، فالأجواء هنا استثنائية، ومكان الإبحار من الأفضل عالميًا".

وكشفت "هنرييت ديسمو" عن التطورات الكبيرة التي شهدتها مسيرتها خلال العام الماضي، إذ تم اختيارها لعضوية مجلس إدارة الفئة الدولية لقوارب "آر.إس.فينشر" بعد نشاطها المتواصل في دعم وتطوير هذه الفئة، كما ذكرت في حديثها أنه تم انتخابها ممثلة للرياضيين في اللجان المعنية برياضة الإبحار البارالمبي، إلى جانب انضمامها إلى فريق "بارا للإبحار العالمي"، وقالت بلغة بملؤها التفاؤل: "الإبحار الشراعي منحني القدرة على تحقيق أهدافي، لم أكن أعلم أن هذه الرياضة قادرة على منحي الثقة وأثبت أنني قادرة على تحقيق الإنجازات الرياضية والشخصية".

وبالعودة إلى مشاركتها الحالية، أشارت المتسابقة النرويجية إلى أنّ رحلتها السابقة في سلطنة عُمان كانت مليئة بالتحديات الفنية، لكن الأيام الأولى لهذه البطولة جاءت بنتائج مذهلة، قائلة: "حققنا مركزين أولين في سباقين متتاليين، كان كل شيء متناغمًا اليوم بشكل لا يُصدق".

وأوضحت أن الظروف الصعبة في بداية اليوم، ومنها الانتظار الطويل بسبب رفع شارة الانطلاق، ثم إلغاء أحد السباقات، لم تمنع الفريق من تقديم أفضل أداء لديهم بمجرد انطلاق المحاولات الفعلية.

وأضافت "هنرييت ديسمو" قائلة: "أشعر بأن كل ما تعلمناه وطورناه خلال الفترة الماضية قد ظهر اليوم بوضوح، حتى الأمور التي كانت تُربكني قبل أيام، كقراءة التيارات واتخاذ القرار التكتيكي الصحيح، أصبحت أكثر خبرة ودراية في اتخاذ القرار الصحيح والمناسب".

وفي ختام حديثها، وجّهت "هنرييت ديسمو"، وهي البحارة الأنثى الوحيدة في فريق بلادها، رسالة تقدير للمنظمين، مؤكدةً اعتزازها بالعودة إلى أحد الأماكن الأقرب إلى قلبها في مسيرتها الرياضية، إذ قالت: "شكرًا لاستقبالكم لنا مجددًا، وأعشق الإبحار هنا، وأشعر أن هذا المكان يجلب أفضل ما لدي".

**media[3214059]**

خير النساء البلوشية.. أول محكِّمة عمانية في الإبحار الشراعي

كان لـ "عُمان" وقفة مع أبرز تجارب التحكيم النسائي في رياضة الإبحار الشراعي، من خلال مشاركة "خير النساء البلوشية" كأول محكّمة عمانية تخوض هذه التجربة في بطولة دولية، ضمن منافسات بطولة العالم للإبحار الشراعي للأشخاص ذوي الإعاقة.

وتشارك خير النساء البلوشية ضمن لجنة تحكيم مشتركة تضم عناصر محلية ودولية، حيث أوضحت أن اللجنة "مكوّنة من ثلاثة حكّام عمانيين صالح الجابري، وعلي البوسعيدي، بالإضافة إليَّ، إلى جانب محكّمين دوليين من الاتحاد الدولي للإبحار"، وتشرف على عدة مسارات وفئات من القوارب، أبرزها قوارب الهانسا 303 و قوارب آر.إس فينشر.

تتنقّل البلوشية بين فئات السباق بحسب الجدول اليومي، إذ يتغير اختصاص كل حكم من يوم لآخر، وتقول: "في اليوم الأول أشرفنا على مسار فئة الهانسا، وبعدها انتقلنا إلى فئة أخرى، فالجدول يتغيّر يوميًا ولا يبقى ثابتًا".

وفي سباق الهانسا أشرفت لجنة التحكيم التي شاركت فيها البلوشية على ثلاث مجموعات على المسار ذاته، وضمت المجموعات الثلاث نحو 32 متسابقًا، وتشير البلوشية إلى أن معظم المشاركين يمتلكون معرفة مسبقة بالقوانين الدولية، التي يتم تحديثها كل أربع سنوات، إذ تقول: "القوانين المعمول بها ليست محلية، بل هي قوانين دولية، وتُحدّث دوريًا كل أربع سنوات".

أما المخالفات فتتنوع بين محاولات غير قانونية لزيادة سرعة القارب أو تحسين توازنه، مثل قيام بعض اللاعبين بما يُعرف بـ "الضخّ اليدوي" أو الدفع باليدين من خلال تحريك الأشرعة، وهي مخالفة واضحة في فئات ذوي الإعاقة لعدم تكافؤ القدرات، وتوضح: "يُمنع على المتسابق أن يدفع القارب بيديه أو يتقدم بجسمه كاملًا إلى الأمام لزيادة السرعة، لأن ذلك يخلّ بعدالة المنافسة، فإعاقات المتسابقين ليست متساوية".

كما يحدث أحيانًا أن يستغل اللاعبون قوة الرياح لإرباك الآخرين، أو تقع احتكاكات بين القوارب، وهي أمور تُراقب عبر أجهزة التتبع لضمان اتخاذ القرار العادل.

وتوضح البلوشية أن القوارب المستخدمة في البطولة مناسبة لأنواع مختلفة من الإعاقات، لكنها تختلف في مستوى التخصيص، إذ توجد قوارب أكثر تخصصًا مثل قارب "ليبرتي" المخصص للإعاقات الشديدة، غير المتوفر حاليًا في البطولة.

أما بشأن مشاركة المكفوفين، فأكدت إمكانية ذلك عبر استخدام أنظمة ملاحة صوتية، مشيرةً إلى أنها شاهدت هذا النوع من السباقات في إيطاليا: "كان المتسابقون المكفوفون يعتمدون على نظام ملاحة صوتي يزوّدهم بتوجيهات تساعدهم على الإبحار بمفردهم، وأحيانًا يشاركون ضمن فئة مفتوحة مع مدرب، كما يحدث في هذه البطولة".

وحول تجربتها الشخصية، بدأت خير النساء البلوشية رحلتها في الإبحار كمتسابقة، ثم كمدربة، قبل أن تقرر دخول مجال التحكيم رغبةً في فهم اللعبة من منظور مختلف.

وتقول: "كنتُ أعتقد أحيانًا كمتسابقة أنني مظلومة، لكن الحكم يرى الأمور بمنظور آخر، لذلك رغبتُ في تعلّم آلية تفكير الحكم ومعايير اتخاذه للقرار".

وخضعت البلوشية لدورات التحكيم المعتمدة لتصبح أول عمانية تمارس هذا الدور على أرض الواقع، وتصف يومها الأول في التحكيم بقولها: "في هذه البطولة خضت أول تجربة لي في التحكيم، هي تجربة جديدة بالكامل، وأشعر بأن لدي الرغبة لمواصلة هذا المشوار".

وتؤكد البلوشية أن الحياد هو أساس العمل التحكيمي، خصوصًا في البطولات الدولية متعددة الجنسيات، مشددةً على عدم التحيّز لأي لاعب مهما كانت جنسيته: "لا يجوز للحكم أن يساعد متسابقًا لأنه من بلده، فجميع المتسابقين متساوون أمام القوانين".