كتب ـ فيصل بن سعيد العلوي تصوير ـ فيصل البلوشي
**media[3182445]**ما إن تخطو قدماك إلى قاعة فعاليات النسخة الرابعة من معرض "فن مسقط 2025" والتي تقام هذا العام تحت شعار "عناصر تبني الحكاية" والذي افتتح مساء أمس برعاية معالي السيد سعود بن هلال البوسعيدي محافظ مسقط وذلك بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، بمشاركة أكثر من 400 فنان من 15 دولة.. يخيّل إليك أن كل لوحة تفتح نافذة على زمن آخر، وأنّ الوجوه المرسومة تنظر إليك كما لو أنها تستدعيك لتكمل الحكاية التي لم تكتمل، ففي المسار الأول تصافحك أعمال مريم الوهيبية كأنها نسيج من الحنين والبوح الأنثوي، تنحت الضوء على العيون والوجوه، وتعيد ترتيب المشاعر في مساحات صامتة تسكنها ضربات اللون يجعلها تبدو كأنها تسرد شيئا لا يُقال حيث يتحول الصمت نفسه إلى نغمة.. ثم تتوالى الخطوات نحو أعمال مدرسة أحمد بن ماجد الدولية حيث يحضر الإبداع الطفولي بلغة منطلقة لا تعرف القيود أشبه بالمرايا الصغيرة التي تعكس دهشة الاكتشاف الأولى، وفي زوايا أخرى تلتقي أعمال جهاد الحسني وهي تميل إلى الواقعية الممتزجة بحلم يستعيد من خلاله الوجوه العُمانية في صرامتها اليومية ووقارها.. في المنتصف، تبرز مجسمات نحتية وكأنها كائنات مندهشة بوجودها، تفاصيلها صنعت بحس بدوي عميق، وملامحها تروي سيرة الرمل والريح والسفر الطويل في جغرافيا عُمان.. وما أن تتقدم حتى تلتقي لوحات ملك بنت منذر الريامية تحمل على سطوحها أنفاس الحياة البدوية وألوان الصحراء التي تمتد في الأفق بلا حدود متجاوزة الخيول والمضارب والعَبَرات التي تمر كنسمة عبر الحكاية.... وفي المقابل تأتي أعمال فريق الرستاق للفنون بخطوط أكثر كثافة، وإيقاعات تومض بين الحلم والذاكرة، كأنها تسعى إلى قول جديد بلغة مألوفة... لم تكن هذه الأعمال وحدها التي سردت الحكاية لكنها منطلق لعالم رهن الاكتشاف.. فكل لوحة في "فن مسقط" كانت تبني جسرا من الذاكرة إلى الخيال ومن الذات إلى الآخر.. حتى يصبح المعرض نفسه حكاية كبرى تتفرع منها ألف حكاية صغيرة.
تجدر الإشارة إلى أن معرض "فن مسقط" يُعد محطة سنوية بارزة في خارطة المشهد التشكيلي العُماني، تنظمه وزارة الثقافة والرياضة والشباب ومجموعة عمران بالشراكة مع فن رأس الخيمة، وعُمانتل، وعمق، وسادولين، ليواصل تعزيز حضور الفنون البصرية كفضاء حيوي للتعبير والتفاعل الثقافي بين الفنانين والجمهور.
ويتميّز المعرض هذا العام ببرنامج فني متنوع يشتمل على حلقات فنية من تنظيم الكلية العلمية للتصميم، وحلقات نقاشية مفتوحة، إلى جانب فعاليات تفاعلية تُسهم في إثراء التجربة البصرية للزوار، كما يشهد المعرض تكريم عدد من الفنانين العُمانيين تقديرا لعطائهم، من بينهم الفنان سالم السلامي الذي قدّم لوحة حصرية خُصصت لتُستخدم في تصميم منتجات المعرض الصديقة للبيئة.
وصاحب الفعالية عروض فنية حيّة وأركان تفاعلية تجمع بين الفنون التقليدية وأساليب التعبير المعاصر، من أبرزها عرض الرسم المباشر للفنان عبدالملك المسكري، في حين شكّل حضور فن رأس الخيمة إحدى الإضافات اللافتة هذا العام، باستضافته فنانين من دولة الإمارات العربية المتحدة، منهم سعاد الزعابي ومحمد السويدي، في مشاركة تسهم في توسيع نطاق التبادل الفني بين البلدين.
كما يشارك في المعرض عدد من روّاد الفن التشكيلي في سلطنة عُمان، من بينهم أنور سونيا وفهد المعمري والزميل فهد الزدجالي وعبدالمجيد كاروه وخليل السالمي، ليقدموا معا تجربة فنية متكاملة تمزج بين الإبداع المحلي والإقليمي، وتعكس روح التعاون الفني العابر للحدود ضمن مشهد تشكيلي يتطور بثقة ووعي في سلطنة عُمان والمنطقة، وتتوزع الأعمال بين لوحات تفيض بالحركة واللون، وأخرى تنحاز إلى الصفاء والتجريد، فيما تحضر المنحوتات والمجسمات لتمنح المكان بعده الثالث وتضيف إليه لغة من الملمس والضوء، حيث أن كل عمل يروي حكايته، بعضها تنتمي إلى البيئة العُمانية في عناصرها وألوانها، وبعضها ينفتح على التجربة الإنسانية، ويعكس المعرض حجم التنامي في الوعي الفني لدى الشباب العُماني، ويؤكد الدور المتزايد للفن في التعبير عن تحولات الإنسان والمكان في عُمان المعاصرة، ضمن سياق ثقافي يسعى إلى بناء مجتمع يوازن بين الأصالة والتجريب، وبين الحكاية والهوية.