تشهد سلطنة عُمان في الوقت الراهن العديد من الخطوات الطموحة لتعزيز أداء الاقتصاد الوطني وتمكين مختلف القطاعات من تحقيق التميز في أدائها، والمساهمة في التنويع الاقتصادي وجذب الاستثمارات وبناء الخبرات العُمانية.

ويُعدّ قطاع الطيران واحدًا من القطاعات المهمة التي يتم التركيز عليها؛ نظرًا لارتباطه المباشر بقطاعات التنويع الاقتصادي، إذ إن أي تطورٍ مهم في هذا القطاع من شأنه أن ينعكس إيجابًا على قطاع السياحة والضيافة والقطاعات الأخرى المرتبطة به. وقد لاحظنا خلال العامين الماضيين جهودًا حثيثة لإعادة هيكلة الطيران العُماني ليؤدي دوره الاقتصادي، كما شهدنا افتتاح محطات جديدة للطيران العُماني وطيران السلام، وقيام عدد من شركات الطيران الأجنبية بافتتاح خطوطٍ مباشرة إلى مطارات سلطنة عُمان. وفي الوقت نفسه، نجد جهودًا أخرى تُبذل في مجال التدريب، بهدف رفع مستوى جاهزية الطيارين والمهندسين وأطقم الضيافة للتعامل مع المواقف الطارئة وغير المتوقعة بكفاءة عالية، وهو ما يُعزّز ثقة المسافرين، وينعكس إيجابًا على سلامة العمليات الجوية والكفاءة التشغيلية، ويرفع بالتالي العوائد المتوقعة من القطاع.

وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أن هيئة الطيران المدني قامت بمنح الطيران العُماني شهادة المنظمة التدريبية المعتمدة (ATO)، التي تؤهله لتقديم تدريب طيران شامل، ليصبح المؤسسة الأولى في سلطنة عُمان التي تقدّم برنامجًا لتدريب الطيارين على تشغيل طائرات بوينج. وفي الوقت الذي يحقق فيه الطيران العُماني أهدافه من تدريب الطيارين العاملين لديه محليًا، وتأهيل الطيارين الحاليين للانتقال التشغيلي من أسطول طائرات إيرباص إلى طائرات بوينج 787 و737، فإن هذه الخطوة تؤكد أهمية تأسيس مراكز تدريب معترف بها محليًا ودوليًا في قطاع الطيران، وبما يؤدي إلى استقطاب شركات الطيران الإقليمية للاستفادة من الدورات التي تقدمها المراكز التدريبية العُمانية المتخصصة في هذا القطاع الحيوي.

وبحسب الدراسات المتخصصة، فإنه من المتوقع أن يحقق قطاع الطيران العالمي خلال السنوات العشر المقبلة نموًا سنويًا بنسبة 2.8 بالمائة في إجمالي عدد الطائرات، و3.6 بالمائة في إجمالي عدد المسافرين. أما على مستوى الشرق الأوسط، فمن المتوقع أن يتراوح متوسط النمو بين 5 إلى 10 بالمائة. وتشير هذه الإحصاءات إلى أهمية تفعيل قطاع الطيران خلال المرحلة المقبلة وتعظيم الاستفادة من المكاسب التي يحققها.

وفي اعتقادنا، فإن تأسيس مراكز تدريب محلية للطيارين من شأنه إيجاد حلولٍ للتحديات المتوقعة في قطاع الطيران ومواكبة النمو المتوقع لهذا القطاع. وإذا كان الطيران العُماني قد تمكن خلال العامين الماضيين من تحقيق نمو بنسبة 6 بالمائة في إجمالي عدد الطيارين العُمانيين العاملين لديه، ورفع نسبة التعمين بين الطيارين إلى 88 بالمائة، فإن وجود مركز طيران متخصص من شأنه تسريع البرامج التدريبية، وتمكين الطيارين العُمانيين من رفع مهاراتهم وقدراتهم الفنية في قطاع الطيران، ومواكبة التطورات التقنية التي يشهدها هذا القطاع.

إن تأسيس مراكز تدريب في قطاع الطيران هو أحد العناصر الأساسية لتحقيق الاستدامة التشغيلية والهيكلية لقطاع الطيران في سلطنة عُمان. وإذا كانت الحكومة قد استثمرت خلال السنوات الماضية مبالغ ضخمة في إنشاء البنية الأساسية لقطاع الطيران ـ كالمطارات وما تحويه من مباني المسافرين والشحن الجوي ومدرجات الطائرات ـ فإن الفترة المقبلة تتطلب مزيدًا من الاهتمام ببناء مستقبل مستدام للقطاع، لا يقتصر فقط على البنية الأساسية، إنما يشمل أيضًا بناء الخبرات العُمانية وتأهيلها، وتنويع مصادر الدخل لشركات الطيران بما يُمكّنها من تقليل الاعتماد على الدعم الحكومي المباشر.

كما أن الاهتمام بتقديم خدمات الصيانة محليًا، وتعزيز الاستفادة من منظومة الشحن الجوي، وبناء شراكات تجارية واستراتيجية مع الشركات العالمية، وتوفير التدريب الأكاديمي، وإعداد برامج طويلة الأمد لتأهيل الطيارين والمهندسين ومديري العمليات، ودعم ثقافة السلامة والالتزام المهني، بالإضافة إلى الابتكار والتقنيات الحديثة والحوكمة؛ جميعها عوامل مهمة من شأنها تحقيق الاستدامة لقطاع الطيران، وتمكين شركات الطيران المحلية من التغلب على التحديات التي يشهدها القطاع بشكلٍ دائم ومتواصل.