تغطية- شذى البلوشية

تصوير- محمد العوفي

أقيمت مساء أمس في وزارة الإعلام جلسة حوارية بعنوان "شهود على النار.. تغطية الصراعات في عصر الصورة والذكاء الاصطناعي"، قدم فيها كلا من الإعلاميان أسعد طه وياسر الزيات حصاد تجربتها الإعلامية في مجال تغطيات الحروب والصراعات في عدد من دول العالم.
الجلسة التي أدارها الإعلامي أحمد الكندي بدأت بسرد حكاية الإعلامي ومراسل الحرب أسعد طه، والذي يعد صوتا إعلاميا في مختلف الوسائل المقروءة والسمعية والمرئية، حيث قال في سرد تجربته المهنية والعملية: "في عام 1996 كانت أول رحلة لي للسودان، وبعد وصولي إليها لأداء مهمة عمل، تلقيت اتصالا مفاده أنهم يطلبون شهادتي في محكمة العدل الدولية، ورغم ارتباكي ذهبت للمحاكمة بعد انتهاء مهمة العمل إلى لندن لحضور الجلسة والتي كانت خاصة بحرب البوسنة والهرسك حول معتقل ما وطلب مني تقديم إفادة، لأني ذهبت إلى ذاك المعتقل وكتبت عنه، وقد طلب مني أن أكون شاهد ضد المسلمين رغم اني كنت اغطي واكتب مع المسلمين في البوسنة والهرسك".
وحول تجربة العمل في حرب البوسنة والهرسك قال طه: "قررت ان اتردد على البوسنة والهرسك بعد حبي لها منذ زيارتي الأولى، ولكن بعدها وقعت الحرب، وبدأ منها طريق طويل من الصحافة المكتوبة، وبعدها الاذاعة وبعدها تلفزيون الام بي سي، وتدرجت في المهنة من جهة لأخرى"، وأضاف: "الحرب عرفتني بصحفيين كثر من كل دول العالم، ومن هذا المنطلق قررت أزور وأبحث في مناطق الحرب والصراعات، رغم أني لم أكن أعشق الحرب، ولم يكن لدي عشق لتغطية الحروب، ولكن هناك مساحة مظلمة في الحروب، وكنت حريص على كشف هذه العتمة أو الغشاوة غير المعروفة، وأنا من أنصار السير وراء قلبي".
واستطرد أسعد طه في حديثه عن مشواره في الإعلامي في تغطية الحروب حيث قال: "بعد البوسنة والهرسك وانتقالي لتغطية حرب الشيشان بدأت الأخبار في لحطة تقودني للشعور بالملل، حيث أن تكرار المشهد يشعرك بأنه لم يعد لديك شيء جديد لتقدمه، ومنها بدأت أميل للحكاية التي تختصر الحدث، وتبسط الأفكار المكعقدة، وتوصلها للناس بأسلوب بسيط ولطيف، ثم في نهاية المطاف تركت الأخبار، وانتقلت للأفلام الوثائقية". وقال: "ماحدث في غزة مؤخرا جعلني اشعر اني لم اغطي حروب، وحرب غزة تعد أشرس ما يمكن أن يراه الإنسان".
وتحدث في الجلسة أيضا الإعلامي ياسر الزيات حيث قال: "أن تغطي الحروب ليست أمرا هينا لاعلى الزملاء في الميدان، ولا على أولئك اللذين في غرف الأخبار، الأمر صعب جدا، وكوني صحفي استقصائي أقول أن رسالة الصحافة الاستفصائية هي أننا نريد ان نجعل العالم مكانا أفضل من خلال محاولة إيقاف معاناة الضحايا والمتضررين بدون نزاعات وحروب".
وحول مسيرته قال الزيات: "ربما كنت محظوظا في المسيرة المهنية، حيث عملت في اللجنة الوطنية للصليب الاحمر، وهي جهة تعمل في إطار القانون الدولي الإنساني، ومهمتها حماية ضحايا النزاعات المسلحة، ولكن لا توجد ادوات لتنفيذ هذا القانون".
وأضاف الزيات: " الحياد الذي نتحدث عنه في الصحافة غير موجود في الحقيقة، وعدم الانحياز كذلك غير دقيق، فنحن لابد بشكل او بآخر ان نرتكب حيازات، فليس معقولا في نزاع مسلح أن نكون متوازنين وموضوعيين".
وحول عمله في غرف الأخبار قال: "نحن علينا أن نجمع الحقائق، وعلينا أن نقدم الصورة الاقرب لجمهورنا، وأود ان أحيي زملائي اللذين ذهبوا لساحات الحروب لنقل الصورة الحقيقة وإيقاف الحروب، ويجب ألا نستهين بالدور الذي يقوم به زملاؤنا في تغطية الحروب ولكن خلاصة القول جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، وجمع الأدلة عن جرائم الحرب والجرائم الإنسانية ليس بالأمر الهين، ورغم هذا لا يجب ان نستهين بما لدينا من امكانيات لتوثيق جرائم الحرب، والشيء المهم الذي يجب الانتباه له أننا كصحفيين غير مرغوب بنا في مناطق النزاع، وكلما تعاملت مع صحفي في الميدان اقول له: في حالة الخطر أولا أنت لابد أن تحافظ على حياتك".
وقدم الزيات في حديثه مجموعة من الأمثلة والأحداث التي عاشها مراسلو الحروب في الميدان وماتعرضوا له من مواجهات، وقال أن بعض الاشخاص الذين غطوا الحروب اصيبوا باضطرابات نفسية بعد انتهاء مهام عملهم.
وحول تغطية الحروب في الزمن الرقمي وعصر الصورة والتقنيات قال أسعد طه أن الأمر صار الآن مختلفا، فالمعدات كانت صعبة في عمليات التنقل والتحريك، وهو ما أصبح سهلا في الوقت الحالي مع توافر التقنيات الحديثة.
كما تحدث ياسر الزيات حول العمل الصحفي الاستقصائي حيث قال: "التحقيق الاستقصائي يقوم على منهيجة صارمة وعلى فرضية معينة ونسعى لجمع المعلومات وإثباتها، ولا مجال للخطأ، فهذا النوع من الصحافة يسمى بنوع صناعة الأعداء، فلذلك لابد أن نكون دقيقين في جمع الأدلة، والمجهود الذي يبذله الزملاء في العالم كله في هذا التخصص هو مجهود لا يمكن أن يكتفى به باستخدام الأدوات الحديثة، لابد أن تعتمد على مصادر شديدة الدقة، فالخطأ الواحد قد يفسد عملية التقصي كلها".
وحول استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل الصحفي الاستقصائي قال الزيات: "أعتقد أن الصحفيون الاستقصائيون محظوظون بالذكاء الاصطناعي، فهو مجرد مساعد ولا يمكن اعتماده بشكل كامل، فنحن في العمل الاستقصائي يقودنا الشك، ولا نصدق كل ما يعطينا الذكاء الاصطناعي، ولا يمكن أن نثق به".
وقال أسعد طه حول عمل الصحفيين في الحروب: "هناك نوعيين من الصحفيين: أحدهم من يتعامل مع الأحداث بصورة عملية، وآخر من يتعامل مع الأحداث بصورة قلبية، وتغطية الحروب ليست مشكلة في حينها، ولكن المشكلة بعد انتهاء الحروب، حيث تجد نفسك بعد مرور السنون أنك تواجه أزمة ما بعد الصدمة".