حين ترشّح دونالد ترامب للرئاسة عام 2016، تحدث عن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين باعتباره «صفقة القرن». ذلك السلام ما زال بعيد المنال، غير أنّ ترامب وضع يوم الاثنين أساسًا قويًا له من خلال خطته لإنهاء الحرب الكارثية في غزة والبدء بمرحلة انتقالية نحو «اليوم التالي».

«غزة الجديدة» التي أعلنها ترامب تهدف إلى تخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين الذين مزّقتهم الحرب، وفي الوقت نفسه إنهاء الألم الذي عانته إسرائيل منذ العمليّة التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر 2023. لقد تحولت غزة إلى ركام مدمّر، وأرضها غارقة في الدماء، وسكانها يعيشون في جوع وخوف، كما هو حال الرهائن الإسرائيليين. لقد حان وقت وقف القتال. صحيح أن ترامب كثيرًا ما يبالغ في تصوير إنجازاته، لكن ليس في هذه المرة؛ فـ«مجلس السلام» الذي اقترح إنشاءه للإشراف على المرحلة الانتقالية السياسية في غزة قد يشكّل نقطة تحوّل. ترامب تحدث عن نفسه بضمير الغائب مرشحًا ذاته لرئاسة المجلس، لكن إذا نجحت الخطة فسيكون قد نال نصيبًا من المجد الذي يسعى وراءه.

لا تزال حركة حماس مطالبة بقبول خطة وقف إطلاق النار، التي تعني عمليًا استسلامًا كاملًا وفقدانًا دائمًا لقوتها العسكرية والسياسية في غزة.

وبهذا، ستترجم الخطة «الانتصار الكامل» الذي سعى إليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مع إنقاذ نحو عشرين رهينة إسرائيلية ما زالت على قيد الحياة. نتنياهو قال إن الاتفاق «يحقق أهداف حربنا»، وقد بدا أنه انتزع تنازلات مهمة، من بينها تهميش السلطة الفلسطينية التي يرفضها، بحيث لا يكون لها دور مباشر في إدارة غزة بعد الحرب إلا بعد «إصلاحها». أما القوات الإسرائيلية فستبقى في غزة كمنطقة عازلة إلى أجل غير محدد. السعودية تبدو مستعدة لتأييد الخطة، رغم أنها لا تضمن طريقًا واضحًا نحو إقامة دولة فلسطينية، وهو الشرط الذي كانت الرياض قد أكدته من قبل. أما ما إذا كان هذا سيفتح الباب أمام تطبيع رسمي بين السعودية وإسرائيل فذلك غير واضح.

ترامب غالبًا ما يكتفي بالشعارات من دون تفاصيل، لكن إعلان البيت الأبيض يوم الاثنين جاء هذه المرة مرفقًا بإطار واضح أعدّته إدارته بهدوء خلال أسابيع بالتعاون مع حلفاء عرب. وبحسب الورقة الصادرة عن البيت الأبيض، فإن «مجلس السلام» سيشرف على «حكم انتقالي مؤقت» تديره لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية تتولى إدارة الخدمات العامة والبلديات.

كما ستنشأ «قوة استقرار دولية» تتكفل بتدريب ودعم شرطة فلسطينية جديدة. خلف هذا المخطط التنظيمي، توجد التزامات فعلية، فقد أخبرني مسؤولان عربيان رفيعان يوم الجمعة أن قائمة قصيرة من «التكنوقراط» الفلسطينيين جرى التحقق منها لتشكيل اللجنة الحاكمة.

كما عرضت عدة دول، بينها إيطاليا وإندونيسيا وأذربيجان، إرسال قوات للمشاركة في قوة الاستقرار. وسيضم الإشراف العربي غير الرسمي كلًّا من مصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات. أما على صعيد الإصلاحات الفلسطينية، فقد تعهدت دول منفردة بالإشراف على مجالات مثل التعليم والمالية.

الإدارة الأمريكية الحالية تفتقر إلى الخبرة الفنية بعدما استبعدت عددًا كبيرًا من خبراء مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، لكنها استعانت بشخصيتين خاصتين طموحتين لهما علاقات واسعة بالأوساط الفلسطينية والعربية. الأولى هو جاريد كوشنر، صهر ترامب ومهندس اتفاقات أبراهام، والأخرى هو توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق الذي جعل من السلام الفلسطيني الإسرائيلي محورًا لمحاولاته استعادة مكانته بعد نهاية ولايته المأساوية. قد يصبح ترامب رئيسًا لمجلس السلام، لكن من المرجح أن يكون بلير هو المدير التنفيذي الفعلي.

أهداف «غزة الجديدة» تفترض نزع سلاح حماس طوعًا، مع عرض بالعفو لمن يلتزمون «التعايش السلمي والتخلي عن أسلحتهم»، إضافة إلى توفير «ممر آمن» للراغبين في مغادرة غزة. وهو اتفاق يشبه ما قبله رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات عندما غادر بيروت عقب الغزو الإسرائيلي عام 1982. لكن تلك الخطوة كانت مقدمة لسنوات من الصراع المتواصل في لبنان وظهور خطر جديد متمثل في حزب الله. وغالبًا ما تكون اتفاقات السلام في هذه المنطقة مجرد سراب.

المتشائمون، وهم ضروريون في أي نقاش عن الشرق الأوسط، سيحذرون من أن خطة ترامب مليئة بالآمال وقليلة الأدوات العملية اللازمة لإعادة إعمار غزة ولشعب فلسطيني محطم وناقم. ومع ذلك، فقد تخلى ترامب عن بعض أفكاره الأولى التي تضمنت الترحيل القسري للفلسطينيين. وجاء في ورقة البيت الأبيض: «سوف نشجع الناس على البقاء ونمنحهم فرصة لبناء غزة أفضل».

ترامب أشاد بقطر وسيطا رئيسيا في المفاوضات، ورتب ما يشبه الاعتذار الإسرائيلي عن الضربة التي استهدفت مسؤولي حماس في الدوحة هذا الشهر، وذلك في مكالمة ثلاثية جمعته بنتنياهو ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.

وقد قام المسؤولون القطريون، وفي مقدمتهم مستشارو الأمير الذين يعملون بصمت لكن بفعالية، بدور بارز في مساعدة ترامب على إنجاز اتفاقات سلام منذ اليوم الأول لرئاسته. الأمر نفسه ينطبق على رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي حافظ على قناة خلفية هادئة مع إسرائيل لبحث قضايا «اليوم التالي» مع حكومة نتنياهو على مدى العام الماضي.

الملاحظة الوحيدة السلبية في خطاب ترامب يوم الاثنين كانت هجومه على الرئيس السابق جو بايدن. والواقع أن فريق بايدن في الشرق الأوسط هو من وضع الأسس لوقف إطلاق النار في غزة ولخطة الحكم الانتقالي التي أعلنها ترامب. ومن المؤسف أن ترامب لا يستطيع الاحتفاء بإنجازاته من دون التقليل من شأن عمل الآخرين.

أتذكر أنني كنت أقف في نوفمبر 2023 على أطراف غزة الجنوبية، أراقب اللاجئين الفلسطينيين وهم يفرون إلى الجنوب. كان المشهد قاتما، قافلة بائسة من البشر يسيرون حاملين أكياسًا من متاعهم، ويدفعون كبار السن على كراسٍ متحركة أو أسرّة. كان ذلك قطارًا طويلًا من المعاناة يشق طريقه نحو رفح ومزيد من سنوات الفوضى والموت.

لقد كان مشهدًا محزنًا حتى لضابط إسرائيلي رافقني إلى المنطقة. قال وهو يهز رأسه: «لا خيار أمامنا». هذا الشعور بانسداد الأفق ظل يطبع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي طوال خمسة وأربعين عامًا من متابعتي لمآسيه.

يوم الاثنين بدا وكأن بابًا نحو شيء مختلف قد فُتح قليلًا. وفي ذلك، يستحق ترامب الفضل الذي ينشده. كل ما يمكننا فعله الآن هو الأمل والدعاء بأن يواصل هو وتحالفه الجديد من العرب والإسرائيليين الضغط نحو التسوية والاتفاق.