يتعرض السودان الشقيق لحرب دموية بشعة متواصلة منذ عدة سنوات بين الجيش السوداني، الذي يمثل الحكومة الشرعية، وبين جماعات مسلحة متمردة، وهي قوات الدعم السريع.
ورغم أن المساعي الحميدة بذلت على أكثر من صعيد، وعُقدت لقاءات بين الفرقاء في جدة والقاهرة ومن خلال جهود المبعوث الأممي للسودان، إلا أن كل تلك المساعي لم تنجح. ولعل السؤال الأهم ،في ظل صعوبة الحل العسكري، لماذا لا يتجه الفرقاء إلى الحل السياسي من أجل هدف وطني، وهو إبعاد الشعب السوداني من مأساة حقيقية؛ حيث نزوح ملايين المواطنين داخل السودان وخارجها، علاوة على تفشي الأمراض، وانعدام الخدمات.
ومن هنا يبرز تساؤل حول دوافع قوات الدعم السريع المتمردة من مواصلة الحرب ورفض المبادرات الدبلوماسية، خاصة وأن الجهود تواصلت منذ اندلاع الحرب وفشل خطة الانتقال إلى دولة مدنية.
الأنظمة العسكرية بشكل عام لم تنجح في العالم العربي منذ عقدي الخمسينيات والستينيات، بل إن الأنظمة المدنية ـ وخاصة الوراثية ـ أثبتت أنها الأفضل على صعيد التنمية والاستقرار مع وجود استثناءات في عدد من الدول ذات التوجهات الجمهورية الديموقراطية.
السودان منذ عهد الاستقلال عام ١٩٥٦ يعيش مشكلات مزمنة؛ رغم أن هذا البلد العربي الشقيق يمتلك ثروات كبيرة على صعيد الموارد البشرية المتعلمة، والتي كان لها دور محوري في البناء والتنمية في دول الخليج في عقدي السبعينيات والثمانينيات بشكل خاص. كما أن السودان يمتلك ثروات طبيعية كبيرة، حيث وجود نهر النيل بفرعيه الأبيض والأزرق، وثروات معدنية كبيرة، أهمها الذهب.
لقد كانت ثروات السودان تاريخيًا محط أطماع المحتل الخارجي لعقود، ويبدو أن السيناريو يتكرر الآن؛ حيث إن الحرب القاسية الحالية والتي يصر عليها حميدتي وقوات الدعم السريع تدخل في إطار تعزيز مصالح خارجية هي الداعم الأول؛ ومن هنا، فإن المشهد السياسي في السودان معقد رغم التدخل الدبلوماسي للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة؛ فما حدث في الفاشر شمال دارفور من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بعد دخول قوات الدعم السريع وانسحاب الجيش السوداني يعطي صورة مفزعة عن كارثة الحرب البشعة في السودان.
قد يثار تساؤل، طالما أن السودان الشقيق عضو في جامعة الدول العربية، وعضو في منظمة التعاون الإسلامي، لماذا لا تكون هناك جهود سياسية ملموسة من قبل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي؟ والإجابة واضحة؛ وهي ضعف المنظومة العربية والإسلامية؛ حيث تعرض قطاع غزة لإبادة جماعية من قبل الكيان الإسرائيلي على مدى عامين ولم تتحرك الجامعة العربية ولا منظمة التعاون الإسلامي؛ حيث يسود الشلل والجمود عمل المنظمتين؛ وعلى ضوء ذلك، فإن الخطر الخاص بتقسيم السودان ليس ببعيد، كما هو الحال في اليمن، وتتعرض بعض الدول العربية إلى خطر كبير له تأثيره على الأمن القومي العربي.
السودان واليمن هما ضحية مشاريع خارجية وأنانية بعض السياسيين في تلك الدول.
والحالة السودانية واليمنية تعبر عن وضع صارخ تتواصل امتداداته على الجغرافيا العربية في ظل وجود المشروع الصهيوني (إسرائيل الكبرى) الذي تحدث عنه المتطرف نتنياهو؛ ومن هنا، فإن الحروب الأهلية في السودان واليمن وحتى التوترات في سوريا وليبيا هي جزء من مشروع أكبر تختلط فيه المصالح الاقتصادية والهيمنة والنفوذ.
وهناك دول تتوهم بأنها تستطيع أن تقود تلك المشاريع، وأن الحروب والصراعات في النهاية تحقق أهدافا سياسية واستراتيجية واقتصادية.. هذه هي الحقيقة، وهذه المشاريع الاستراتيجية متواصلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبروز القوة الأمريكية على الساحة الدولية من خلال إطلاق الحروب في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ونشهد الآن مشاريع إستراتيجية هي جزء من المشروع الأكبر، وفي نهاية المطاف فإن الشعوب في السودان واليمن وليبيا وسوريا هي المتضرر الأكبر من تلك المغامرات غير المحسوبة.
إن السودان الشقيق يغرق في حرب استنزاف كارثية. وإذا تواصلت تلك الحرب فإن هذا البلد العربي سوف يتم تقسيمه، وسوف يتعرض الشعب السوداني إلى مزيد من المآسي كما يحدث الآن.
والمطلوب هو عملية إنقاذ للسودان على الصعيدين العربي والدولي خاصة وأن التقارير التي تأتي من الفاشر شمال دارفور مفزعة. وفي تصوري فإن الفرقاء لابد أن يتوصلوا إلى شيء من الحكمة لإنقاذ السودان وشعبه الطيب؛ لأن تدفق السلاح يعقد الوضع في السودان.
والمقاربة السياسية ـ في ظل المعطيات الحالية ـ لابد أن تقود إلى إطلاق حوار وطني ينهي الحرب، والجلوس على طاولة الحوار وتسليم السلطة وفق برنامج زمني إلى حكم مدني وفق انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة. وبدون هذا الخيار سوف يتواصل نزيف الجرح السوداني، وقد يدخل هذا البلد العربي الشقيق إلى متاهات نفق مظلم، يهدد وحدته الوطنية ومقدراته.