أهم حقيقة ترددت في عُمان أمس بعد أن انتهى العرض العسكري المهيب بميدان الفتح هي أن عُمان دولة تعرف كيف ترى نفسها، وكيف تريد أن يراها أبناؤها والعالم من حولها. دولة لديها تقاليد وقيم أصيلة وراسخة في كل شيء، حتى في أبسط التفاصيل التي لا يلتفت إليها إلا الذين يبحثون وراء الدلالات والرموز. لكن هذه التقاليد والقيم والتفاصيل هي التي تشكل في المجمل صورة عُمان، وتبني تميزها، وصورة إنسانها، وصورة التزام ودقة وانضباط مؤسساتها العسكرية والأمنية.
كان العرض العسكري المهيب والاستثنائي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى أشبه بمرآة كبيرة علقتها عُمان في سمائها فرأينا ورأى العالم الوجوه الصارمة والجادة لجنودها الشباب، ورأوا طبقات التاريخ التي يحملونها على أكتافهم، ورأوا تلك اللحظة السياسية التي صدّرت فيها البلاد صورتها للعالم، صورة عشرة آلاف سنة من التاريخ والبناء الحضاري، ونصف قرن من بناء مؤسسات الدولة الحديثة، وخمس سنوات من بداية مرحلة جديدة في عهد يحتاج إلى وعي مختلف بمعنى القوة وأساليب استخدامها ودلالات عرضها لمن أراد أن يقرأ معاني ودلالات العرض العسكري وما حمله من تقاليد عسكرية راسخة.
لم يكن أي عرض آخر مهما توسم الحداثة وتجلياتها يستطيع أن يليق باحتفال اليوم الوطني العماني كما فعل العرض العسكري أمس.. صحيح أن عُمان وتاريخها لا يمكن أن يختزلا في شيء ولكنّ العروض العسكرية تستطيع فعل بعض ذلك، فهيبة العرض هي هيبة عُمان، وشموخه هو شموخها، وانضباط الجنود والتزامهم هو سمت عُماني أصيل. والدلالات الداخلية والخارجية للعرض العسكري ومكان إقامته هي تلك الرمزية التي تستطيع أن تقرأها في كل مكان وطبقة من طبقات عُمان.
كانت رمزية العرض تقول بشكل مسموع جدا إن القوة صممت لتحرس طريقا اختارته عُمان منذ زمن طويل، دولة ذات جذور تاريخية عريقة، لكنها تتسع لحداثة مدروسة، وتبحث عن أمنها في توازن دقيق بين الصلابة العسكرية والاتزان السياسي.
أما الهيبة التي ظهر بها القائد الأعلى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، فهي ما وصلت له وتراكمت منذ أسلافه السلاطين العظام من آل بوسعيد ومن ملوك وأئمة عُمان عبر التاريخ. فكانت تلك الأوسمة والنياشين التي زينت صدره ترمز وتختزل أوسمة ونياشين حقب تاريخية طويلة استقرت أخيرا على صدر سلطان عُمان الذي يتحمل منذ خمس سنوات أمانتها التاريخية ويبلى في ذلك بلاء حسنا.
انتهى العرض العسكري ولكن دلالاته بقيت وأسئلته تكاثرت.. والمنتظر الآن أن يعمل كل أبناء عُمان لحماية كل الرسائل التي قالها العرض بشكل مباشر أو غير مباشر، والمعاني التاريخية والقيمية والمستقبلية من أجل أن يكون العرض بداية لمرحلة وليس نقطة نهاية. وعُمان بقيادة جلالة السلطان المعظم وجهود أبنائها قادرة على أن تجعل العرض بكل قيمه وتقاليده ودلالاته ورسائله مستمرا لا يتوقف.