منذ تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السلطة ودخوله البيت الأبيض في العشرين من يناير ٢٠٢٥ وهو يتحدث عن ضرورة إنهاء الصراعات والحروب في المنطقة والعالم من خلال جهود دبلوماسية وضغوط سياسية.

ولعل الباعث الأساسي على رؤية الرئيس الأمريكي ترامب أنه يريد التركيز على قضايا الاقتصاد والاستثمار والتجارة بما يحقق الشعار الأهم الذي أطلقه خلال الانتخابات الأمريكية، وهو شعار أمريكا أولا.

الولايات المتحدة الأمريكية تواجه مشكلات كبيرة على صعيد الدين الداخلي والخارجي يتعدى ٣٥ تريليون دولار، وهناك مواجهة استراتيجية مع عملاق آسيا، الصين.

وعلى ضوء ذلك، فإن وجود الحروب والصراعات في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم لا يخدم أهداف الرئيس ترامب؛ فالمشهد السياسي الأمريكي يبدو مرتبكا في ظل خلافات كبيرة بين الديموقراطيين والجمهوريين، تجسد مؤخرًا في رفض تمرير الميزانية العامة للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أصيبت المؤسسات الحكومية بالشلل، كما أن الهجرة والعلاقات مع المكسيك وفنزويلا تشكل قضايا جوهرية في مسألة حقوق الإنسان أمام الرأي العام الأمريكي، علاوة على اشتباك الرئيس الأمريكي ترامب مع عدد من حكام الولايات، من خلال إرسال ونشر الجيش الأمريكي في عدد من الولايات خلال الأزمات والشغب المحلي.

وشكلت الحرب العدوانية التي شنها الكيان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم فلسطين، وأيضا الحرب الروسية الأوكرانية، أكبر التحديات أمام الرئيس الأمريكي؛ ومن هنا، كانت الضغوط الأمريكية على رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي نتنياهو وحكومته المتطرفة كبيرة، وأدت إلى التوقيع في شرم الشيخ على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، رغم أن الانتهاكات الإسرائيلية لا تزال متواصلة.

مع ذلك، فإن الرئيس الأمريكي ترامب حقق اختراقًا سياسيًا مهمًا بعد حملة إبادة جماعية ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، ما جعل الشعوب تضغط على قيادات العالم لوقف تلك الحرب الغاشمة؛ ومع ذلك فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهداف الحرب.

وهناك الآن مناقشات لتطبيق المرحلة الثانية من اتفاق السلام في قطاع غزة. وهناك حوار في القاهرة بين الفرقاء، من خلال الوساطة المصرية القطرية الأمريكية. الحرب الروسية الأوكرانية تعد من القضايا الاستراتيجية أمام الرئيس الأمريكي ترامب وهناك خطة السلام تناقش الآن مع الجانب الأوكراني بهدف إنهاء الحرب القاسية بين موسكو وكييف.

وعلى ضوء ذلك، فإن مشهد الصراعات والحروب يعد أحد التحديات أمام الرئيس الأمريكي ترامب لتحقيق أهدافه الاستراتيجية لتحقيق السلام الشامل في العالم، خاصة على صعيد القضية الفلسطينية، من خلال حل الدولتين.

وفي تصوري، إذا استطاع الرئيس الأمريكي ترامب إنهاء الحرب القاسية الروسية الأوكرانية، وتحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط، بما في ذلك إنهاء الحرب القاسية في السودان، فإنه يتجه إلى كتابة التاريخ، وهو الأمر الذي يسعى له ترامب في ظل وتيرة الوقت المتسارعة؛ حيث ينهي قريبًا سنته الأولى في البيت الأبيض.

الأوضاع في الصومال والسودان واليمن تشكل مشكلات حقيقية على صعيد التجارة والاقتصاد؛ ولعل ما حدث من حرب في البحر الأحمر، والهجوم المتواصل على السفن من قبل الحوثيين نصرة لشعب غزة، قد أوجد تأثيرات كبيرة على الملاحة البحرية وتأثرت قناة السويس، وارتفعت قيمة التأمين على السفن، ودخل العالم في مواجهة عسكرية بحرية لم يتوقعها، مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تعقد اتفاقًا مع الحوثيين لوقف مهاجمة السفن الأمريكية.

وكان للدبلوماسية العمانية دور محوري في ذلك الاتفاق الذي هدف إلى خفض التصعيد في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن.

وأمام تلك الصراعات والحروب الإقليمية، فإن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب أمام مفترق طرق، من حيث بذل جهود سياسية وضغوط على الفرقاء للتوصل إلى حلول وإيجاد تسوية سياسية.

ويبدو لي أن الرئيس الأمريكي ترامب لديه إرادة سياسية لحل تلك الصراعات بالتعاون مع الدول العربية والإسلامية ودول الاتحاد الأوروبي؛ حيث إن الحرب في السودان تمثل معضلة كبيرة ولها تداعيات إنسانية خطيرة.

وكانت معركة الفاشر بين متمردي الدعم السريع والجيش السوداني الذي يمثل الشرعية عملية قاسية، قتل خلالها الآلاف وهناك نزوح بالملايين من الشعب السوداني؛ ومن هنا، فإن إيجاد حلول سياسية لمجمل تلك الصراعات سوف يفتح الباب على مرحلة السلام والاستقرار في العالم، والتفرغ للتعاون الاقتصادي والعلمي.

وتظل القضية الفلسطينية هي لب الصراع، وتحتاج إلى حل الدولتين والذي يعد هو الحل الموضوعي والمنطقي لإيجاد سلام بين الكيان الإسرائيلي وفلسطين الدولة المستقلة. وعلى ضوء الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة وارتكابها إبادة جماعية راح ضحيتها ٧٠ ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والنازحين واستخدام الحصار والجوع كأداة لتحقيق أهداف سياسية، جعل العالم ينادي بصوت وإرادة كبيرة حول ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧.

وهناك اقتناع رسمي وشعبي في الغرب بضرورة تحقيق هذا الهدف، وإنهاء الصراع في الشرق الأوسط.

ولعل السؤال الجوهري، هل يستطيع الرئيس الأمريكي ترامب أن ينهي تلك الحروب والصراعات، وهو يملك أدوات حقيقية؟ حيث تعد الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأهم عسكريًا واقتصاديًا ونفوذًا؛ وبالتالي، فإن العالم يراقب تحركات الرئيس الأمريكي ترامب، خاصة على صعيد إنهاء الحرب بشكل كامل في قطاع غزة، وأيضا وقف الحرب الروسية الأوكرانية، ووقف الحرب في السودان.

هذه الحروب الثلاث سوف تكون اختبارًا حقيقيًا لإرادة الرئيس الأمريكي وإدارة البيت الأبيض في ظل تحديات داخلية وخارجية.

الرئيس الأمريكي ترامب يتحدث عن ضرورة إنهاء تلك الصراعات والحروب؛ لأن ذلك يحقق طموحاته السياسية، ويجعله يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، ويحقق حلمه بالحصول على جائزة نوبل للسلام. وهناك تحركات دبلوماسية أمريكية في اتجاهات مختلفة مع الشركاء من الدول العربية والإسلامية والغربية.

إن الاقتصاد العالمي هو الخاسر الأكبر من استمرار تلك الحروب والصراعات، خاصة إذا تجددت الحرب في قطاع غزة، وتواصل التوتر في البحر الأحمر.

كما أن الصراع السوداني قد يتمدد إلى مساحات جغرافية واسعة، ويسبب إشكالات كبيرة على صعيد نزوح الملايين. كما أن العالم سوف يعاني الأمرين، خاصة الشعوب التي تعاني من تلك الحروب والصراعات، في اليمن وسوريا وليبيا والسودان وفلسطين المحتلة وفي لبنان؛ حيث إن الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان تشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاق إطلاق النار.

وأمام هذا المشهد السياسي المرتبك، تظل الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس ترامب أمام اختبار حقيقي خلال المرحلة القادمة؛ إما نجاح تلك الجهود الدبلوماسية، وإما تواصل تلك الحروب ودخولها مرحلة خطيرة تهدد الأمن والاستقرار إقليميًا ودوليًا.