تتزايد مظاهر التفاخر في المناسبات الاجتماعية بشكل ملاحظ، وذلك من منطلق أن الاحتفال فرصة للتعبير عن الفرح، فيما ينجرف آخرون إلى التسابق في إظهار الثراء أو المكانة الاجتماعية، ويبقى السؤال هل أصبح التفاخر أهم من الشعور الإنساني؟ وهل فقدت هذه المناسبات روح البساطة والألفة؟
يقول الدكتور أمجد بن حسن الحاج، أستاذ العمل الاجتماعي المشارك بجامعة السلطان قابوس: لا تخلو المجتمعات من المناسبات الاجتماعية، التي قد تكون على مستوى الأسرة أو العائلة أو المجتمع، وترتبط بأحداث شخصية أو أسرية أو مجتمعية، ويختلف التعبير عن هذه المناسبات حسب ثقافة كل مجتمع، فنجد البساطة في المناسبات الاجتماعية عند بعض المجتمعات، وفي مجتمعات أخرى نجد التفاخر والتكلف بشتى صوره في إعداد الولائم، وحجز القاعات الكبيرة، وشراء العلامات التجارة، والتزين المبالغ فيه، والهدايا الفاخرة وغيرها من مظاهر التفاخر والتكلف.
سلوكًا دخيلا
وأشار إلى أن المناسبات الاجتماعية تعد جزءا مهمًا في النسيج المجتمعي، إذ تُسهم في تعزيز الروابط الأسرية، وتوطيد العلاقات بين الأفراد، وتوفير بيئة للتواصل، ويعد التفاخر والتكلف في المناسبات الاجتماعية سلوكا دخيلا على ثقافتنا المعروف عنها الاعتدال والوسطية، مضيفا أنه من أهم الأسباب التي تدفع بعض الأسر للمبالغة في تنظيم حفلات الأعراس أو غيرها من المناسبات الاجتماعية هو نتيجة للتطورات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والرقمية التي نشهدها اليوم في هذا العالم المتغير، التي تتداخل فيها صور شتى من مختلف الثقافات للتعبير عن مناسباتهم الاجتماعية.
وعن كيفية تأثير هذا التفاخر على العلاقات الاجتماعية بين الأسر والأفراد أفاد الدكتور: نشهد مظاهر وأشكالًا مبالغة فيها للتعبير عن هذه المناسبات، مما يفقدها أهدافها الجوهرية، فيقاس نجاح المناسبة بمدى فخامتها، وتكلفة تنظيمها، وعدد المدعوين أو شهرتهم، بدلاً من التركيز على قيم التواصل والاحتفاء الحقيقي بالمناسبة، موضحا أن التكلف في المناسبات يشكل ضغطا اجتماعيا واقتصاديا على الأفراد، خاصة أولئك الذين لا يمتلكون القدرة المالية لمجاراة هذا النمط، مما يؤدي إلى مقارنات غير عادلة، ومن الناحية الاقتصادية، يسهم هذا السلوك في زيادة الاستهلاك غير الضروري.
الاستقرار المالي
ويضيف: ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى الانتشار السريع لصور التفاخر والتكلف في المناسبات الاجتماعية وحصد المشاهدات والإعجاب، مما يؤدي إلى المقارنات غير العادلة بين شرائح وفئات المجتمع، كما يسهم الإنفاق المبالغ فيه في المناسبات في إثقال كاهل الأسر ماديًا، وأحيانا اللجوء إلى الاقتراض لتغطية تكاليف المناسبات، مما ينعكس سلبا على الاستقرار المالي للأسر، أما من الناحية النفسية، فقد يؤدي إلى اضطرابات في تقدير الذات، وتعزيز ثقافة المظاهر على حساب القيم الحقيقة في الزواج، فنرى العزوف عن الزواج لدى الشباب، نظرا للتكاليف المبالغ فيها.
ويقول: إن المسؤولية لا تقع على فرد أو جهة واحدة، بل هي مسؤولية مجتمعية مشتركة تتطلب تضافر جهود مختلف المؤسسات التربوية والدينية والإعلامية والمدنية، وتبدأ هذه المسؤولية من الأسرة؛ بوصفها المؤسسة الاجتماعية الأولى، حيث ينبغي أن تُغرس في أفرادها منذ الصغر قيم الاعتدال، وعدم الإسراف، واحترام الآخرين دون مقارنات مادية، ثم تأتي المدرسة كمؤسسة تربوية وتعليمية، يقع على عاتقها دور محوري في تعزيز ثقافة القناعة والوعي النقدي، من خلال المناهج والأنشطة التي تبرز أهمية تحقيق الأهداف بأساليب عقلانية، بعيدا عن التفاخر والتكلف، كما أن المدرسة تسهم في بناء شخصية الطالب القادرة على التمييز بين القيم الحقيقية والمظاهر الزائفة، أما المؤسسات الدينية، فهي تمتلك تأثيرا روحيا وأخلاقيا عميقا، ويمكنها من خلال خطب الجمعة والدروس الدينية أن ترسخ مفاهيم الزهد، والاعتدال، والتكافل الاجتماعي، وتحذر من الإسراف والتباهي الذي يخالف القيم الدينية الأصيلة.
تضافر الجهود
وفي السياق ذاته، تلعب وسائل الإعلام دورا بالغ الأهمية في تقديم نماذج إيجابية لمناسبات بسيطة وناجحة، بدلا من الترويج للمظاهر الفارغة التي تعمق الفجوة بين أفراد المجتمع، كما تعد مؤسسات المجتمع المدني شريكا أساسيا في هذا الجهد، من خلال تنظيم حملات توعوية، وحلقات عمل، ومبادرات مجتمعية تعزز من قيم التواصل والمحبة، وتراعي مشاعر الأفراد بعيدا عن الضغوط الاجتماعية الناتجة عن المقارنات والتكلف، مشيرا إلى أن التصدي لظاهرة التفاخر والتكلف في المناسبات الاجتماعية يتطلب رؤية تكاملية تشارك فيها جميع مؤسسات المجتمع، بهدف إعادة الاعتبار للقيم الإنسانية الأصيلة، وتحقيق مناسبات تعبر عن الفرح الحقيقي والتواصل الصادق بين الناس. ولا بد من أن نعمل معا في بناء وعي مجتمعي متوازن يدرك أن قيمة الإنسان لا تُقاس بالمظاهر.
وتؤكد فاطمة القيوضية: أن التفاخر في المناسبات الاجتماعية هو سلوك مذموم يشمل التباهي والإسراف والبذخ، وله آثار سلبية عديدة على الفرد والمجتمع بشكل عام، تنبع أسبابه من انعدام الأمان الاجتماعي، والرغبة في إظهار مكانة زائفة، وضغط الأقران، وتحول المناسبات من فرحة لتكريم إلى استعراض ومفاخرة، مشيرة إلى أنه يمكن معالجة هذه الظاهرة بالتوعية بمخاطرها، وتشجيع الاعتدال، إلى جانب ضرورة تفعيل دور الجمعيات الخيرية لتقليل هدر الطعام، كما دعا إليه الإسلام في توجيهاته للوسطية والتواضع.
وتوضح أسماء الهطالية أن التباهي في المناسبات الاجتماعية قد يحول هذه المناسبات من روابط اجتماعية إلى محفزات للتنافس السلبي والتباهي، إضافة إلى شعور الأفراد الذين لا يملكون هذا القدر من الثراء بعدم الكفاءة أو الحسد، ودعت إلى تشجيع ثقافة الاعتدال في الإنفاق والاحتفالات والابتعاد عن التبذير.
كما يشير خليفة الشكيلي إلى أن هذه الظاهرة تحمل في طياتها الكثير من الرسائل السلبية للمجتمع، وتؤدي إلى إهدار كبير للموارد المالية والاقتصادية التي يمكن استغلالها في أمور أنفع، مؤكدا على ضرورة تكاتف المجتمع للقضاء عليها وأن يقوم الدعاة والخطباء في المساجد بتنبيه المجتمع بمخاطر الإسراف والتفاخر.