الشباب هم وقود الحاضر، وصنّاع المستقبل، وبهم تقوم الدول، وعليهم تعتمد، ولا يمكن لأي دولة، أو حضارة أن تصمد، دون أن تملك مستقبلها، ودون أن تمكّن لشبابها، وهذا التمكين يأتي على جوانب متعددة، منها ما هو مادي، ومنها ما هو معنوي، ومنها ما هو مهني، ومنها ما هو معرفي، وفكري، ولذلك فإن التحضير المبكر لجيل الغد، وتهيئة الظروف الملائمة له هو استثمار لا يمكن إلا أن يكون ناجحا، ومضمونا، وهو صمام الأمان لاستمرارية، وديمومة أي تنمية اجتماعية، أو اقتصادية.
فالتزود بالمعرفة، وامتلاك ناصية العلم هو أول خطوة لتمكين الشباب في بناء الغد، ومن ثم إيجاد الأرضية والمناخ المناسبين لتفريغ الطاقات المعرفية، والعلمية، والاستفادة من مضامينها، كما أن تهيئة الجو النفسي للعطاء هو أيضا دافع كبير لبذل الجهد، والاشتغال على البناء، فلا يمكن أن يعطي الشباب وطنهم وهم في صراع يومي مع ما حولهم، ولا يمكن لهم أن ينتجوا بشكل مريح، ومعطاء دون أن يكون المناخ العام مناسبا، ومريحا، فالاستماع إلى آراء الأجيال هو استماع لتحديات يمكن القضاء عليها، بقليل من التعاطي المباشر بين الحكومة والفئات المستهدفة، وإعطاء مساحات الحرية لإبداء الرأي مهما كان قاسيا، وطرح الرأي، والرأي المقابل، للوصول إلى أرضية مشتركة يستطيع من خلالها الشباب أن يفرّغوا طاقاتهم في مكانها الصحيح، دون ضغوطات، ودون تردد، ويتحولون من عبء ثقيل على التنمية، إلى ساعد قويّ للدولة.
إن الدولة تحتاج إلى إعادة تنظيم صفوف الشباب، وتوجيه الخطاب الإعلامي إليهم، وبث روح المنافسة، والتحدي في نفوسهم، إلى جانب تشريعات مرنة، وقرارات محفّزة لهم، ومتجاوبة مع واقع الحال، وهذا سينعكس حتما على عطائهم، ومساهمتهم في بناء مستقبل الوطن، ولعل ملف «تشغيل الشباب» واحد من الملفات العالقة، والذي يسير ببطء، وهو من أخطر الملفات التي تسيطر على تفكير الحكومة والشباب في آن معا، ولا يمكن حلّه بسهولة، ولكنه غير عصيّ على الحل بقليل من التنظيم، وكثير من العمل والجهد، كما أن مشكلة «التسريح من العمل» ملف شائك آخر، فكيف لشاب أن يستقر نفسيا وهو مهدد بالفصل من عمله في أي وقت؟ وكيف يمكن أن يعطي وعينه على قرار إداري يصدر في أي لحظة ينهي خدماته دون خطيئة ودون سابق إنذار؟ ولذلك يجب إعادة النظر في التشريعات المنظمة لهذا الجانب، مما يتيح للموظف مساحة من الاستقرار الوظيفي، والمعنوي، كما أن الشباب يتعرض لضغوطات غير عملية من خلال فرض الضرائب، إلى جانب القرارات التي يتم فرضها على الشركات الناشئة، والتي تشكّل عبئا إضافيا على كاهل الشاب الذي يحاول أن يشق طريقه في عالم التجارة، فإذا به يواجه عراقيل كان يمكن تخطيها بقرارات تنظّم العمل الحر، لا أن تجعل منه أداة منفّرة، وبيئة طاردة لأي مغامرة تجارية للشباب.
إن توفير المناخ المناسب، يمنح الشباب متنفسا واسعا للعطاء، ويصب في كل حالاته في صالح الحكومة، والمواطن، ويجعل من الشباب طاقات عاملة، لا مهدورة، بها يستطيع الوطن أن يشق طريقه، بسواعد أبنائه، وحماسهم، ورغبتهم في بناء وطنهم، بحب، وإيثار، بعيدا عن ضغوطات الحياة، وبعيدا عن قرارات لا تخدم الصالح العام، ولا تقدّم حلولا، بل تزيد الطين بلّة.