استطلاع - فاطمة العوفية
يُعد العمل التطوعي أحد الأعمدة الرئيسة التي تُبنى عليها المجتمعات المتقدمة، وهو مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي وروح المبادرة التي تترسخ في نفوس الأفراد، لا سيما فئة الشباب، وفي المجالين الرياضي والشبابي، يكتسب العمل التطوعي أهمية مضاعفة، لما له من تأثير مباشر في تفعيل دور الأندية، وتحقيق أهدافها التنموية والاجتماعية والثقافية إلى جانب أهدافها الرياضية، ولطالما كانت الأندية الرياضية أكثر من مجرد كيانات تُعنى بالرياضة التنافسية؛ فهي مؤسسات مجتمعية تحتضن طاقات الشباب وتوجهها نحو العمل الإيجابي البنّاء، ومن هذا المنطلق، فإن تعزيز مفهوم التطوع داخل الأندية يُسهم في تمكين الشباب من ممارسة أدوار فاعلة في مجتمعاتهم، ودعم الأنشطة والفعاليات التي تنظمها الأندية بأقل التكاليف، وبناء جيل يؤمن بالعطاء والعمل الجماعي.
وفي ظل ما تشهده الساحة الرياضية والشبابية من حراك متجدد، يبرز العمل التطوعي كأحد أهم الركائز التي تسهم في دفع عجلة التطوير داخل الأندية الرياضية. فالتطوع لم يعد مجرد مساهمة وقتية، بل أصبح ثقافة مجتمعية تعكس روح الانتماء وتؤسس لبيئة شبابية قادرة على الابتكار وصناعة المبادرات، ومن هذا المنطلق، تتجه الجهود نحو تعزيز مفهوم العمل التطوعي بالأندية، باعتباره منصة حقيقية لإعداد قيادات شابة وتمكينها من خدمة المجتمع الرياضي والارتقاء بمستوى الأداء المؤسسي والفني في آن واحد.
ورغم وجود تجارب ناجحة في بعض الأندية العُمانية في استقطاب المتطوعين خاصة في الفعاليات الموسمية أو البطولات، إلا أن العمل التطوعي لا يزال في كثير من الأحيان مرهونًا بمبادرات فردية أو جهود غير منظمة، مما يؤدي إلى ضعف الاستمرارية وغياب الحوافز والتقدير وعدم وضوح الأدوار أو آليات التطوع، وهنا تبرز الحاجة إلى وجود سياسات واضحة وهيكلة تنظيمية تدير العمل التطوعي داخل الأندية بشكل مؤسسي.
ومن أجل ترسيخ ثقافة التطوع في الأندية، من المهم العمل على التوعية والتثقيف من خلال إطلاق حملات توعوية موجهة لفئة الشباب حول أهمية التطوع وأثره في تطوير الذات والمجتمع، وكذلك التدريب والتأهيل من خلال توفير برامج تدريبية تُمكن المتطوعين من اكتساب المهارات اللازمة للعمل في الفعاليات والأنشطة المختلفة، وأيضا التحفيز والتكريم عبر وضع آليات تشجيعية، مثل شهادات التقدير، الجوائز الرمزية، أو منح امتيازات داخل النادي، وكذلك التمكين الإداري من حيث إشراك المتطوعين في اللجان المختلفة وإعطاؤهم أدوارًا واضحة ومسؤوليات حقيقية، وأخيرا الشراكات المجتمعية عبر التعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة لتوفير فرص تطوعية ودعم المبادرات الشبابية.
وفي ظل التحديات المالية والإدارية التي تواجهها كثير من الأندية، يمثل العمل التطوعي خيارًا استراتيجيًا لتعزيز الاستدامة، وتقليل الاعتماد على الدعم الحكومي، وبناء جسور الثقة بين الأندية والمجتمع المحلي، كما أن تعزيز العمل التطوعي في المجال الرياضي والشبابي بالأندية ليس ترفًا، بل ضرورة تنموية تسهم في بناء مجتمع نشط، متكاتف، وقادر على تحقيق أهدافه بقوة شبابه ومبادراتهم. ولكي يتحقق ذلك، لا بد من تحرك مؤسسي وتكامل أدوار الجهات الرياضية، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، ليكون التطوع ممارسة يومية لا موسمية، وثقافة متجذرة لا نشاطًا عابرًا.
ومن الملاحظ أن العمل التطوعي في الأندية الرياضية والشبابية ليس خيارًا تكميليًا، بل ضرورة لبناء منظومة رياضية متجددة قوامها العطاء والمسؤولية المجتمعية، فكل مبادرة تطوعية تُترجم إلى قيمة مضافة تُسهم في تطوير الكفاءات وصقل المواهب، وترسيخ صورة الأندية كبيئات حاضنة للإبداع والابتكار، وبقدر ما تتسع مساحة المشاركة الشبابية، بقدر ما تقترب أنديتنا من تحقيق رسالتها السامية في خدمة الرياضة والمجتمع معًا.
خلفان الزيدي: المتطوع يواجه تحديات تتمثل في ضعف الدعم المادي والمعنوي
قال رئيس مجلس إدارة نادي نزوى خلفان بن حمد الزيدي: إن التطوع هو تكريس المرء وقته وجهده في خدمة النادي أو المؤسسة الرياضية، دون انتظار مقابل مادي، أو منفعة، أو صيت مجتمعي، وهو فعل إرادي، يقوم به المرء بمحض إرادته، وبقناعة منه، وهو فعل يتطلب من المرء الإخلاص والاجتهاد، دون تذمر، أو تقصير، فالتطوع فعل نبيل، عوائده معنوية بالدرجة الأولى، يجني المتطوع ثمارها في النتائج التي يحققها النادي، والمكانة التي يصل إليها، ولأنه فعل اختياري نحن في حاجة إلى أن تكون ثقافة التطوع عامة تشمل الجميع، ونحن نحتاج إلى جميع الفئات والتخصصات، للنهوض بالأندية والارتقاء بها، إذ لا يجب أن يقتصر الأمر في دخول مجالس إدارات الأندية على الرياضيين فحسب، بل نحتاج إلى المتخصصين في الإدارة والاستثمار، والتسويق والتخطيط، وتنظيم الفعاليات، والعلاقات العامة، لأن جميع التخصصات مهمة يسهم وجودها في الارتقاء بالعمل الإداري والمالي داخل النادي.
أما عن الواقع الحالي للعمل التطوعي في الأندية، قال: أرى أن هناك إقبالا لا بأس به في التطوع للعمل في مجالس إدارات الأندية، وقد يكون عند البعض نابع من حب المجال، لاسيما بالنسبة للرياضيين الذين أجدهم الأكثر إقبالا على الدخول إلى مجالس إدارات الأندية من غير الرياضيين، وهذه نظرة قاصرة، فالعمل الشبابي في الأندية لا يقتصر على هذه الفئة فحسب، بل نحتاج إلى باقي المجالات المتمثلة في أخصائي الإدارة المالية، والتسويق والاستثمار وتنظيم الفعاليات وإدارة المناشط، والعلاقات العامة، وغيرها".
وأشار الزيدي إلى أن المتطوع يواجه تحديات تتمثل في ضعف الدعم المادي والمعنوي الذي يحصل عليه، فهو يتدبر تنمية العوائد المالية، ويتحمل ترتيب أي التزامات مادية لأي نشاط للنادي، باختصار يقع على كاهله كل الأمور الإدارية والمالية، ويتحمل اللوم على أي فشل أو ضعف في النادي، وقل أن يلتفت له عند النجاح وتحقيق التميز.
وأضاف: لا توجد لوائح وأنظمة تُنظم العمل التطوعي بالأندية، وإن وجدت فهي غير واضحة، وتحتاج إلى توضيح أدوار التطوع في كل مؤسسة على حدا، فالمتطوع في إدارة نادي، غير المتطوع في إدارة جمعية مجتمع مدني، غير المتطوع في مؤسسة أو لجنة اجتماعية.
كما أوضح أنه يجب أن يتم تحفيز الشباب للانخراط في العمل التطوعي بالأندية وذلك عن طريق التشجيع والمساندة والتكريم، فالبداية تكون مع تشجيع الشباب للانخراط في العمل التطوعي سواء في الأندية أو الجمعيات، ويكون ذلك عبر التعريف بأهمية التطوع وثماره على الفرد والمجتمع، وتقديم نماذج ناجحة للمتطوعين، ثم تأتي بعد ذلك الخطوة الثانية وهي المساندة، والمساعدة في قيام المتطوع بمهامه، وتذليل الصعاب التي يواجهها، والأخذ بيده عبر الدورات واللقاءات التوجيهية، ومن المهم أيضا أن يتم تكريم الفرد على الأعمال التي ينجزها.
يوسف الوهيبي: لا توجد لوائح تنظيمية للعمل التطوعي في الأندية
أوضح يوسف بن عبدالله الوهيبي نائب رئيس نادي السيب أن مفهوم العمل التطوعي في العمل الرياضي والشبابي لا يختلف كثيرا عن المفهوم العام للتطوع، ومعنى التطوع هو أن يبذل الشخص جهده ووقته دون مقابل مادي، ويعتبر التطوع عملا إنسانيا نبيلا يساهم في خدمة المجتمع ويزيد المحبة والألفة والتعاون بين أفراد المجتمع، وللتطوع فوائد كثيرة سواء على الفرد أو المجتمع منها اكتساب معلومات ومهارات خبرات جديدة تفيد المتطوع في حياته اليومية، وبعض المتطوعين حصلوا على فرص وظيفية بسبب خبراتهم ومهارتهم في العمل التطوعي.
وأضاف: العمل التطوعي في الأندية موجود ولكن بشكل محدود، ولا توجد لوائح لتنظيمه، حيث إن بعض المتطوعين لا يبذلون جهدهم ووقتهم فحسب، بل يصل الأمر أحيانا إلى إنفاق أموالهم الخاصة، مما جعل بيئة الأندية غير مشجعة وطاردة للعمل التطوعي، ومع ذلك هناك جهود تبذل في الأندية لتشجيع العمل التطوعي، ونحن في نادي السيب انتهجنا سياسة العمل التطوعي بشكل كبير خلال السنوات الماضية، حيث نسعى إلى غرس حب النادي في نفوس الشباب وتحفيزهم على التطوع، ولدينا لجان عاملة من المتطوعين، كما شكلنا فريق السيب التطوعي لتنظيم الفعاليات الرياضية، وهو فريق يضم مجموعة كبيرة من الشباب المتطوعين الذين يقومون بدور بارز ومهم.
كما أكد الوهيبي على أهمية دور وسائل الإعلام في تحفيز الشباب للانخراط في العمل التطوعي بالأندية، وأنتقد وسائل الإعلام والجمهور الذين يقللون من قيمة العمل التطوعي والعاملين فيه، في حين أننا بحاجة إلى تشجيعهم وتحفيزهم والأخذ بأيديهم. وأضاف: لدي العديد من التجارب خلال فترة عملي الطويلة في نادي السيب؛ فقد استضفنا العديد من البطولات الرسمية في مختلف الرياضات. ونحن نحرص دائمًا على تعزيز ثقافة العمل التطوعي، ولدينا متطوعون يعملون يوميًا لمدة لا تقل عن ست ساعات بلا كلل أو ملل، مدفوعين بحبهم للنادي وشغفهم بالعمل التطوعي.
مؤكدا على أهمية دعم العمل التطوعي من وزارة الثقافة والرياضة والشباب، من خلال توفير الحوافز للمتطوعين، إلى جانب مساهمتها مع المؤسسات الأخرى في تأهيل هؤلاء المتطوعين وتدريبهم ومكافأتهم، بالإضافة إلى الحاجة إلى تغيير اللوائح والأنظمة التي تنظم العمل التطوعي في الأندية، لمواكبة التقدم الرياضي في الدول الأخرى، ولتحقيق الاحتراف وضمان ديمومة العمل التطوعي.
حمدان السعدي: يساهم في اكتساب الخبرة والدراية وتحقيق التطور المستمر
يشرح حمدان بن سباع السعدي نائب رئيس نادي السويق مفهوم التطوع بأنه القيام بعمل أو تقديم خبرة دون مقابل، وجميع الأندية الرياضية قائمة على العمل التطوعي، حتى مجالس إدارتها تعمل بالتطوع، وأي شخص يمتلك الكفاءة والخبرة ويمكنه أن يقدم شيئًا في هذا المجال يستطيع المبادرة، وللتطوع فوائد كبيرة في التنمية المجتمعية؛ فالمتطوعون في النادي هم من يتولون تنظيم الدورات والمسابقات، كما يساهم التطوع في اكتساب الخبرة والدراية وتحقيق التطور المستمر وروح العطاء الدائم.
وعن اللوائح المنظمة للعمل التطوعي، يقول السعدي: اللوائح والتشريعات تُصاغ من قبل المؤسسة، سواء من إدارة النادي أو اللجان، لتحديد آلية العمل والتنسيق مع المتطوعين والمبادرين، ولكن لا توجد لائحة واضحة ومطبقة على جميع الأندية.
ويضيف: نحن نحفز المتطوعين من خلال احتوائهم ومساندتهم والأخذ بأيديهم، ومنحهم مساحة للتعبير عن أفكارهم والإبداع، إضافة إلى تكريمهم ماديًا أو معنويًا والإشادة بجهودهم. فعلى سبيل المثال، نحن في نادي السويق لدينا مركز إعلامي استقطبنا من خلاله المصورين من أبناء الولاية، وقد أسس هؤلاء لاحقًا 3 فرق مستقلة عن النادي وأصبحوا مطلوبين من قبل العديد من الجهات والمؤسسات داخل الولاية وخارجها. بالإضافة إلى ذلك، يعمل بعض كوادرنا الإدارية والفنية حاليًا مع إدارة المنتخب العُماني، منهم المدربون والمديرون والمشرفون. ويرى السعدي أن العمل التطوعي أصبح منتشرا بشكل واسع، وهناك الكثير من المتطوعين في مختلف المجالات والمؤسسات، ومعظم العاملين لديهم في النادي هم المتطوعون.