كشفت عودة سفينة البحرية السلطانية العمانية «شباب عُمان» أمس عن مشهد رمزي ربط الحاضر بالماضي ومهد لمسارات المستقبل. ففي اللحظة التي لامست فيها السفينة رصيف قاعدة سعيد بن سلطان البحرية حضر تاريخ عُمان البحري عبر القرون الطويلة في رمزية السفينة، وحضر السيد سعيد بن سلطان نفسه في رمزية سلاطين عُمان وقادتها الذين بنوا أمجاد عُمان البحرية. أمّا طاقم السفينة فهبطوا منها باعتبارهم بعثة ثقافية أنجزوا لتوهم مهمة حضارية حملت ثقافة عُمان وطافت بها مدن وموانئ العالم في استمرار للدور الحضاري الذي أنجزته عُمان عبر التاريخ في نشر ثقافة السلام والوئام ونشر الإسلام عبر القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية.

ولا يخفى التأثير الكبير الذي تحدثه مثل هذه الرحلات التي تطوف دول العالم وتفتح المجال للتفاعل مع البيئات المحلية في الموانئ التي ترسو فيها خاصة عندما تكون المهمة مصممة لإحداث التأثير عبر الأدوات والآليات المناسبة التي تستطيع جذب الأنظار وإحداث التأثير المقصود.

وإذا كان العالم يبذل جهودا كبيرة من أجل ترسيخ أدوات القوة الناعمة فإن مهمة السفينة شباب عُمان حققت الكثير من مظاهر تلك القوة عبر تقديم عُمان والتعريف بها وفتح أبواب السؤال حول ثقافتها وموروثها الثقافي ومكانتها الحضارية، وعبر تعزيز السمعة وبناء صورة ذهنية عن عُمان الحديثة وكذلك عن تاريخها العريق وأمجادها الشامخة. كما أن السفينة عبر رحلتها ورحلاتها السابقة قامت بممارسة «الدبلوماسية الثقافية» على خير وجه خاصة في سياق الموسيقى العسكرية التي رافقت الكثير من محطات السفينة والفنون العمانية الأخرى، وعبر الجوائز التي حصلت عليها السفينة خلال مشاركاتها في مهرجانات واستعراضات عالمية في الموانئ التي رست فيها طوال الفترة الماضية.

وكشفت مهمة «البعثة» التي قادتها السفينة عن تكامل كبير وواضح بين خطابات ورسائل عُمان سواء تلك التي تخرج عبر الخطاب السياسي والتطبيق العملي له محليا ودوليا أو عبر الممارسة الدبلوماسية في قنواتها الرسمية أو عبر الخطاب الإعلامي العماني المتزن.. كل هذه القنوات والأذرع تتكلم بخطاب واحد يتبنى السلام أسلوبا للعيش والأخلاق الإنسانية أداة للتقارب بين مختلف الشعوب والأمم.. وهذه الخطابات يستطيع الإنسان أن يقرأها في حديث جميع العمانيين أينما ذهبوا ونزلوا في أرض الله الواسعة. وفي هذا تأكيد جديد على نجاح السياسة العمانية في ترسيخ القيم العمانية المتوارثة وفي الحفاظ عليها من المتغيرات التي تحيط بالعالم. فرحلة السفينة لم تقتصر على أداء دور وظيفي في السياق العسكري أو البحري ولكن أدّت رسالة عُمان الحضارية بوصفها أداة من أدوات نشر الرسالة. فتكامل المشهد وتناغم ورسم لوحة على بانوراميتها إلا أنها متناسقة ومتكاملة.

ولا بدّ من الإشارة إلى دور الإعلام العماني في هذا التناغم، وفي ترسيخ القيم العليا للسياسة العمانية وبشكل خاص قيم السلام والوئام والاتزان الذي ميز الشخصية العمانية بتبنيها الخطاب سلوكا وثقافة. وما زال الخطاب الإعلامي العماني يقوم بدوره مع الأجيال الناشئة رغم أن المهمة باتت أصعب بكثير مما كانت عليه في ظل الثورة المعلوماتية. وهو ينجح إلى حد بعيد بمساعدة كل مؤسسات المجتمع وتفعيل الوعي التراكمي المنجز وشعور الجميع بخطر التحولات الجديدة.

أمّا الرمزية فستبقى حاضرة أينما يممت وجهك في عُمان، وستربط حاضرك بماضيك وتنير لك مسارات المستقبل. وهذا دليل ثراء حضاري وقدرة على الاستمرار في الفعل نفسه على مر الأجيال.