إن كان أكتوبر هو شهر الاحتفاء بالمرأة العمانية منجزا وحضورا، فإن أمامة اللواتي هي شخصية هذا الموسم دون جدال، كيف لا وقد أثبتت قناعاتها القيمية منطقا وسلوكا، غير مكتفية بالشعارات والتنظير؟! أمامة التي غادرت منطقة الراحة ومتكأ الأمان إلى رحلة الوعي وإثبات الموقف وتحدي العدوان، أمامة وممثلو الخليج العربي في أسطول الصمود العالمي أثبتوا خلال أسابيع عمق وعيهم بقضايا الإنسان وقضايا الأمة بإدراك الخطر الحقيقي الذي ينبغي مجابهته وتحديه سلميا بكل وسائل الوعي والمعرفة؛ وما ذلك الخطر إلا الجهل، نعم الجهل رغم توافر كل أسباب المعرفة وسبل الفهم، وما كان للخليج أن يقبل الغياب أو التغييب عن تظاهرة مدنية عالمية، وحراك سلمي حضاري كأسطول الصمود، الأسطول الذي أبحر فيه نخبة ممثلة لأكثر من 44 دولة، في أكثر من 50 سفينة، وما كان لتوقيع عمان البحري أن يخفى سيدة للبحار مغيثة للأحرار.
هذا الحراك العالمي متمثلا في أسطول الصمود ما هو إلا حركة وعي ثقافي عالمية، تسير بمعتنقيها إلى فكرة لا إلى حرب، إلى دحض ادعاء لا إلى قتال، هدف كل أولئك المبحرين هو كسر حصار إسرائيل لغزة، وإشعار العالم بكل ما فيه من حكومات ومؤسسات ومنظمات بضرورة التحرك لإنقاذ شعب غزة من الحصار والتجويع والتهجير، وإنقاذ كل شعوب العالم من تسطيح الوعي وتوجيه السرديات وتجهيل العامة، لم يدر بخلد أي منهم أوان التخطيط والتنفيذ أن رحلتهم هذه ستفضي إلى ترحيب من إسرائيل، أو حتى صمت عن أهدافها، إذ ما تصنعه إسرائيل منذ عقود ما هو إلا بناء فكرة مضادة أسست حولها كثيرا من المغالطات السردية التاريخية والجغرافية وحتى السياسية، ولن تقبل -يقينا- التسليم بانهيار هذه الفكرة في لحظة أو عبر مبادرة مدنية ثقافية تعرف مجراها ومرساها.
التمثيل الخليجي في هذا الأسطول تمثيل مشرّف لكفاءات نوعية حملها مبدأ الانتصار للإنسان قبل كل شيء مشاركة في قافلة الصمود العالمية، ويحق اليوم لكل خليجي الفخر بهم نماذج رائعة لخليج يليق به الحضور كما تليق به الصدارة، إذ لم يكن الخليج غائبا يوما ما عن معترك النضالات الإنسانية وخضم القضايا القومية، ولا كانت عمان بعيدة عن كل ذلك عبر تاريخها العريق، يشهد لها الكثير مما لا تتسع مساحة هذه المقالة لذكره، ولو أن حكومات الخليج استنكرت على ممثليها حضورهم ذاك لحالت بينهم وبين تلك المشاركة، أو لأخطرتهم على ضرورة الانسحاب، لكنه سعي مدني مرحب به، غير مخالف لأي قانون ولا اتفاقية، بل هو مؤشر لمدنية الدولة، وحراك مؤسسات المجتمع المدني تحت مظلة حكومات مؤمنة بالشراكة واعية بمسؤوليتها تجاه مواطنيها على اختلافهم؛ وعيا وثقافة وسلوكا، وفي ذلك رد على المثبطين الذين تلوّنوا قبل الأسطول بصوت «مالكم لا تخرجون لنصرة فلسطين؟» وبعد الأسطول بـ«من أمركم بالخروج والمخاطرة؟» وسيجدون للتثبيط ألف صوت ولون مما لن يصل لأسماع المؤمنين بمبادئهم الساعين لتغيير خريطة الوعي بضبط بوصلة القيم.
عودا للدكتورة أمامة اللواتي؛ محور مقالة اليوم: المرأة الخليجية الوحيدة في هذا الأسطول ونعرف (جميعا) ما في ذلك من حمولة أسرية ومجتمعية، الأم التي ملكت شجاعة مغادرة مأمنها (في بلاد وبيت وعائلة ووظيفة ومجتمع) إلى خطر رحلة اعتناق المبدأ عمليا وفي أخطر الظروف بعد طول تنظير وعميق تفكير، تحركت في هذا الأسطول وهي على وعي كامل بكل مخاطر خطوتها الأولى وخطواتها اللاحقة، آمنت بأن الصمت يورث العجز ولا بد للوعي من صوت، ولا بد له من صدى، وقد صنعت أمامة ذلك الصدى سواء وصلت مؤونة سفينتها من الطعام إلى غزة أم لا، حسبها ورفاقها أنهم صنعوا الفرق في كسر وهم العالم بإسرائيل سردا متصلا لم يعد صالحا للتسويق ولا للتصديق.
ختاما: لا نملك إلا الدعاء لأمامة ولكل من تبقى من الصامدين -في قبضة إسرائيل- بالعودة سالمين، كما لا نملك إلا شكر ممثلي هذا الأسطول لإنجاز ما عجزنا عنه، وبلوغ ما قصّرنا فيه، لاستزراعهم الأمل في كل شعوب العالم عبر مبادرة أثبتت أن للثقافة أثرا، وللإنسانية صوتا يفوق أصوات الأسلحة وجبروت المال والنفوذ، لا نملك إلا شكر حكومة بلادنا وحكومات ممثلي هذا الأسطول على دعمهم مواطنيهم انتصارا للإنسان والحق الشراكة الفاعلة الحقة بين الحكومة والمجتمع المدني.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية