تقرير - عبدالوهاب الهنائي 

تواصل سلطنة عمان السير نحو تحقيق رؤيتها الطموحة بخطى ثابتة وتصميم لا يلين، وقد كشف لنا التقرير الدوري الرابع لرؤية عمان 2040 لعامي 2024/ 2025 عن تقدم لافت نحو تحقيق المستهدفات في 74% من مؤشرات الرؤية، مما يعكس انتقال العمل من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ الفعلي، مدفوعًا بتبني الحكومة لمبدأ الشفافية والمشاركة المجتمعية لتعزيز الثقة في مسار التنمية الوطنية.

وقد أكدت وحدة متابعة تنفيذ «رؤية عمان 2040» أن الإنجازات التي تحققت خلال الأعوام الخمسة الماضية تجسد التزام الجهات الحكومية والقطاعات الوطنية كافة بمسؤولياتها، ويعكس ذلك روح الشراكة والتعاون وتعزيز جاهزية سلطنة عُمان لمواكبة المتغيرات والصدمات العالمية ودخول المستقبل بخطى ثابتة.

وفي قراءة متأنية لتقرير الرؤية الرابع، والذي ينطلق من محور الإنسان والمجتمع بأولوياته الأربع والمتمثلة في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والمواطنة والثقافة الوطنية، نجد أن سلطنة عُمان واصلت تعزيز منظومتها التعليمية المتكاملة، وشهد القطاع التربوي تحديثًا نوعيًّا للمناهج، وتفعيلًا للنظام الوطني لتقويم المدارس، وتنفيذ إطار وطني شامل للتعليم المهني والتقني بالشراكة مع القطاع الخاص، وهو ما يخلق جيلًا ماهرًا مرتبطًا بمتطلبات سوق العمل.

كما شهد التعليم العالي في سلطنة عمان مؤشرات إيجابية تمثلت في ارتقاء جامعة السلطان قابوس إلى المرتبة 334 عالميًّا، كما دخلت ثلاث جامعات خاصة التصنيف العالمي لأول مرة. أما على صعيد الابتكار، فقد تقدمت سلطنة عُمان خمس مراتب في مؤشر الابتكار العالمي لتحتل المرتبة 69، كما قفزت 60 مرتبة في مؤشر براءات الاختراع لتصل إلى المركز 38 عالميًّا، وهو ما يعكس تطور بيئة الابتكار والبحث العلمي في البلاد.

أما في أولوية الصحة، فقد حققت المنظومة الصحية في سلطنة عمان تقدمًا لافتًا في جودة وكفاءة خدماتها بالتزامن مع إطلاق قانون الصحة العامة، حيث تم افتتاح 10 مؤسسات صحية جديدة وتطوير 21 مؤسسة قائمة، إلى جانب تدشين المدينة الطبية الجامعية ومستشفى المدينة الطبية للأجهزة العسكرية والأمنية، كما تم تفعيل العيادات الافتراضية ونظام الحجز الإلكتروني.

وفي أولوية الرفاه والحماية الاجتماعية، فقد ارتقت سلطنة عمان تسع مراتب لتحتل المرتبة 59 عالميًّا والرابعة خليجيًّا في مؤشر التقدم الاجتماعي، حيث عززت الحكومة شبكة الأمان الاجتماعي من خلال إطلاق برنامج «إسكان» لتمويل أكثر من 61 ألف أسرة، وقلّصت فترة الانتظار لأقل من ستة أشهر، كما شملت الحماية الاجتماعية جميع أنواع عقود العمل وإطلاق برامج تمكين الشباب.

وحظيت أولوية المواطنة والهوية الوطنية والثقافة باهتمام بالغ، حيث عززت سلطنة عمان حضورها الثقافي عالميًّا من خلال تدشين مجمع عُمان الثقافي والموسوعة العُمانية للناشئة، وإدراج المخطوطة العُمانية «النونية الكبرى» ضمن برنامج ذاكرة العالم لليونسكو، وإدراج برنامج سفينة «شباب عُمان» للسلام والحوار الثقافي المستدام وتسجيله في قائمة أفضل ممارسات الصون للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية في اليونسكو خلال عام 2024، إضافة إلى إدراج 17 عنصرًا في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو حتى مايو 2025.

أما في محور الاقتصاد والتنمية، فقد شهدت جميع مؤشرات الأولويات الوطنية الاقتصادية ارتفاعًا ملحوظًا؛ حيث واصلت سلطنة عمان تعزيز صادراتها غير النفطية ورفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، إذ ارتفعت مساهمة القطاعات غير النفطية في عام 2024 إلى 72.8% من الناتج المحلي، مقابل 30.9% للقطاعات النفطية، كما سجل الحساب الجاري فائضًا بنسبة 1.83% للسنة الثالثة على التوالي، متجاوزًا المستهدف -7%.

وشهد الاقتصاد الوطني خلال السنوات الخمس الأخيرة نموًا ملحوظًا، وارتفع الإنفاق العام إلى 29.5% من الناتج المحلي مع استقرار الإيرادات غير النفطية عند 8.53% ومعدل نمو سنوي 6.8% خلال 2021-2024، في حين انخفض الدين العام إلى 14.4 مليار ريال عماني (35.5% من الناتج المحلي). كما ارتفعت نسبة استثمار القطاع الخاص إلى 17% من الناتج المحلي بمعدل نمو 8.4% سنويًّا، وسجل الاستثمار الأجنبي المباشر زيادة 18% ليصل إلى 30.1 مليار ريال عماني (11.1% من الناتج المحلي)، متجاوزًا المستهدف السنوي للرؤية 7%. واحتفظت سلطنة عمان بالمرتبة 58 عالميًّا في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025.

وحول أولوية التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية، واصلت سلطنة عمان بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على التقنية والمعرفة، وذلك مع إطلاق صندوق «عُمان المستقبل» برأسمال 2 مليار ريال عماني لتمويل المشاريع الواعدة في قطاعات الاقتصاد الحديثة، وتطوير أكثر من 25 مبادرة اقتصادية، كما عززت سلطنة عُمان دور القطاع الخاص عبر إنشاء فريق التفاوض الوطني، وإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة.

وفي أولوية القيادة والإدارة الاقتصادية، أطلقت سلطنة عُمان خمسة تجمعات اقتصادية متكاملة لدعم الصناعات المختلفة، كما تم تأسيس سوق الشركات الواعدة، وإطلاق برنامج «نَزدهِر» لتطوير بيئة الاقتصاد الوطني.

وحول أولوية تنمية المحافظات والمدن المستدامة، فقد تم تنفيذ مشاريع عمرانية مستدامة تشمل قانون التخطيط العمراني، ودليل إعداد المخططات التفصيلية، ونظام المرصد الحضري، إلى جانب توسعة الطرق الاستراتيجية، وتفويض الصلاحيات الإدارية والفنية للمديرين العموم في المحافظات، وتعزيز المشاركة المجتمعية عبر مبادرة «كل عُمان».

وفيما يخص سوق العمل والتشغيل، فقد صدرت تشريعات حديثة وقوانين عمل مرفوقة ببرامج تدريب وتأهيل للشباب، ما رفع نسبة العمالة الماهرة في القطاع الخاص إلى 56.6%، كما ارتفعت حصة العمانيين من الوظائف الجديدة إلى 11.8%.

وبالانتقال إلى محور البيئة والتنمية المستدامة، فقد شهدت سلطنة عُمان خلال عامي 2024 و2025 منجزات لافتة، حيث أُنشئ مركز عُمان للحياد الصفري لدعم مسار خفض الانبعاثات، بينما ارتفع عدد المحميات الطبيعية إلى 31 موقعًا بيئيًّا، مع إضافة خمس محميات جديدة، كما تم تعزيز التشجير الوطني عبر زراعة أكثر من 3.3 مليون شجرة وغرس 24 مليون بذرة، وتطوير 44 مردمًا هندسيًّا، ما ساهم في رفع نسبة إعادة التدوير إلى 38%.

ودشّنت سلطنة عمان مشروع تحويل النفايات إلى طاقة في مردم بركاء بطاقة معالجة 4,500 طن يوميًّا وإنتاج 140 ميجاواط من الكهرباء.

وعلى صعيد الأمن الغذائي والمائي، فقد أشار التقرير السنوي إلى تقدم ملموس في المستهدفات من خلال مبادرات الأمن الغذائي والاستثمارات الجديدة، حيث حددت سلطنة عمان 25 سلعة ضمن السلة الغذائية الوطنية لضمان الاستقرار، وأطلقت مبادرة القمح العُماني بدعم مالي 5 ملايين ريال عماني حتى 2027، كما أنشأت 48 مخزنًا استراتيجيًّا للسلع الأساسية، ونفذت مشروع صوامع الغلال في ميناء صحار.

وفي الاستزراع السمكي، تم تنفيذ 37 مشروعًا باستثمارات تجاوزت 278 مليون ريال لتعزيز الأمن الغذائي وخلق فرص اقتصادية جديدة.

أما في مجال الطاقة النظيفة، فقد أحصى التقرير استثمارات بلغت نحو 533 مليون ريال، وشملت مشاريع أمين للطاقة الشمسية، ومحطة عبري 2، ومنح 1 و2، إضافة إلى توقيع اتفاقيتين للهيدروجين الأخضر بمحافظة ظفار، حيث وصل إجمالي المشاريع إلى ثمانية باستثمارات متوقعة تتجاوز 6.5 مليار ريال عماني بحلول 2030.

وفي المؤشرات البيئية، ارتقت سلطنة عُمان 94 مرتبة لتحتل المرتبة 55 عالميًّا والثانية عربيًّا، مدفوعة بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحياد الصفري وتوسيع شبكة المحميات الطبيعية. كما استقر مؤشر المياه عند 520 مترًا مكعبًا للفرد سنويًّا مع توقعات بالارتفاع إلى 600 متر مكعب بحلول 2030، فيما حافظت نسبة استهلاك الطاقة المتجددة على استقرار نسبي مع توقع زيادتها تدريجيًّا بعد اكتمال مشاريع الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر.

وفي محور الحوكمة والأداء المؤسسي، واصلت سلطنة عمان خلال عامي 2024 و2025 تعزيز منظومة الحوكمة والإدارة المؤسسية لتحسين كفاءة الأداء، وتعزيز الشفافية، وبناء ثقة المجتمع في مؤسسات الدولة، حيث تقدمت سلطنة عُمان 20 مرتبة في مؤشر مدركات الفساد لتصل إلى المرتبة 50 عالميًّا، بعد تنفيذ الخطة الوطنية لتعزيز النزاهة ومراجعة التشريعات المرتبطة بحماية المال العام. كما تم إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة وإصدار قانونها بموجب المرسوم السلطاني رقم (35/ 2025). كما أُعدت الخطة التشغيلية الأولى (2024-2030) للمجلس الأعلى للقضاء، وتفعيل جلسات التقاضي المرئي، وإصدار أدلة استرشادية لـ142 خدمة قضائية، إلى جانب إنشاء مكتبة قضائية رقمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

فيما تقدمت سلطنة عمان 9 مراتب في مؤشر تطوير الحكومة الإلكترونية لتصل إلى المرتبة 41 عالميًّا، مدفوعة بالتوسع في الخدمات الرقمية وإطلاق منصة «تجاوب» لتعزيز التواصل مع المستفيدين. كما تم تأسيس 63 مكتبًا لمتابعة تنفيذ «رؤية عُمان 2040» في مختلف الجهات الحكومية، وتطوير 267 خدمة حكومية تلقائية لتسهيل الوصول إلى الخدمات دون تدخل بشري، بما يعزز الكفاءة والشفافية.