بدر بن سالم الرحبي -

كانت ست سنوات في العمل بالقطاع العقاري كافية بالنسبة لي لأرى الفجوة الكبيرة التي تفصل العميل عن الوسيط، والسلسلة الطويلة من الوسطاء التي يمر عبرها الطلب الواحد حتى يتم، والتي يفقد خلالها دقته وثقته وتضيع معها الشفافية التي يحتاجها أي سوق صحي. من هنا تجت لي فكرة منصة “دورلي” لتكون كوسيلة لإعادة بناء الجسر بين الناس والسوق، بين العقار والتقنية، وبين الثقة والمعاملة.

ويتلخص عمل المنصة في كونها همزة وصل الرقمية بين العميل والوسيط المرخّص، دون الحلقات الطويلة أو الإعلانات الفضفاضة التي تُشوّش الرؤية، وهي منصة تسعى إلى أن تجعل تجربة البحث عن العقار أو بيعه أو تأجيره أشبه بلقاء إنساني يعتمد على المعلومة الواضحة، لا الضبابية.

وعندما بدأنا العمل على أول نموذج للمنصة، كنا نبحث عن إجابة لسؤال واحد: كيف يمكن للتقنية أن تُبسط التعقيد بدل أن تضيف إليه؟ ومن خلال تجربة ميدانية أولى، تمكننا من إغلاق صفقة عقارية كاملة خلال أقل من اثنتي عشرة ساعة فقط، عبر وسيطين اثنين. في تلك اللحظة شعرت أنني أرى المستقبل يحدث أمامي، تقنية تربط الناس مباشرة دون حلقات زائدة، تتيح الشفافية الكاملة في الطلبات، وتقلص الزمن بين الرغبة والإنجاز. لم تكن المسألة في السرعة فقط، بل في الوضوح الذي شعر به الطرفان، وفي الإحساس بأن العملية كانت عادلة ونظيفة.

أردت منذ البداية أن تكون “دورلي” انعكاسًا لتجربتي في الميدان، لا لمجرد فكرة رقمية عابرة، لذلك صممنا المنصة لتعمل بالعقل والمنطق ذاته الذي يفكر به الوسيط والمشتري والمستثمر، ولكن بلغة التقنية. فهي تسخّر الذكاء الاصطناعي لمطابقة الطلبات والعروض بدقة لحظية، وتُرسل إشعارات فورية تواكب التطورات، وتُفلتر النتائج بطريقة ذكية وفق الموقع والسعر ونوع العقار، حتى يصل المستخدم إلى ما يريد بأقل جهد ممكن، كما قمنا بربط المنصة بأدوات التواصل اليومية مثل الواتساب، لتسهيل العملية على الأطراف.

والحقيقة أن النجاح الحقيقي لا يقوم على التقنية وحدها، بل على التنظيم والشفافية، لذا عملنا منذ البداية على أن تكون المنصة جزءًا من المنظومة القانونية في سلطنة عمان، حيث قمنا بتوثيق حسابات الوسطاء وفق اشتراطات وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، حتى نضمن أن كل وسيط في «دورلي، مرخّص وموثوق، كما دمجنا القوانين العقارية في بيئة المنصة نفسها، فكل عملية تُسجَّل وتُوثَّق بما ينسجم مع التشريعات، لتصبح أداة تنظيمية إضافة لكونها وساطة رقمية ليشعر المستخدم أن المنصة امتداد للثقة المؤسسية لا بديلاً عنها.

اليوم، بعد سنوات من التجريب والتطوير أستطيع القول إن البيانات هي بلا شك المورد الأهم في السوق العقاري، فكل معلومة دقيقة ترفع من جودة القرار وتدعم كفاءة الوسيط والمستثمر على حد سواء، ولهذا نعمل باستمرار على تطوير أدوات تحليل متقدمة تُنتج مؤشرات سوقية حقيقية يمكن الاعتماد عليها، وتُقدّم صورة أكثر عدلاً عن قيمة العقارات في السوق العُماني.

إن التحول الرقمي في العقار ليس سهلاً، والطريق ما زال مليئًا بالتحديات، وهناك وسطاء يخشون أن تحلّ التقنية مكانهم، وجهات رسمية تتردد في مشاركة بياناتها، ومستخدمون يحتاجون إلى وقت ليؤمنوا بأن الحل الرقمي يمكن أن يكون أكثر أمانًا من الورق. لكني أرى في كل ذلك فرصًا حقيقية للنمو، فكلما اتسع الحوار بين التجربة القديمة والتقنية الجديدة، تولد مساحة مشتركة أكثر وعيًا ونضجًا.

وفي المرحلة القادمة، نعمل على توسيع نطاق المنصة لتشمل أدوات تحليل متقدمة تدعم المستثمرين والمطورين وصنّاع القرار في رسم خططهم، كما ندرس فرص التوسع في أسواق الخليج القريبة التي تشترك معنا في التحديات والفرص نفسها. لكن بالنسبة لي سيظل الهدف الأسمى من المنصة ثابتًا: أن تبقى “دورلي” منصة تُعيد تعريف الوساطة العقارية في سطنة عُمان، وتتعدى كونها تطبيق لتبادل العروض لمنظومة متكاملة تُجسّد قيم الشفافية والسرعة والموثوقية.

إن ما نعمل عليه في “دورلي” ليس مُجرّد محاكاة محلية لتوجّه عالمي، بل هو جزء من موجة تقنية تعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والعقار، فاليوم لم تعد قيمة العقار تُقاس بالموقع والمساحة فقط، بل بكمّ البيانات التي تحيط به وبسرعة تداولها ودقّتها.

وتشير تقارير دولية إلى أن استثمارات التكنولوجيا العقارية (PropTech) تخطّت حاجز 35 مليار دولار عالميًا في عام 2024، بعد أن كانت لا تتجاوز بضعة مليارات قبل أقل من عقد واحد، فيما تتوقع مؤسسات مثل Fortune Business Insights وPwC أن يتضاعف حجم السوق خلال السنوات الخمس القادمة مع توسّع استخدام الذكاء الاصطناعي في الوساطة وإدارة الأصول.

وفي مدن مثل سنغافورة ولندن ، أصبحت خوارزميات التقييم الفوري جزءًا من منظومة القرار العقاري، وتحوّلت البيانات من أداة مساعدة إلى لغة يومية يتحدث بها المطور والمستثمر والجهة التنظيمية على حدٍّ سواء.

بدر بن سالم الرحبي المؤسس والرئيس التنفيذي لمنصة “دورلي”