تبرز خطط الإخلاء باعتبارها أحد الأسس الرئيسة في منظومة السلامة العامة؛ إذ تمثل خط الدفاع الأول لمواجهة الطوارئ والتقليل من الخسائر البشرية والمادية.
وفي هذا الإطار تواصل هيئة الدفاع المدني والإسعاف بالتعاون مع المؤسسات جهودها لترسيخ ثقافة الإخلاء وتعزيز الوعي الوقائي لدى الأفراد، عبر إعداد خطط مدروسة وتنفيذ تدريبات عملية وتجارب ميدانية ترفع من مستوى الجاهزية وسرعة الاستجابة عند وقوع الأزمات.
الإخلاء.. إجراء وقائي
أكد النقيب الجلندى بن محمد البلوشي، رئيس قسم العلاقات العامة بهيئة الدفاع المدني والإسعاف، أن عملية الإخلاء تعد من أبرز الإجراءات الوقائية التي يتم اللجوء إليها في حالات الطوارئ؛ إذ تهدف إلى حماية الأرواح والتقليل من الخسائر عبر إخراج الأشخاص من المناطق المعرّضة للخطر ونقلهم إلى أماكن آمنة وفق خطة مدروسة ومنظمة.
وبيّن أن الإخلاء يمثل استجابة سريعة وفعّالة للحوادث المفاجئة مثل الحرائق والانفجارات والتسربات الكيميائية والانهيارات، مشيرًا إلى أن تطبيقه بصورة صحيحة يسهم في تجنب الإصابات الجسيمة ويحول دون تفاقم الأضرار.
خطط وفرق متخصصة
وأوضح النقيب الجلندى أن نجاح عملية الإخلاء يتطلب إعداد خطط واضحة ومعتمدة بشكل مسبق، بحيث تشمل تشكيل فرق متخصصة داخل المؤسسات.
وتتولى فرق الأمن والسلامة مسؤولية وضع خطط الطوارئ بالتنسيق مع الدفاع المدني، إلى جانب الإشراف على جاهزية المبنى وضمان توفر وسائل الإنذار والإطفاء ووقف العمل فور وقوع أي طارئ.
وتضم الخطة فرقًا متعددة المهام؛ ففريق المكافحة يتعامل مع الحرائق البسيطة باستخدام الطفايات وخراطيم المياه لحين وصول فرق الدفاع المدني، وفريق الإنقاذ يختص بإخراج المحتجزين والمصابين والتعامل مع الحالات الطارئة، وفريق الأمن يتولى حماية المبنى ومنع الدخول لغير المصرح لهم، بينما يقدم فريق الإسعاف الإسعافات الأولية للمصابين وينقلهم إلى أماكن آمنة أو إلى المستشفيات إذا استدعى الأمر . أما فريق الإيواء فيُعنى بتجهيز نقاط التجمع وتأمين المستلزمات الضرورية وحصر أعداد الناجين والمصابين، في حين يعمل فريق التوعية على نشر التعليمات بين الأفراد ورفع مستوى وعيهم الوقائي، بما يضمن تكامل الأدوار وانسيابية العملية في مختلف مراحلها.
أهداف الإخلاء
أوضح النقيب الجلندى أن أهداف الإخلاء تتجسد في حماية الأرواح من الأخطار الطبيعية أو البشرية، والمحافظة على الممتلكات والثروات الوطنية عبر إبعادها عن مصادر الخطر، وضمان الاستقرار النفسي والاجتماعي والصحي للمتضررين بتأمين أماكن بديلة آمنة لهم وتوفير الحماية اللازمة.
وأضاف أن عملية الإخلاء تمر بأربع مراحل رئيسية: تبدأ بالإنذار المبكر باستخدام أنظمة متطورة تنبّه الأشخاص بضرورة المغادرة، ثم مرحلة إخراج المتضررين عبر المخارج الآمنة الخالية من العوائق، يليها إيواؤهم في مواقع بديلة مجهزة بمقومات الحياة الأساسية، وأخيرًا مرحلة إعادة الأوضاع إلى طبيعتها بعد زوال الخطر.
وأشار إلى أن الإخلاء له أنواع متعددة؛ فقد يكون اختياريًا يقوم به الأفراد ذاتيًا عند استشعار الخطر، أو إجباريًا يصدر بأمر من السلطات المختصة وقد تُفرض على المخالفين عقوبات في حال عدم الاستجابة.
كما يمكن أن يكون جزئيًا لفئة محددة من السكان أو كليًا يشمل جميع السكان في المنطقة المهددة.
ومن حيث المدة الزمنية، ينقسم الإخلاء إلى جزئين: مؤقت يستمر لساعات محدودة ريثما يتم التأكد من سلامة الموقع، أو دائم كما يحدث في الكوارث الكبرى التي تستدعي مغادرة المنطقة لفترة طويلة.
الإطار القانوني
ولفت النقيب الجلندى إلى أن المرسوم السلطاني رقم (91/96) الخاص بقانون الدفاع المدني حدّد الجهات المعنية بالإخلاء بدقة، حيث نصت مواده الأولى على أن المهمة الأساسية تتمثل في اتخاذ التدابير الوقائية والإجراءات التي تحمي السكان والممتلكات العامة والخاصة وتضمن استمرارية العمل في المرافق الحيوية.
وأوجب القانون على الإدارات والمؤسسات والشركات والمنشآت الحيوية إعداد خطط إخلاء متكاملة بالتنسيق مع هيئة الدفاع المدني والإسعاف، واعتمادها رسميًا مع تحديد المسؤوليات والمهام، على أن يتم تنفيذ هذه التدابير على نفقة المؤسسة نفسها.
وأضاف أن القانون يلزم الجهات المسؤولة بتعيين مسؤولي أمن وسلامة ذوي خبرة أو مؤهلين في مجال الأمن والسلامة، مع تفرغهم لأداء مهامهم في المرافق العامة والمنشآت الحيوية، بينما يوجب على المؤسسات الخاصة تعيين مسؤول أمن وسلامة إذا تجاوز عدد العاملين خمسين شخصًا أو فاق عدد المترددين خمسة وسبعين شخصاً في وقت واحد. كما نص القانون على ضرورة توفير مخارج طوارئ كافية وصيانتها بشكل دوري، وتجهيز المباني بوسائل الإنذار والإطفاء والخرائط الإرشادية، فضلًا عن تنفيذ التمارين الدورية للتأكد من فاعلية خطط الإخلاء.
عوامل النجاح
وتطرق النقيب الجلندى إلى أن نجاح عملية الإخلاء تعتمد على مجموعة من العوامل المتكاملة، منها وضوح الخطة ومرونتها وقدرتها على التكيف مع المستجدات، والاستعداد المبكر لمواجهة كافة الاحتمالات، وتحديد نقاط تجمع في أماكن آمنة بعيدة عن الخطر، وجاهزية المباني بوسائل السلامة، وسرعة الاستجابة المبنية على بيانات دقيقة عن أعداد الموجودين في المبنى، وأوضح أن التدريب العملي المستمر يعد ركيزة أساسية لرفع مستوى الجاهزية وتعزيز الوعي الوقائي لدى الأفراد.
كما أشار إلى أهمية الالتزام بالتعليمات العامة عند تنفيذ الإخلاء، مثل التوقف عن العمل فور سماع الإنذار، والتحرك بهدوء بعيدًا عن الارتباك، والاتجاه مباشرةً إلى نقاط التجمع المحددة مسبقًا، وعدم استخدام المصاعد، واتباع المسارات والمخارج الآمنة، إلى جانب تجهيز الأوراق الثبوتية والأدوية الضرورية خاصة لذوي الأمراض المزمنة، والمغادرة المبكرة لتجنب الازدحام وضمان سرعة الإخلاء. وأوضح أن هذه التعليمات تساهم بشكل فعّال في تقليل الإصابات ومنع التدافع أو الفوضى، وتعزز القدرة على تنفيذ الإخلاء بأمان وسلاسة.
ثقافة راسخة
واختتم النقيب الجلندى بن محمد البلوشي حديثه بالتأكيد على أن الإخلاء ينبغي أن يُنظر إليه كثقافة وقائية دائمة لا مجرد استجابة وقتية عند وقوع الحوادث، مبينًا أن ترسيخ هذه الثقافة يحتاج إلى وعي مجتمعي متكامل وتعاونًا حقيقيًا بين مختلف الأطراف. وأكد أن الوعي الوقائي والتدريب المستمر يمثلان الطريق الأمثل لبناء بيئة آمنة ومجتمع أكثر استعدادًا لمواجهة المخاطر، بما يسهم في حماية الأرواح والممتلكات وصون مقدرات الوطن واستدامة استقراره.
تجارب مؤسسية
وفي إطار التمارين الدورية التي تنفذها المؤسسات لتعزيز الجاهزية ورفع مستوى الوعي الوقائي، شهدت المحطة الرئيسية بالعذيبة تنفيذ تمرين "درع السلامة المشترك" بمشاركة مختلف الفرق المعنية. وقال المهندس بدر بن محمد الندابي، الرئيس التنفيذي لشركة مواصلات، إن تنفيذ تمرين "درع السلامة المشترك" في المحطة الرئيسية بالعذيبة يأتي حرصًا على سلامة الموظفين والركاب، والتزامًا بمتطلبات هيئة الدفاع المدني والإسعاف، ورفع مستوى الجاهزية لمواجهة أي طارئ. وأكد أن التمرين نُفذ بنجاح وأظهر انضباطًا عاليًا، مشيرًا إلى أن الشركة تنفذ ما لا يقل عن 12 تجربة إخلاء سنويًا، وجهزت المحطة بأنظمة إنذار مبكر وخرائط إرشادية ومرشدي إخلاء.
وأضاف أن فريق الجودة والصحة والسلامة والأمن والبيئة بالشركة تلقى تدريبات متخصصة في مكافحة الحرائق والإسعافات الأولية، مع صيانة دورية لمخارج الطوارئ والمعدات، وتخصيص ساحات خارجية للتجمع وموظفين لمساعدة كبار السن وذوي الإعاقة، مؤكداً أن هذه الجهود رفعت مستوى الوعي الوقائي وعززت ثقة المجتمع بقدرة مواصلات على التعامل مع الطوارئ بكفاءة عالية.
بدوره، أكد بطي بن محمد الشبلي، مدير المرفأ بميناء صحار والمنطقة الحرة، التزام شركة ميناء صحار والمنطقة الحرة بحماية الموظفين والزوار في حالات الطوارئ المختلفة، بالإضافة إلى الالتزام باللوائح الرسمية ومتطلبات الدفاع المدني. وقال الشبلي إن خطة الإخلاء تمثل ركيزة أساسية لضمان سلامة الجميع وتقليل المخاطر على الأفراد والممتلكات، وتضمن استجابة سريعة وفعّالة لأي حالة طارئة. وأشار إلى أن مبنى الإدارة مجهز بأحدث أنظمة الإنذار الصوتية والضوئية، إلى جانب خرائط الإخلاء والإشارات الواضحة لمخارج الطوارئ، لتسهيل حركة الإخلاء وضمان سلامة الموظفين والزوار. وأضاف أن التدريب المستمر والتعاون مع الجهات ذات الصلة ومنظومة صحار للاستجابة للطوارئ يسهم بشكل كبير في تعزيز جاهزية الفرق العاملة، ورفع مستوى الثقة في الإجراءات، وتحسين سرعة وكفاءة التعامل مع الحالات الطارئة.
وأكد الشبلي أن هذه الإجراءات تعكس التزام ميناء صحار والمنطقة الحرة بتطبيق أعلى معايير السلامة الدولية، مع التأكيد على الاستعداد الدائم لمواجهة أي طارئ بكفاءة واحترافية، بما يعكس أعلى مستويات الاحتراف المؤسسي في إدارة الطوارئ.
من جانبه، بيّن محمد بن حمد البريكي، رئيس قسم الصحة والسلامة والبيئة بجامعة صحار، أن الجامعة وضعت خطط الإخلاء في صدارة أولوياتها انطلاقًا من قناعة راسخة بأن الحفاظ على الأرواح هو الغاية الأسمى، مشيرًا إلى أن تكرار تطبيق هذه الخطط أسهم في تعزيز ثقافة الاستجابة السريعة بين الطلبة والموظفين، مما مكّنهم من إخلاء المباني خلال وقت قصير وبكفاءة أكبر.
وأضاف أن الإخلاء يمثل إجراءً وقائيًا جوهريًا في المؤسسات التعليمية، حيث يقلل من حجم المخاطر في الحالات الطارئة ويعزز من مستوى الأمان العام. وذكر أن جامعة صحار كانت سبّاقة في التعاون مع هيئة الدفاع المدني والإسعاف لاعتماد خطة متكاملة وفق معايير عالمية، مع تجهيز المباني بلوحات إرشادية واضحة وفيديوهات تدريبية توضح مسارات الخروج ونقاط التجمع.
وأشار البريكي إلى أن الجامعة تنفذ تجارب إخلاء شهرية تشمل جميع الطلبة والعاملين والزوار، حيث يتم رصد الملاحظات في تقارير متابعة أسهمت في تحسين الأداء ورفع كفاءة الاستجابة. كما جرى تدريب فريق الإخلاء على يد مختصين من الدفاع المدني، واعتماد موظفين كمسعفين معتمدين، إلى جانب الفحص الدوري لمعدات السلامة وأنظمة الإنذار بالتعاون مع شركات معتمدة، لضمان أعلى درجات الأمان.
ولفت إلى أن الجامعة لم تغفل الحالات الخاصة مثل ذوي الإعاقة وكبار السن، حيث أعدت آليات عملية لمساعدتهم أثناء الإخلاء. كما عملت على نشر ثقافة السلامة عبر المحاضرات وحلقات العمل ووسائل التواصل المختلفة، ما ساعد على رفع مستوى الوعي الوقائي بين مختلف الفئات، وعزز من شعور الجميع بالطمأنينة أثناء التعامل مع أي طارئ.
واختتم البريكي بالتأكيد على أن الخطط المستقبلية تتجه نحو استخدام التكنولوجيا عبر منصة رقمية لمسارات الإخلاء وتنويع سيناريوهات التمارين لتشمل مختلف المخاطر، مؤكدًا أن النتائج المتحققة انعكست على رفع مستوى الأمان العام في الجامعة، ورسخت ثقة الأفراد بالأنظمة المطبقة، وساهمت في تعزيز الثقافة الوقائية بشكل مستمر.