همستُ في أُذن الشاب العربي، الذي كان يقف أمام واجهة عرض العطور «ڤاترينا»، مرتديًا بدلة رمادية بربطة عنق بيضاء أنيقة، وأنا اجتاز الممر في المجمع التجاري «المول»: هل تعرف أن اعتراض المتسوقين بهذه الصورة في المجمع، يعد تصرفًا ممنوعًا؟
اكتفى الشاب بالابتسام، فواصلت: هل أنت على دراية، بأن هناك قرارًا حكوميًا واضحًا، يمنع الترويج للسلع بهذه الطريقة؟ هل تعرف أنك بتصرفات كهذه، تضع الشخص تحت ضغط شراء سلعة لا يريدها، وأن أولوية أغلب الناس هذه الأيام الصعبة تتمثل في شراء الغذاء؟ برأيك هل من المنطق أن يشتري منك شخص قنينة عطر، وهو يدرك وأنت تدرك، أن قيمتها تتجاوز قيمة ثلاث عِلب حليب لطفله؟
رد الشاب: «عارف والله يا فندم، بس إحنا ح نعمل أيه، بيني وبينك الشركة تِدينا نسبة، إذا إحنا قدرنا نجيب مشترين زيادة، وانته عارف الحال بأه، بعدين بُص حضرتك شوف البنت اللي واقفة هناك في الكبينة اللي على يمينك ماكله الجو، وما حدِش جِه ناحيتها».
جملة «ماكله الجو»، لم تمر علي مرور الكرام، قررت أن أقترب من «الڤاترينا» التي تقف أمامها الشابة المتأنقة، ومن بعيد جاءتني الدعوة: «تفضل يالطيب»، وقبل أن أُلقي السلام حتى، واجهت ومن مسافة بعيدة، عاصفة من الترحيب وعبارات مديح بالشامية لم أفهمها، كادت رشّات العطور المتتالية، التي أغرقت بها الدشداشة دون إذن، أن تصيبني بالاختناق، تحاورنا طويلًا وبعد أن يئست من إقناعي بالشراء، طلبت مني رقم الهاتف، بحجة إرسال كل ما هو جديد على الواتس أب، امتنعت عن ذلك مباشرة فعلّقت بكل برود: «شو ما أغلظك».
كشفت لي هذه المواقف عن وجود خطأ ما، عن تقصير واضح وبيّن لبعض الجهات الرقابية المختصة، في القيام بدورها الرقابي، بل والتساهل وغض النظر عن طبيعة هذه المحلات الصغيرة في المولات الكبيرة، وعن حِيل المُروجين «غير المنضبطين» الذين تزدحم بهم الممرات، ممن يعمدون إلى طرق ترويج «مبتذلة» ووسائل غير مشروعة لبيع سلع غالبًا ما تفتقر إلى الجودة.
هناك من سيقول: الشراء هو سلوك اختياري، لا يجب أن يُحاسب عليه المُروِج، كون وظيفته الترويج والبيع، لكن الحقيقة أيضًا أن الحكومة سنت قانونًا واضحًا لأهداف تعلمها، يجب أن يُلتزم به، وهناك خصوصية للأسر لا يجب أن تُقتحم، وقضايا أخلاقية يجب الالتفات لها قبل وقوع الكارثة، خاصة عندما تتجاوز أهداف المُروِجات «الجميلات» اللاتي يُنتقين بدِقة، حدود بيع سلعة توضع في «ڤاترينا» ممر «مول» تجاري.
النقطة الأخيرة..
ظاهرة اعتراض المتسوقين، من قِبل مروجي السلع الذين يقفون خلف «ڤاترينات» المحلات التجارية الكبيرة في ممرات «المولات» تحتاج إلى المزيد من المتابعة من قِبل جهات الاختصاص، فإلى جانب كونها ظاهرة تؤذي المتسوق وتسلبه راحته، تعد ظاهرة غير حضارية، أقرب ما تكون إلى وسيلة «ناعمة» من وسائل الابتزاز.
عُمر العبري كاتب عُماني