كل المؤشرات والأرقام تشير إلى أن سلطنة عُمان في طريقها نحو تحقيق نقلات نوعية في مختلف المؤشرات المستهدفة في «رؤية عمان 2040» التي تكمل بعد شهرين خمس سنوات منذ انطلاقتها في عام 2021 ما يعني إكمال ربع المدة الزمنية للخطة.
ورغم أن الربع الأول من أي خطة هو ربع تأسيسي لا يكشف عن نتائج عميقة، إلا أن سلطنة عمان حققت تقدما في مؤشراتها بنسبة 74% نحو تحقيق المستهدفات كما كشفت أمس وحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040 في التقرير الدوري الرابع للرؤية.
والمؤشرات التي عرضها التقرير تُظهر تحسنا كبيرا في آليات العمل، حيث زاد وزن القطاعات غير النفطية إلى 72.8%، وسجل الحساب الجاري فائضا للعام الثالث، وتراجعت نسبة الدين العام بشكل مطمئن؛ وجميعها علامات على تشكّل «ميزانية قوة» تُتيح للحكومة هامش مناورة أوسع في الاستثمار الاجتماعي والبنية الأساسية.
وإصدار هذا التقرير وإتاحته للمواطن بكل التفاصيل يؤكد توجه الحكومة نحو تكريس الشفافية وبناء شراكة مجتمعية تفتح أوراقها أمام الجميع. كما أن عرض تحليل للمؤشرات من شأنه أن يعكس مستوى التقدم المتحقق في كل مسارات الرؤية.
لكن السؤال الاقتصادي المهم في سياق الشفافية والشراكة لم يعد حول ما إذا كنا نتقدم أم لا؟ فهذا سؤال بعد كل الجهود التي بذلت خلال السنوات الخمس الماضية لا بد أن تكون إيجابية ولكن السؤال الأهم الآن هو كيف نتقدم؟ وبأي تكلفة وبأي إنتاجية؟
ووفقا للمؤشرات التي أعلنت وحدة متابعة الرؤية فإن التحول الجاري في بنية الاستثمار واعد حيث صعد الاستثمار الخاص إلى 17% من الناتج، وارتفع الاستثمار الأجنبي إلى 11.1%، مع أدوات تمويل سيادية جديدة كصندوق «عُمان المستقبل»، وهذا يشير إلى انتقال مدروس من «الدفع الحكومي» إلى ما يمكن أن يسمى «حشد» ذكي لرأس المال. وهذا مهم جدا في سياق أي بناء اقتصادي شرط أن تواكبه إنتاجية، فرأسمال بلا إنتاجية يتحول سريعا إلى مجرد أصول خاملة. هذا يعني أن المطلوب خلال المرحلة القادمة بناء روابط أكبر بين الاستثمار وسلاسل القيمة مثل التعدين في المعادن المتقدمة، ومن الطاقة المتجددة إلى تصنيع المكونات، ومن الخدمات اللوجستية إلى صناعات التبريد، والبيانات، والخدمات المهنية عالية القيمة.
وإذا تأملنا في مؤشرات رأس المال البشري فسنجد أن الجامعات سجلت تقدما أفضل سواء على مستوى جامعة السلطان قابوس أو الجامعات الخاصة التي دخلت ثلاث منها إلى المؤشر العالمي، كما أن هناك ارتفاعا جيدا في مؤشرات الابتكار وبراءات الاختراع. وهذه كلها مؤشرات إيجابية تحتاج أن تستكمل عبر سياسات تحويل معرفي داخل المؤسسات الإنتاجية مثل المصانع والمزارع والمختبرات عبر شراء عقود مبتكرات محلية، وعمل حوافز ضريبية للشركات التي تنخرط في العمل البحثي، وعمل مسارات سريعة لترخيص التقنيات. فالنجاح الحقيقي لا يقاس فقط بعدد براءات الاختراع، ولكن عبر الانتقال إلى عائد الابتكار وما يحققه من قيمة مضافة.
وفيما يخص الحوكمة فإن التقدم الذي تحقق خلال السنوات الخمس الماضية مهم جدا، ومن المنتظر أن ينعكس أثر كل ذلك على الأداء ودقته وإنجاز الخدمات في الوقت المحدد دون أي فاقد لا في الوقت ولا في التكلفة.
لا شك أن تحقيق 74% من التقدم في مؤشرات الرؤية نحو تحقيق المستهدفات تقدم مهم ولحظة وطنية تستعد الجميع. وهذا من شأنه أن يجعل العمل ينتقل من مرحلة قياس نسبة الإنجاز إلى مرحلة تعظيم نوعية النمو عبر الإنتاجية الأعلى والصادرات المتنوعة وتوفير أكبر عدد من الوظائف المهارية ذات العائد المادي الكبير. وإلى رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي. والطريق الآن ممهدة كثيرا بناء على كل المؤشرات المعلنة. وعُمان بلد عظيم يستحق كل الجهود التي تبذل من أجل أن يبقى شامخا في عنان السماء.