1 - عادة ما يجرُ هوس قيام البعض، بإجراء الفحوصات الطبية السنوية أو نصف السنوية، إلى السقوط في مُستنقع الوساوس القهرية المرضية، الذي يستلزمُ الخروج من غياهبه في الغالب، تدخل أطباء نفسيين متخصصين.
لا شك أن فكرة إجراء هذه الفحوصات صحيحة، لكن غير الصحيح أن يبالغ الإنسان في تعقبها، فيدفعه ذلك للسفر خارج الحدود، فقط لمجرد ظهور عوارض صحية طارئة، أو لتشككه في كفاءة المؤسسات الصحية العامة والخاصة المتوفرة في بلاده.
أعتقد أن ما يشجع هؤلاء على استمراء وهم كهذا، ليس فقط الاطمئنان على سلامة أداء أجسادهم، التي يعلمون أن مصيرها إلى الفناء، إنما الخوف من الوقوع في قبضة الموت، رغم أن الموت هو المصير الحتمي لجميع مخلوقات الله، القدر الذي طال الأنبياء المُكَرمين والرُسل، والسلاطين والملوك والأثرياء، ولن يستثني أحدًا سواء أجرى كل فحوصات الدنيا، أم لم يُجرها.
ومما يؤسفُ له، أن المؤسسات الصحية «الربحية» الخاصة، تعمل بدأب من أجل تعميق شعور الشخص بالقلق تجاه صحته، وإسكات حِس الموت داخله «ولو مؤقتًا»، عبر الاستفادة القصوى من الوساوس التي تهجم عليه، فأخذت تدفعه دفعًا لدخول كهف الفحوصات «غير الضرورية» الموحش، ليغرق في عالم مُظلم من الريبة حول صحته، رغم اليقين أن كل أطباء الأرض، لا يملكون قدرة دفع الموت عن أنفسهم.
2 - مُخطئ من يعتقد أن التعليم في المدارس العالمية الخاصة وحده، كفيل بتأسيس وصنع طالب خارق، أو أن ذلك يضمن حصوله على وظيفة نوعية، أو تسنُم منصب قيادي في الدولة، لأن أي مدرسة ومهما بلغ مستوى احترافيتها، لا يمكن أن تُحيل طالبا فقير المَلَكات، شحيحها إلى ابن سينا أو خوارزمي أو نيوتن أو اينشتاين جديد، أو أن تُغير عُرفا سنتهُ دولة من الدول، كما أن الذكاء هو مسألة فطرية جينية صِرفة.
غالبًا ما يكتشف ممن يدفعهم الخيال الواسع من «محدودي الدخل» متأخرين، أن قرار إدخال ابنهم أو ابنتهم إلى مدرسة أُسست للنخبة، كان قرارًا خاطئا، خاصة إذا كان تمويل مشروعه يمر عبر بوابة الاقتراض.
ورغم أن أسباب وحُجج المفتونين من الآباء لإلحاق أبنائهم بهذه المدارس تبدو مشروعة ومنطقية، تتركز في إكسابهم لغات غير العربية، وإعدادهم ليكونوا مؤهلين مستقبلًا للمنافسة على بعثات دراسية خارجية غالبًا، لكن ما لا يبدو منطقيًا أن تنضم «الفشخرة» كسبب غير معلن لذلك التوجه، كما يحصل لدى الغالبية من محدودي الدخل.
ما هو غير منطقي أيضًا، أن يعتقد ولي الأمر «اللي حاله على قده»، أنه بتخرج ابنه من مدرسة خاصة عالمية صنع منه «فلتة زمانه»، وبات قاب قوسين أو أدنى، من تولي منصب قيادي.
لقد كشفت موجة تقاعد عام ٢٠٢٠ م، عن تورط أشخاص كثيرين في قروض التعليم، اضطروا بسبب الاقتطاعات المالية، إما لإخراج أبنائهم من هذه المدارس، أو استمرارهم تعينهم على ذلك وظائف مؤقتة عمِلوا بها ربما مُجبرين، ليس تحسبًا لتضرر مستوى وعي الأبناء الذي قد يترتب على خروجهم، إنما حفظًا لماء الوجه واتقاءً لشماتة القريب والبعيد.
تبين أولياء الأمور هؤلاء -لكن في الوقت الضائع- أن المدارس العالمية الخاصة، لم تُؤسس للفقراء وقليلي الحيلة، كما أن اختيار أصحاب المناصب الرفيعة، لا يتم وفق منطق واضح، إنما يخضع لحسابات وآليات، لا يعلم معظمها إلا الله، والقليل من خلقه.
النقطة الأخيرة ..
يذهب الفيلسوف الفرنسي «باسكال» إلى أن «التمادي في الوهم يلغي إمكانية التمييز بين الصواب والخطأ».
عُمر العبري كاتب عُماني